الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار
يُعدُّ مفهوم “صنع القرار” و”اتخاذ القرار” من المفاهيم الأساسية في مجالات الإدارة، وعلم النفس، والاجتماع، وعلم السياسة. على الرغم من أن المصطلحين قد يُستخدمان بشكل مترادف في بعض الأحيان، إلا أنهما يختلفان من حيث المعنى والسياق. في هذا المقال، سنتناول الفرق بين هذين المصطلحين من خلال استعراض دقيق لعملية صنع القرار، وعناصرها، وأثرها على عملية اتخاذ القرار، مع إبراز الفروق الجوهرية بينهما.
أولًا: تعريفات أساسية
صنع القرار: هو العملية الفكرية التي يمر بها الفرد أو المجموعة من أجل تحديد الخيارات المتاحة وتحليلها للوصول إلى أفضل قرار. يتمحور هذا المصطلح حول مرحلة التفكير والتحليل قبل اتخاذ القرار الفعلي.
اتخاذ القرار: يشير إلى الفعل الفعلي الذي يتم بعد تحليل الخيارات المختلفة، ويشمل الاختيار الفعلي من بين البدائل المتاحة. يُعتبر اتخاذ القرار هو المرحلة النهائية التي يتم فيها تنفيذ القرار الذي تم التوصل إليه.
ثانيًا: الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار
1. العملية الفكرية vs. الفعل الفعلي
الفرق الأول بين صنع القرار واتخاذه هو أن صنع القرار يتعلق بالمرحلة الفكرية والتحليلية التي تسبق الفعل الفعلي. يتطلب هذا النوع من العمليات التفكير العميق حول المشكلة أو الفرصة المعينة، ثم النظر في البدائل المختلفة، وتحليل إيجابيات وسلبيات كل خيار. كما يتطلب جمع المعلومات المتعلقة بالموضوع والتوصل إلى استنتاجات مدروسة.
أما اتخاذ القرار فهو الفعل الذي يتبع عملية صنع القرار. في هذه المرحلة، يتم الاختيار الفعلي من بين الخيارات المتاحة، وهو قرار يتم تبنيه في الوقت الفعلي بناءً على التحليل الذي تم إجراؤه خلال مرحلة صنع القرار.
2. المشاركة الفردية vs. الجماعية
في الكثير من الحالات، يتم صنع القرار بشكل فردي، حيث يقوم الشخص المعني بتحليل المواقف والخيارات التي قد تكون متاحة له. قد يركز على المعطيات الشخصية، أو الخبرات السابقة، أو التحليل العقلي فقط، للوصول إلى أفضل خيار.
أما في حالة اتخاذ القرار، فقد يتم تنفيذ القرار بشكل فردي أو جماعي. في المؤسسات الكبيرة أو في حالات اتخاذ القرارات التي تؤثر على مجموعة كبيرة من الأفراد، يتم في كثير من الأحيان اتخاذ القرارات جماعيًا من خلال اللجان أو فرق العمل.
3. المدى الزمني
يمتد صنع القرار على فترة زمنية أطول في العادة، حيث يتضمن جمع البيانات، وتقييم البدائل، وتحليل المخاطر. يتم التفكير في المستقبل وفي النتائج المحتملة لكل خيار. قد يحتاج الشخص إلى وقت أطول للوصول إلى نقطة قرار دقيقة ومبنية على أسس مدروسة.
بينما اتخاذ القرار يتم عادةً في وقت أقصر بمجرد الوصول إلى نقطة قرار نهائي. في كثير من الأحيان، يتم اتخاذ القرار بناءً على اللحظة الحاسمة التي يتطلب فيها الموقف حلاً سريعًا، خصوصًا في الحالات الطارئة أو المتغيرات السريعة التي تفرض نفسها.
4. التركيز على الهدف vs. عملية التنفيذ
عندما نتحدث عن صنع القرار، فإن التركيز يكون غالبًا على أهداف العملية وتحقيق النتيجة المرجوة من خلال الخيارات المتاحة. يركز الفرد أو الفريق في هذه المرحلة على التفكير في العواقب المستقبلية والتأكد من اختيار البديل الذي يخدم الهدف على المدى الطويل.
أما اتخاذ القرار فيركّز أكثر على عملية التنفيذ، حيث يتم توجيه الجهود نحو تطبيق القرار المتخذ فعليًا وتنفيذه على أرض الواقع. في هذه المرحلة، يتعامل الفرد أو المجموعة مع الأمور العملية مثل التنسيق بين الموارد، وتنفيذ الخطط، وضمان الحصول على النتائج المتوقعة.
ثالثًا: عملية صنع القرار
تعتبر عملية صنع القرار عملية معقدة تتطلب مراحل متعددة، حيث لا يتم الوصول إلى القرار النهائي بسهولة. فيما يلي بعض المراحل التي قد تشملها عملية صنع القرار:
1. التعرف على المشكلة
تبدأ عملية صنع القرار بتحديد المشكلة أو الفرصة التي تحتاج إلى حل. في هذه المرحلة، يجب أن يكون الشخص قادرًا على تحديد القضية الأساسية بدقة، بما في ذلك العوامل المؤثرة والمخاطر المحتملة.
2. جمع المعلومات
في هذه المرحلة، يتم جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالمشكلة. يشمل ذلك الحصول على كافة الحقائق الممكنة المتعلقة بالموقف، مثل الإحصائيات، والآراء المتنوعة، والمراجعات، وما إلى ذلك.
3. تحديد البدائل
بعد جمع المعلومات، يُفترض أن يتم التفكير في بدائل متعددة لحل المشكلة. يتعين على صانع القرار تحديد جميع الخيارات الممكنة، بما في ذلك تلك التي قد تكون خارج نطاق التفكير التقليدي.
4. تقييم البدائل
تعد مرحلة تقييم البدائل من أهم المراحل في عملية صنع القرار. في هذه المرحلة، يتم تحليل كل بديل بناءً على مجموعة من المعايير، مثل التكلفة، والوقت، والأثر المحتمل. يتطلب هذا التفكير النقدي والمعرفي لضمان أن الاختيار المتاح هو الأكثر فعالية.
5. اختيار البديل الأنسب
بناءً على تقييم البدائل، يتم اختيار البديل الذي يحقق أفضل مزيج من المزايا وفقًا للمعايير المحددة. قد يكون هذا القرار هو الأكثر منطقية أو الأنسب بناءً على المعطيات المتاحة.
6. تنفيذ القرار
على الرغم من أن التنفيذ عادة ما يُعتبر جزءًا من اتخاذ القرار، إلا أنه في بعض الأحيان يعتبر جزءًا من صنع القرار نفسه، لأن التحليل يشمل التأكد من أن القرار يمكن تنفيذه بشكل فعال.
7. تقييم النتائج
بعد تنفيذ القرار، يجب أن يتم تقييم النتائج للتأكد من أن القرار كان صحيحًا وفعّالًا. قد يتطلب الأمر تعديل أو تكرار العملية إذا كانت النتائج غير متوافقة مع التوقعات.
رابعًا: الفرق في السياقات العملية
1. في مجال الأعمال
في مجال الأعمال، يعد صنع القرار عملية تتعلق بتحديد الاتجاه الاستراتيجي للمؤسسة. يقوم القادة بتحديد أهداف الأعمال، وتحديد الموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وتحليل السوق والظروف الاقتصادية. بعد ذلك، يتم اتخاذ القرار بناءً على تلك التحليلات.
أما اتخاذ القرار في هذا السياق، فهو يشمل اختيار الطريق العملي الذي يجب اتباعه بناءً على الخطة الاستراتيجية المتبناة. يتعلق الأمر بتوجيه الأنشطة اليومية للمؤسسة، مثل تحديد المشروعات التي يجب تنفيذها، والموارد التي يجب تخصيصها لها.
2. في الحياة الشخصية
عندما يتعلق الأمر بالحياة الشخصية، فإن صنع القرار يشمل التفكير العميق في الخيارات المتاحة، مثل اختيار الوظيفة المثلى، أو تحديد مسار التعليم، أو اتخاذ قرارات تتعلق بالصحة أو العلاقات. يعتمد هذا النوع من القرارات على مجموعة من العوامل مثل القيم الشخصية، والتوقعات المستقبلية، والمخاوف.
أما اتخاذ القرار في هذا السياق، فيرتبط بالاختيار الفعلي للمسار الذي يناسب الشخص بناءً على تحليله للأوضاع.
3. في السياسة
في السياسة، يصنع القادة السياسيون القرارات بناءً على دراسة الوضع الداخلي والخارجي. يتطلب هذا تحليل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وإعداد السياسات العامة، وتحديد أولويات الحكم. في المقابل، يتضمن اتخاذ القرار عملية تنفيذ هذه السياسات من خلال التشريعات، القرارات التنفيذية، والتعاون مع الجهات المعنية.
خامسًا: خاتمة
على الرغم من أن “صنع القرار” و”اتخاذ القرار” قد يُنظر إليهما كأنهما مصطلحان مترادفان في بعض الأحيان، فإنهما يشيران إلى عمليتين متميزتين. عملية صنع القرار هي مرحلة التفكير والتحليل، التي تركز على استكشاف البدائل وتقييم الخيارات المتاحة للوصول إلى أفضل الحلول. بينما عملية اتخاذ القرار هي المرحلة الفعلية التي تتضمن تنفيذ القرار واختياره من بين البدائل المطروحة.
يتداخل هذان المفهومان في حياتنا الشخصية والمهنية، حيث تؤثر عملية صنع القرار في نوعية القرارات التي نتخذها. إذا كانت عملية صنع القرار تركز على التحليل الاستراتيجي والتمحيص العميق، فإن اتخاذ القرار يعكس الفعل الذي يتم اتخاذه بناءً على هذا التحليل، ويُعتبر الخطوة الأخيرة في هذه العملية المعقدة.
