الغطاء النباتي

الفطريات الدعامية وأهميتها البيئية

الفطريات الدعامية: تعريفها، أنواعها، وأهميتها البيئية

الفطريات الدعامية هي مجموعة من الفطريات التي تلعب دوراً محورياً في النظم البيئية، خاصة في العلاقات التكافلية مع جذور النباتات. تُعرف هذه الفطريات بأنها تشكل بنى داعمة للنباتات، حيث تقوم بتوفير فوائد عديدة للنباتات المضيفة، وفي المقابل تحصل على الغذاء والطاقة التي تحتاجها. يمثل هذا النوع من الفطريات جزءاً أساسياً من دورة الحياة النباتية في العديد من النظم البيئية حول العالم، ويُعَد من أهم الكائنات الحية الدقيقة التي تؤثر على نمو النباتات وصحتها بشكل مباشر.

تعريف الفطريات الدعامية

الفطريات الدعامية (Mycorrhizal fungi) هي فطريات تعيش في علاقة تكافلية مع جذور النباتات، حيث تتغلغل خيوطها في أنسجة الجذور أو تتواجد على سطحها، لتشكل شبكة تمتد في التربة تساعد في زيادة قدرة النبات على امتصاص الماء والعناصر الغذائية، خصوصاً الفوسفور والنيتروجين. كلمة “دعامية” تشير إلى دعم هذه الفطريات للنباتات، فهي بمثابة الدعامات التي تعزز من قدرة النباتات على البقاء والنمو في بيئات قد تكون فقيرة بالعناصر الغذائية أو صعبة من حيث ظروف النمو.

تمتد خيوط الفطريات (الهيفا) في التربة لمسافات بعيدة، مما يوسع من مساحة امتصاص النباتات بشكل كبير مقارنة بجذور النبات لوحدها، مما يجعل النباتات التي تعيش معها هذه الفطريات أكثر قوة وصلابة.

أنواع الفطريات الدعامية

الفطريات الدعامية تنقسم إلى عدة أنواع رئيسية تختلف في طريقة تعايشها مع النباتات، وأهم هذه الأنواع:

1. الفطريات الدعامية الخارجية (Ectomycorrhiza)

تتميز هذه الفطريات بتغليفها لجذور النباتات من الخارج دون الدخول إلى خلايا الجذر. تتشكل طبقة من الخيوط الفطرية حول الجذور تُعرف بـ “مانشيت” الفطر، وتنتشر الخيوط في التربة المحيطة لتمتص العناصر الغذائية والماء. هذا النوع شائع جداً بين أشجار الغابات مثل أشجار الصنوبر والبلوط.

2. الفطريات الدعامية الداخلية (Endomycorrhiza)

تخترق هذه الفطريات خلايا الجذر وتعيش بداخلها، وتمتد خيوطها داخل خلايا الجذر لتكوين بنى متخصصة تعرف بـ “الهارتج” (arbuscules) التي تساعد في تبادل المواد الغذائية بين الفطر والنبات. أكثر أنواع هذه الفطريات شيوعاً هي الفطريات الدعامية الجذرية (Arbuscular mycorrhiza)، التي ترتبط مع معظم النباتات الزهرية والمحاصيل الزراعية.

3. الفطريات الدعامية الإثيمالية (Ericoid mycorrhiza)

تتعايش مع النباتات من فصيلة الإيريكا، وهي فطريات تعيش في أنسجة جذور هذه النباتات وتساعدها على النمو في التربة الحمضية والفقر الغذائي.

4. الفطريات الدعامية الأوركيديّة (Orchid mycorrhiza)

تتعايش مع نباتات الأوركيد، وهي ضرورية لتكاثر الأوركيد في الطبيعة، حيث تساعد في إنبات البذور الصغيرة جداً من الأوركيد والتي لا تملك مخزوناً غذائياً كبيراً.

أهمية الفطريات الدعامية في البيئة والنباتات

تلعب الفطريات الدعامية دوراً أساسياً في زيادة خصوبة التربة، وتعزيز نمو النباتات من خلال عدة آليات حيوية وبيئية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. تحسين امتصاص العناصر الغذائية

الفطريات الدعامية تزيد من قدرة النبات على امتصاص الفوسفور، وهو من العناصر الضرورية لنمو النباتات، حيث يكون الفوسفور في التربة غالباً في شكل غير قابل للامتصاص مباشرة من قبل النبات. خيوط الفطريات تصل إلى مناطق بعيدة في التربة وتحول الفوسفور إلى أشكال يسهل على النبات امتصاصها.

2. تعزيز مقاومة النبات للإجهادات البيئية

الفطريات تساعد النباتات على مقاومة الجفاف والملوحة والتلوث، بالإضافة إلى مقاومة الأمراض التي تصيب الجذور. وجود شبكة الفطريات يعزز من قدرة النبات على تحمل الظروف الصعبة، ويزيد من نشاط المناعة النباتية.

3. تحسين بنية التربة

شبكة الخيوط الفطرية تساعد على تحسين بنية التربة من خلال ربط جزيئات التربة مع بعضها، مما يزيد من تهويتها وقدرتها على الاحتفاظ بالماء. هذا الأمر مهم بشكل خاص في التربة الرملية أو الفقيرة.

4. دعم التنوع البيولوجي

تساعد الفطريات الدعامية في دعم التنوع النباتي، حيث تسمح للنباتات بأن تنمو في بيئات مختلفة، بما في ذلك البيئات ذات التربة الفقيرة. علاوة على ذلك، تشكل هذه الفطريات شبكة تربط بين النباتات المختلفة، مما يسهل تبادل المواد الغذائية والمعلومات الكيميائية.

العلاقة بين الفطريات الدعامية والنباتات: آلية التكافل

العلاقة بين الفطريات الدعامية والنباتات تُعد نموذجاً مثالياً للعلاقات التكافلية. حيث تتبادل الكائنات المنافع:

  • الفطر يحصل على السكريات والكربوهيدرات التي يصنعها النبات من خلال التمثيل الضوئي، وهذا غذاؤه الأساسي.

  • النبات يستفيد من التوسعة الكبيرة لشبكة الفطرية التي تزيد من مساحة الامتصاص للماء والعناصر الغذائية، كما يستفيد من حماية الفطر له ضد مسببات الأمراض.

هذه العلاقة تحسن من كفاءة استخدام الموارد في النظام البيئي، وتسهل نمو النباتات في ظروف التربة المختلفة، سواء كانت فقيرة أو غنية.

استخدامات الفطريات الدعامية في الزراعة والبيئة

1. تحسين إنتاج المحاصيل الزراعية

أثبتت الدراسات أن استخدام الفطريات الدعامية في زراعة المحاصيل يعزز من نموها، ويزيد من مقاومتها للآفات، كما يرفع من جودة المحصول. لذلك تستخدم في بعض البرامج الزراعية العضوية لتعويض استخدام الأسمدة الكيماوية.

2. استصلاح الأراضي المتدهورة

يمكن للفطريات الدعامية أن تلعب دوراً مهماً في استصلاح الأراضي الصحراوية أو المتدهورة، من خلال تحسين قدرة النباتات على النمو في ظروف قاسية.

3. مكافحة التلوث البيئي

تساهم بعض أنواع الفطريات الدعامية في تقليل التلوث العضوي وغير العضوي، من خلال تعزيز قدرة النباتات على امتصاص المعادن الثقيلة والمواد الضارة من التربة.

4. دعم الغابات والحفاظ على التنوع النباتي

في النظم البيئية الغابية، تمثل الفطريات الدعامية عنصراً حيوياً للحفاظ على توازن الغابات واستمرار دورة حياة الأشجار والنباتات.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أنواع الفطريات الدعامية وأهم خصائصها:

نوع الفطريات الدعامية طريقة التعايش مع الجذر النباتات المضيفة الرئيسية الخصائص الرئيسية
الفطريات الدعامية الخارجية تغليف الجذر من الخارج بدون دخول أشجار الغابات كالصنوبر والبلوط طبقة خارجية تغلف الجذر وتوسع مساحة الامتصاص
الفطريات الدعامية الداخلية اختراق خلايا الجذر وتكوين هارتج معظم النباتات الزهرية والمحاصيل تشكل هياكل تبادلية داخل الخلايا لتعزيز الامتصاص
الفطريات الإثيمالية تعايش في أنسجة جذور الإيريكا نباتات الإيريكا تساعد على النمو في التربة الحمضية والفقر الغذائي
الفطريات الأوركيديّة تعايش خاص مع أنسجة جذور الأوركيد نباتات الأوركيد ضرورية لإنبات بذور الأوركيد الصغيرة جداً

الدراسات والأبحاث الحديثة

أظهرت الأبحاث العلمية أن استخدام الفطريات الدعامية يعد من أبرز التقنيات البيولوجية في الزراعة المستدامة، حيث تم تطوير أنواع من الفطريات الدعامية لتكون جاهزة للزراعة مع المحاصيل، وذلك لتعزيز إنتاجية المحاصيل بشكل طبيعي دون الإضرار بالبيئة.

كما بينت دراسات عدة أن هذه الفطريات تساهم في تقليل الحاجة للأسمدة الكيماوية والمبيدات، مما يقلل من تأثيرات الزراعة الصناعية على النظام البيئي المحيط.

الخلاصة

الفطريات الدعامية تمثل أحد الأعمدة الأساسية في النظام البيئي النباتي، حيث تخلق علاقة تكافلية فريدة مع جذور النباتات تدعم نموها وتحسن من قدرتها على مقاومة الظروف البيئية المختلفة. فهم هذه الفطريات واستخدامها بطرق علمية مدروسة يسهم في تطوير الزراعة المستدامة، الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتحسين صحة التربة والنباتات.

يمكن اعتبار الفطريات الدعامية بوابة المستقبل للزراعة الصديقة للبيئة، وهي محور الأبحاث العلمية الحديثة التي تسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي العالمي من خلال حلول بيولوجية فعالة ومستدامة.


المراجع:

  1. Smith, S.E., & Read, D.J. (2008). Mycorrhizal Symbiosis. Academic Press.

  2. Brundrett, M.C. (2009). Mycorrhizal associations and other means of nutrition of vascular plants: understanding the global diversity of host plants by resolving conflicting information and developing reliable means of diagnosis. Plant and Soil, 320, 37–77.