القرآن والثقوب السوداء

القرآن الكريم و ظاهرة الثقوب السوداء في الفضاء

يُعدّ الربط بين النصوص القرآنية والمعطيات العلمية الحديثة أحد أبرز ميادين التأمل والتدبر في العصر الحديث، حيث يشهد العالم ثورة معرفية كونية في علم الفلك والفيزياء، خصوصاً ما يتعلّق بظواهر كونية معقدة مثل الثقوب السوداء. هذه الظاهرة، التي حيّرت العلماء لعقود طويلة، أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من علوم الفيزياء الفلكية، وتمثل واحدة من أعقد البُنى التي اكتشفها الإنسان في الكون. وفي المقابل، فإنّ القرآن الكريم، وهو كتاب نزل في القرن السابع الميلادي، يتضمن إشارات قد تبدو في ظاهرها مجازية أو روحية، ولكن عند قراءتها في ضوء العلوم المعاصرة تتجلّى فيها إشارات دقيقة تقارب المفاهيم الكونية التي لم تُكتشف إلا حديثًا.

هذا التداخل بين الوحي والعلم، لا يعني استخدام القرآن كمرجع علمي بالمعنى المعاصر، وإنما يكشف عن أبعاد إعجازية في النصوص الإلهية التي سبقت الزمان والمكان، لتُظهر في عصرنا دلائل على توافقها مع سنن الكون وحقائقه الكبرى.

مفهوم الثقوب السوداء في الفيزياء المعاصرة

الثقب الأسود (Black Hole) هو منطقة في الفضاء تتميز بجاذبية قوية جداً لدرجة لا يمكن لأي شيء، حتى الضوء، أن يفلت منها. تنشأ هذه الظاهرة عندما تنهار النجوم العملاقة في نهاية عمرها، فتتحول كتلتها إلى نقطة صغيرة جداً تُعرف باسم “التفرد” (Singularity)، محاطة بمنطقة يُطلق عليها “أفق الحدث” (Event Horizon) وهي الحد الذي لا يمكن بعده الرجوع.

ما يميز الثقب الأسود هو أنّه لا يمكن رؤيته بشكل مباشر، لأنه لا يصدر ضوءًا. ولكن يمكن التعرف عليه من خلال آثاره على الأجسام القريبة منه مثل النجوم والمجرات والغازات، حيث يُحدث اضطرابات شديدة في البُنية النسيجية للزمان والمكان، وقد رصد العلماء تلك التأثيرات باستخدام تقنيات متطورة جداً مثل موجات الجاذبية وأشعة X والراديو تلسكوبات.

وحتى عام 2019، لم يكن لدى البشرية صورة مباشرة للثقب الأسود، حتى التُقطت أول صورة لثقب أسود في مجرة M87 باستخدام تلسكوب “أفق الحدث”، وقد شكّل ذلك نقلة نوعية في علم الفلك ورؤية جديدة عن طبيعة الكون العميقة.

إشارات قرآنية قد تشير إلى الظاهرة

من بين الآيات القرآنية التي استوقفت العلماء والباحثين في سياقها الكوني الحديث، نجد قوله تعالى:

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ۝ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾

[سورة التكوير، الآيتان 15-16]

في هذه الآية يستخدم النص القرآني وصفًا مميزًا: “الخُنَّس”، “الجَوار”، “الكُنَّس”، وهي كلمات ذات دلالات لغوية وتفسيرية دقيقة تستدعي التأمل في ضوء المفاهيم الحديثة.

الخُنَّس: تعني التي تختفي ولا تُرى.

الجَوار: تدل على الحركة، أي أنها تسير وتتحرك في الفضاء.

الكُنَّس: من الكنس، أي التي تكنس ما حولها، وهذا يتطابق بشكل مذهل مع مفهوم الثقب الأسود الذي “يبتلع” كل ما يقترب منه، حتى الضوء.

العلماء المسلمون والباحثون في الإعجاز العلمي لاحظوا أن هذا الوصف الثلاثي قد يُطابق إلى حدّ بعيد صفات الثقوب السوداء، فهي:

• غير مرئية (الخنس)،

• متحركة في مدارات (الجوار)،

• تمتلك قدرة على امتصاص كل شيء يقترب منها (الكنس).

هذا التلاقي اللغوي والمعنوي مع حقائق فيزيائية لم تُكتشف إلا في القرن العشرين، يعزز من قيمة النصوص القرآنية كخطاب كوني متعالٍ عن الزمان، لا يتقيد بإدراك الإنسان لحظة نزوله.

الثقوب السوداء ومفاهيم قرآنية متصلة

القرآن الكريم لم يتناول فقط مفردات تتعلق بالمجرّات والنجوم، بل تحدث عن الظواهر الكبرى للكون في إطار شمولي. فعلى سبيل المثال:

﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾

[سورة الانشقاق: 1]

﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾

[سورة الأنبياء: 104]

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾

[سورة الطارق: 11]

هذه الآيات، رغم طابعها الإعجازي المرتبط بيوم القيامة أو بعظمة الخلق، فإن مفرداتها تتماشى مع مفاهيم فيزيائية معاصرة كـ”الانكماش العظيم” (Big Crunch) و”الانفجار العظيم” (Big Bang) و”الطيات الزمنية”، والتي يناقشها العلماء حالياً في سياق بنية الكون ومصيره النهائي. فكما يوجد “توسع كوني”، تتحدث الفيزياء النظرية عن احتمال “انكماش كوني” أيضًا، يشبه ما ورد في آية “طي السماء”.

الثقب الأسود في سياق النسبية العامة

عندما قدّم ألبرت أينشتاين نظريته في النسبية العامة عام 1915، مهد الطريق لفهم الظواهر الفلكية في إطار الزمان والمكان المنحني. وطبقاً لهذه النظرية، فإن الأجسام الثقيلة تشوه نسيج الزمكان المحيط بها، وكلما زادت الكتلة، زاد الانحناء.

الثقوب السوداء تمثل أقصى درجة من هذا التشوّه، حيث تصبح الجاذبية لانهائية في المركز. هذا المعنى ينسجم مع المفهوم القرآني لطبقات السماوات وقوانين الجذب والطرد، حيث يقول الله تعالى:

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[سورة الرعد: 2]

هذه “العمَد غير المرئية” يمكن فهمها اليوم كقوى الجاذبية التي تحفظ الكواكب في مداراتها وتمنع انهيار الكون، وهي ذاتها التي تسهم في تشكيل الثقوب السوداء بعد انهيار النجوم.

دقة المصطلحات القرآنية بين المجاز والعلم

ما يُميز النص القرآني هو استخدامه لمصطلحات عامة ذات دلالة عميقة، تفتح المجال لفهمها في ضوء المستجدات العلمية دون تعارض أو تصادم. فعلى سبيل المثال، كلمة “السماء” في القرآن لا تشير فقط إلى السماء الزرقاء فوق رؤوسنا، بل تشمل الكون بكل أبعاده:

﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾

[سورة المُلك: 5]

هذه المصابيح تشير إلى النجوم، ومنها ما يتحول إلى ثقوب سوداء بعد موتها، فيما يتسق مع دورة حياة النجوم كما نعرفها اليوم.

الثقوب السوداء في سياق البعث والنشور

أحد الجوانب اللافتة هو الربط بين مفاهيم الثقوب السوداء والنشور أو البعث في القرآن الكريم. ففي فهم العلماء المسلمين المعاصرين، فإن الطاقة الكامنة في الثقوب السوداء، والقدرة الهائلة على طي الزمان والمكان، تُمكن من تصوّر إعادة الخلق بطريقة علمية ممكنة.

قال تعالى:

﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾

[سورة الأنبياء: 104]

في ضوء علم الفيزياء النظرية، فإنّ الكون يمكن أن ينطوي على نفسه (Big Crunch) ثم يُبعث من جديد (Big Bounce)، وهي فرضيات فيزيائية تُظهر إمكان تكرار الخلق، مما ينسجم مع العقائد الإيمانية حول البعث والنشور.

جدول يوضح تطابق الصفات بين الثقوب السوداء والآيات

الخاتمة: الوحدة بين النص والكون

القرآن الكريم ليس كتاب علم بالمعنى التجريبي، لكنه كتاب هداية وإشارات كونية تُحفّز العقل على التأمل والتفكر. وإن ظاهرة الثقوب السوداء، وما تحمله من أسرار وحقائق مذهلة، تفتح أمام الباحثين المسلمين مجالًا واسعًا لفهم النصوص القرآنية في سياق كوني واسع. هذه الظاهرة التي لم تُكتشف إلا في القرن العشرين، تبدو أنها كانت جزءًا من المشهد الغيبي الذي أشار إليه القرآن قبل قرون، لتبقى شاهداً على وحدة الخلق والخالق، وعلى أن كتاب الله لا يحدّه زمان ولا مكان.

المراجع:

1. Stephen Hawking, A Brief History of Time, Bantam Books, 1988.

2. Zaghloul El-Naggar, Scientific Notions in the Quran, Islamic Book Trust.