آيات قرآنية عن وأد البنات: دروس وعبر من القرآن الكريم
في ظل التوجيهات الربانية التي جاء بها القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي تتناول قضايا اجتماعية وإنسانية هامة. من بين هذه القضايا، قضية وأد البنات، التي كانت تمارس في الجاهلية بشكل وحشي وغير إنساني، حيث كان البعض يعتبرون البنات عبئًا ثقيلًا عليهم يهددون شرفهم وسمعتهم، مما دفعهم إلى قتل بناتهم دفنًا أو قتلًا بحجة العار أو الخوف من الفقر. وتعتبر هذه الظاهرة من أقبح وأبشع الممارسات التي عرفها الإنسان في تلك الحقبة الزمنية، وقد جاء القرآن الكريم ليعالج هذه الجريمة البشعة ويضع لها حدودًا واضحة.
تعريف وأد البنات
وأد البنات هو مصطلح يشير إلى قتل البنات أو دفنهن أحياء في الأرض، وهو أمر كان يمارس في بعض المجتمعات العربية قبل الإسلام. كان هذا الفعل يعتبر أداة للتخلص من المسؤولية الاجتماعية أو الاقتصادية، وكان يُبرر بمبررات غير إنسانية مثل الخوف من العار أو الفقر. في هذا السياق، نجد أن القرآن الكريم جاء ليحارب هذه العادات وينهى عنها بشكل قاطع.
القرآن الكريم وأد البنات: معركة ضد الجهل والظلم
واحدة من أبرز السمات التي تميز القرآن الكريم هي مواكبته للواقع الاجتماعي ومواجهته للمشكلات الاجتماعية التي كانت تعصف بالمجتمع العربي في ذلك الوقت. في هذا السياق، نجد أن القرآن الكريم قد تناول قضية وأد البنات في عدة آيات، حيث جاء بآيات صريحة تبين قبح هذا الفعل وتحذر من مغبته.
-
سورة النحل – الآية 58-59
قال تعالى:
“وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”.هذه الآية الكريمة تصف حال بعض الرجال في الجاهلية الذين كانوا يواجهون بشارة مولودة أنثى بالحزن والغضب، ويكتنفهم الشعور بالخجل، لدرجة أن بعضهم كان يتمنى أن يدفن الطفلة حيّة ويخفي وجهه من العار الذي يتوهمه. الآية تكشف عن شدة الجهل والعنف الذي كان يحيط بهذا التصرف.
-
سورة التكوير – الآية 8-9
قال تعالى:
“وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”.في هذه الآية، يورد القرآن الكريم سؤالًا موجّهًا للإنسانية كلها، موجهًا للأجيال القادمة: لماذا كانت تُقتل البنات؟ ما هو الذنب الذي ارتكبته تلك الطفلة التي تم وأدها؟ هي دعوة صريحة للتفكير في القسوة والظلم الذي وقع على النساء والبنات في تلك الفترة. كما أنها دعوة للتساؤل عن قيمة الحياة الإنسانية، وأن لا فرق بين إنسان وآخر في حق الحياة.
دلالات الآيات الكريمة حول وأد البنات
-
الانتقاد الشديد لهذه الممارسة
الآيات التي تتحدث عن وأد البنات تُظهر بوضوح أن هذه العادة كانت محلّ انتقاد من الله عز وجل. القرآن الكريم لم يترك أي مجال للتبرير أو التخفيف عن هذه الجريمة البشعة، بل جاء بآيات تحذر بشدة من ممارسة هذه العادة وتدينها بشدة.
-
تسليط الضوء على الظلم الاجتماعي
جريمة وأد البنات لم تكن مجرد قتل مادي لأرواح بريئة، بل كانت تعبيرًا عن الظلم الاجتماعي والإقصاء الكامل للفتيات من حقوقهن الإنسانية. كانت هذه الممارسة تعكس واقعًا اجتماعيًا قاسيًا يعامل الأنثى كعبء ثقيل، ويُحملها المسؤولية عن مشاكل وأزمات المجتمع، دون النظر إلى إنسانيتها أو دورها في المجتمع. هذه النظرة السلبية والفكر الجاهلي كانت تحتاج إلى تصحيح عميق.
-
التأكيد على العدالة الإلهية
تركز الآيات على فكرة العدالة الإلهية، وتُظهر كيف أن الله عز وجل قد جعل لكل شخص، سواء كان ذكرًا أو أنثى، حقوقًا متساوية في الحياة. في القرآن الكريم، نجد تأكيدًا على أن الأنثى لا تقل أهمية عن الذكر، وأن الحياة حق للجميع.
-
تعزيز قيمة الحياة الإنسانية
بتوجيه المسلمين إلى الاهتمام بالأنثى، ووقف كافة أشكال التمييز ضدها، كان القرآن يشدد على قيمة الحياة الإنسانية بشكل عام، وأن كل فرد في المجتمع له حق الحياة والعيش الكريم، بغض النظر عن جنسه.
مواقف إسلامية ضد وأد البنات
لقد جاء الإسلام بقرارات صريحة وواضحة للحد من هذه العادة القبيحة. لم يقف الإسلام عند مجرد إدانة وأد البنات بل قدم حلولًا عملية وشرعية لضمان احترام حقوق المرأة والطفلة على حد سواء.
-
أصبح الإسلام يدعو إلى معاملة البنات بالرحمة
حيث أن الإسلام يحث على تربية البنات بالعطف والرحمة والاحترام، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على فضل من يربي بناته، بل اعتبر ذلك طريقًا إلى الجنة. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “من عالَ ثلاثَ بناتٍ، فأدَّبهنَّ، وأحسنَ إليهنَّ، حتى يزوجهنَّ، فله الجنة”.
-
منع وحرّم وأد البنات بشكل قاطع
في السياق ذاته، جاءت أحاديث نبوية عديدة تقطع أي مجال للشك في حرمة وأد البنات، ومنها ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: “لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خطيئة كبيرة”.
القرآن الكريم والمرأة: شراكة الإنسان في الحياة
في أعمق معانيها، تظهر الآيات التي تناولت وأد البنات دعوة كبيرة للعدالة والمساواة. إن القرآن الكريم يدعو إلى التعايش السلمي بين الجنسين، ويؤكد على أن المرأة هي شريك في الحياة الإنسانية، ولها حقوق تساوي حقوق الرجل في إطار الحياة الكريمة.
خاتمة
لقد كانت قضية وأد البنات من القضايا البالغة الأهمية في المجتمع الجاهلي، والتي تناولها القرآن الكريم بشدة ليُزيل الظلام عن هذه العادة البشعة. إن القرآن الكريم بتوجيهاته الربانية قد قام بتغيير مسار تاريخ المجتمعات التي كانت تمارس هذه الجريمة، وأدى إلى تثبيت قيم العدالة والمساواة بين الجنسين. من خلال هذه الآيات القرآنية العميقة، نجد أن الإسلام كان رائدًا في رفع قيمة الإنسان بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، في المجتمع.
