اشفي روحك بحركات عينك: رحلة استكشاف تأثير حركات العين على الصحة النفسية والجسدية

تمثل العيون نافذة الروح وجسر الاتصال بين الإنسان وذاته والعالم من حوله. لا تقتصر وظيفة العين على مجرد استقبال الضوء ورؤية الأشياء فقط، بل تتعدى ذلك إلى تفاعل عميق مع الحالة النفسية والجسدية للإنسان. فالعديد من الدراسات العلمية الحديثة أكدت على أهمية حركات العين وتأثيرها الكبير على الصحة العقلية، واستعادة التوازن النفسي، وحتى تعزيز أداء الدماغ والجهاز العصبي. في هذا المقال سنتناول بتوسع وشمولية العلاقة المذهلة بين حركات العين والشفاء الذاتي، وكيف يمكن للإنسان أن يستخدم عينيه كأداة قوية لإعادة التوازن النفسي والروحي.

مفهوم حركات العين وأهميتها في الصحة النفسية

تُعرف حركات العين بأنها التغيرات المتنوعة في اتجاه العينين عند النظر إلى محيط معين أو عند التفكير. هناك أنواع مختلفة من هذه الحركات مثل الحركة السريعة (Rapid Eye Movement – REM) التي تحدث أثناء النوم، والحركات البطيئة التي تظهر أثناء التركيز أو الاسترخاء. تعد هذه الحركات ليست فقط عمليات ميكانيكية، بل هي تعكس حالة الدماغ العاطفية والذهنية وتؤثر فيها بشكل متبادل.

من الناحية النفسية، تعتبر حركات العين أداة أساسية في التعبير عن المشاعر الداخلية، وكثيراً ما ترتبط حالات القلق، التوتر، والاكتئاب بحركات عيون معينة. على سبيل المثال، التحديق المطول في نقطة واحدة قد يدل على التركيز أو الغرق في التفكير، في حين أن حركات العين السريعة المتقطعة قد تعبر عن التوتر أو عدم الاستقرار النفسي.

تقنية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR) ودورها في الشفاء النفسي

تعد تقنية حركة العين وإعادة المعالجة (Eye Movement Desensitization and Reprocessing – EMDR) واحدة من أبرز الاستخدامات العلاجية لحركات العين في مجال الصحة النفسية. تم تطوير هذه التقنية في أواخر الثمانينيات على يد العالمة النفسية فرانسيس شايفر، وهي تستخدم حركات العين المتناوبة لتعزيز معالجة الصدمات النفسية وتقليل أثرها السلبي.

تقوم الفكرة الأساسية لهذه التقنية على تحفيز الدماغ من خلال حركات العين اليسارية واليمنى، مما يساعد في إعادة معالجة الذكريات المؤلمة بطريقة أقل تأثيرًا على المريض. وقد أثبتت الأبحاث أن EMDR فعالة بشكل كبير في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، والاضطرابات النفسية الأخرى، حيث تساعد على تخفيف التوتر العاطفي وتحسين الحالة المزاجية.

كيف تؤثر حركات العين على التوازن العصبي

تربط الحركات الدقيقة للعين العديد من وظائف الجهاز العصبي المركزي، حيث تشارك في تنظيم عمل المخ والأعصاب. عند القيام بحركات بطيئة ومنتظمة للعين، مثل تحريك العينين إلى اليمين واليسار بتركيز، يحدث تحفيز للمراكز العصبية المسؤولة عن الاسترخاء وتنظيم ردود الفعل العاطفية.

هذا التحفيز العصبي يمكن أن يقلل من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، ويساعد على زيادة إنتاج هرمونات السعادة كالاندورفين والسيروتونين. ولهذا السبب، فإن حركات العين يمكن أن تكون جزءًا من تقنيات الاسترخاء الذاتي، والتأمل، واليوغا، حيث تساهم في تهدئة الجهاز العصبي وتحسين جودة النوم وتقليل الأرق.

العلاقة بين حركات العين والتركيز الذهني

تترافق حركات العين مع أنشطة الدماغ المعرفية المختلفة، حيث تزداد حركة العين في فترات التركيز الذهني العالي أو عند حل المشكلات المعقدة. ومن جهة أخرى، تساعد بعض حركات العين المقصودة في تحسين التركيز وتنشيط مناطق معينة في الدماغ.

على سبيل المثال، حركة العين المتكررة من الأعلى إلى الأسفل أو من اليمين إلى اليسار يمكن أن تعمل على تنشيط المناطق المسؤولة عن الذاكرة والتفكير الإبداعي. ولذلك، يوصى في بعض التمارين الذهنية بتحريك العين بوعي أثناء الدراسة أو أثناء أداء مهام تحتاج إلى تركيز عالٍ، بهدف تعزيز الأداء الذهني وتقليل التشتت.

تقنيات عملية لحركات العين تساهم في شفاء الروح

من أجل الاستفادة من حركات العين كوسيلة علاجية أو تعزيزية للروح والجسد، يمكن تطبيق بعض التقنيات البسيطة التي أثبتت فعاليتها في العديد من الدراسات:

1. تمرين حركة العين المتبادلة

يتم خلاله تحريك العينين ببطء من اليمين إلى اليسار عدة مرات، مع التركيز على التنفس العميق والاسترخاء. هذا التمرين يحفز استرخاء الجهاز العصبي ويساعد في تخفيف التوتر والضغط النفسي.

2. التحديق ببطء في نقطة معينة

يساعد التحديق المستمر لمدة دقيقة أو دقيقتين في نقطة محددة على تهدئة العقل، وتنظيم الأفكار، والتخلص من التشتت الذهني.

3. إغلاق العينين مع التركيز على الحركات

بعد إغلاق العينين، يمكن تحريكها بحركات دائرية أو رأسية داخل الجفن المغلق، مما يساعد في تهدئة العقل وتعزيز الاسترخاء الذهني.

4. استخدام تقنية EMDR المنزلية

بالرغم من أن تقنية EMDR تحتاج إلى إشراف مختص في كثير من الحالات، يمكن استخدام شكل مبسط منها في المنزل عبر تحريك العينين بالتناوب مع التركيز على مشكلة نفسية بسيطة، بهدف تحسين الحالة المزاجية.

التأثير الفسيولوجي لحركات العين على الجسم

لا تتوقف فائدة حركات العين عند الجانب النفسي فقط، بل تمتد لتشمل التأثير على وظائف الجسم الحيوية. فمن خلال التحفيز العصبي الناتج عن تحريك العين، تحدث عدة تغييرات فسيولوجية:

• تنشيط الدورة الدموية: تحريك العين ينشط الدورة الدموية في مناطق الرأس والوجه، مما يساعد في تدفق الدم بكفاءة وتحسين الأوكسجين إلى خلايا الدماغ.

• تخفيف إجهاد العضلات: التوتر العضلي في الرقبة والوجه يقل مع التمارين البصرية المتكررة، مما يخفف من الصداع الناتج عن إجهاد العينين أو التوتر العصبي.

• تحسين التنفس: التمارين البصرية المرتبطة بالتنفس العميق تحسن من كفاءة التنفس، ما ينعكس إيجاباً على حالة الجسم العامة.

علاقة حركات العين بالأحلام والنوم

تُعد حركة العين السريعة (REM) خلال مرحلة النوم من أهم مؤشرات جودة النوم وصحة الدماغ. حيث يتكرر خلالها تحريك العين بسرعة، وترتبط هذه المرحلة بحلم الإنسان وأداء الدماغ في معالجة المعلومات والذكريات.

إن اضطرابات هذه الحركة أو ضعفها قد تعكس مشاكل صحية مثل الأرق، اضطرابات النوم، والاضطرابات النفسية. لذا فإن الاهتمام بحركات العين في الحياة اليومية، وممارسة تمارين الاسترخاء التي تساعد على تنظيمها، ينعكس إيجابًا على جودة النوم وصحة الدماغ.

دراسة مقارنة: تأثير حركات العين مقابل تقنيات الاسترخاء الأخرى

أظهرت الدراسات الحديثة أن حركات العين كأداة علاجية توازي في فعاليتها بعض تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، وتمارين اليوغا. لكن ما يميزها هو سهولة التطبيق وفعالية الاستجابة العصبية، حيث تستجيب مراكز الدماغ بشكل مباشر لتحفيز العين، مما يعجل في تخفيف التوتر النفسي وتحسين المزاج.

في الجدول التالي توضيح لبعض الفروقات والميزات بين حركات العين وبعض تقنيات الاسترخاء الشائعة:

خلاصة

تُشكل حركات العين واحدة من أدوات الجسم الذكية التي تحمل في طياتها إمكانية كبيرة لعلاج النفس وتوازن الروح. من خلال فهم هذه الحركات، والاستفادة من تقنيات متخصصة مثل EMDR أو التمارين البصرية البسيطة، يمكن لكل إنسان أن يخفف من ضغوط الحياة اليومية ويعزز صحته النفسية والجسدية.

يتبين أن حركات العين ليست مجرد استجابة ميكانيكية بحتة، بل هي عملية متكاملة تجمع بين الفسيولوجيا العصبية والنفسية، وتمثل وسيلة فعالة تتيح للإنسان إمكانية شفاء ذاته، وتنقية روحه، وإعادة توازن جهازه العصبي. الاهتمام بهذه الحركات وممارستها بوعي تفتح أمام الإنسان أفقاً واسعاً نحو تحسين جودة حياته، والعيش بسلام داخلي يتجلى في قوة بصرية تنعكس على كل جانب من جوانب الصحة والسلامة النفسية.

المصادر والمراجع

• Shapiro, F. (2018). Eye Movement Desensitization and Reprocessing (EMDR) Therapy: Basic Principles, Protocols, and Procedures. Guilford Press.

• American Psychological Association (APA). (2020). The Effects of Eye Movements on Brain Function and Emotional Regulation.