الفرق بين النبي والرسول

الفرق بين النبي والرسول في ضوء أقوال العلماء

تُعد مسألة التفريق بين النبي والرسول من المسائل العقدية الدقيقة التي تناولها علماء الإسلام منذ العصور الأولى، لما لها من صلة مباشرة بمفاهيم الوحي والنبوة والرسالة، ومقام الاصطفاء الإلهي للبشر. وقد اجتهد العلماء في ضبط الفروق بين النبي والرسول استنادًا إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وتحقيقًا لمفاهيم العقيدة الصحيحة التي تُمكّن المسلم من فهم مراتب الأنبياء والرسل، وتقدير منازلهم في هداية البشرية. ويُعد هذا الموضوع من المواضيع التي تمس صلب الإيمان بالنبوة، وتُرسخ أسس العقيدة الإسلامية المبنية على التصديق بالغيب وبما جاء به المرسلون من عند الله تعالى.

في هذا المقال، سيتم التوسع في أقوال العلماء حول الفرق بين النبي والرسول، وسرد الأوجه التي اعتمدوا عليها في بيان هذا الفرق، مع تحليل لغوي وشرعي ودلالي، وتوثيق علمي للمسائل المرتبطة بهذه القضية.

المدخل اللغوي لتعريف النبي والرسول

معنى النبي لغة

كلمة “نبي” مأخوذة من “النبأ”، وهو الخبر ذو الشأن العظيم. قال الله تعالى:

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ: 1–2].

وقال الزجاج: النبأ: هو الخبر الذي له خطر، وليس كل خبر يسمى نبأ، ولهذا كان النبي يُخبر عن الله عز وجل بما فيه مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم. وقيل أيضًا: النبي مأخوذ من “النُّبُوَّة”، أي المكان المرتفع، وكأن النبي مرفوع المنزلة والدرجة بين قومه.

معنى الرسول لغة

أما “الرسول”، فهو من الإرسال، أي من بُعث برسالة إلى قوم. ويُطلق على من يُرسل بشيء ليوصله إلى غيره. قال الله تعالى:

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ﴾ [نوح: 1]

فكل رسول نُصّ على إرساله برسالة إلى أمة أو قوم بعينهم.

التعريف الاصطلاحي للنبي والرسول

اتفق علماء العقيدة على أن كلاً من النبي والرسول قد أُوحي إليه من الله، لكنهم اختلفوا في التمييز بينهما من حيث طبيعة المهمة، وشمول الرسالة، ودرجة التكليف، وفيما يلي أبرز التعاريف الاصطلاحية التي وردت في كتب العقيدة:

تعريف النبي اصطلاحًا

النبي هو رجل حرّ أوحى الله إليه بشرع، لكنه لم يُؤمر بتبليغه إلى قوم بعينهم، بل يعمل بهذا الشرع بنفسه، وقد يأمر من حوله به، لكن دون تكليف بالإرسال الشامل.

تعريف الرسول اصطلاحًا

الرسول هو رجل حرّ أوحى الله إليه بشرع جديد، وأُمر بتبليغه إلى قوم مخالفين، وقد جاء بشريعة مستقلة، غالبًا ما تكون ناسخة لما قبلها، ويتحمل عبء الدعوة العامة.

أقوال العلماء في الفرق بين النبي والرسول

اتجه العلماء إلى عدة مسالك في تحديد الفارق بين النبي والرسول، ويمكن تلخيص أقوالهم فيما يلي:

القول الأول: الرسول مَن أُرسل بشريعة جديدة، والنبي مَن بُعث لتقرير شريعة سابقة

وهذا القول هو المشهور عند جمهور العلماء، كالفرق الذي ذكره الإمام ابن تيمية، حيث قال في النبوات:

“الرسول من بعث إلى قوم مخالفين بدعوة جديدة، والنبي من لم يكن كذلك، بل يُبعث لتقرير ما جاء به رسول سابق”.

وقد وافقه الإمام الفخر الرازي في تفسيره، وقال: “كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، لأن الرسول إنما سُمي رسولًا لأنه أُرسل إلى قوم، أما النبي فقد لا يُرسل، بل يُوحى إليه فقط”.

القول الثاني: الفرق في الإرسال فقط

ذهب فريق من العلماء، مثل القاضي عياض في الشفا، إلى أن:

“الرسول هو من أُرسل إلى قوم، سواء كانت شريعته جديدة أو مكملة، أما النبي فهو من أُوحي إليه ولم يُؤمر بالتبليغ الشامل”.

وبذلك يكون الفرق بينهما في جهة الإرسال، لا في طبيعة الشريعة أو مضمون الوحي.

القول الثالث: النبي أُوحي إليه في المنام فقط، والرسول أُوحي إليه يقظة

هذا القول ورد عن بعض السلف، لكنه قول مرجوح لا يثبت عند التحقيق، لأن الوحي إلى الأنبياء قد يكون منامًا أو يقظة، كما في وحي الله إلى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل في المنام، قال تعالى:

﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات: 102].

وقد رد العلماء هذا القول بأنه لا يتوافق مع ثبوت الوحي لعدد من الأنبياء في اليقظة، كما هو حال النبي موسى وعيسى عليهما السلام.

القول الرابع: الفرق في عدد الأتباع

ذهب بعض العلماء إلى أن الرسول هو من له أتباع، والنبي من لم يكن له أتباع، واستدلوا بحديث ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس:

“عرضت عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد”.

وهذا القول فيه نظر، لأن النبوة لا تُقاس بكثرة الأتباع، وقد يكون للنبي أمة، كما في حال داود وسليمان عليهما السلام، وهما نبيان، كما هو ثابت في النصوص.

الفرق بين النبي والرسول في القرآن الكريم

وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تفرق بين النبي والرسول، منها:

• قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: 52].

• وقوله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصًا وكان رسولًا نبيًا﴾ [مريم: 51].

والجمع بين الوصفين يدل على وجود خصوصيات مستقلة لكل منهما، وقد نص المفسرون على أن اجتماع الوصفين يدل على أن كل رسول نبي، لكن ليس كل نبي رسولًا.

مناقشة المسائل الفقهية والعقدية المترتبة على الفرق

1. العصمة

العصمة من الذنوب ثابتة للرسل والأنبياء على حد سواء في تبليغ الرسالة، ولكن الفرق يظهر في مدى التحدي الذي يواجهه الرسول في دعوته لقوم مخالفين، مما يقتضي عناية إلهية خاصة بتثبيته ونصرته.

2. عدد الرسل والأنبياء

ورد في الحديث الصحيح:

“كان عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرين ألفًا، وعدد الرسل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر” – رواه أحمد والطبراني.

مما يدل على أن عدد الأنبياء أكثر بكثير من عدد الرسل، لأن النبوة درجة عامة، أما الرسالة فهي اصطفاء إضافي.

3. الأحكام الفقهية المرتبطة

في الفقه الإسلامي، لا يجوز إطلاق لقب “رسول” على أحد بعد محمد ﷺ، بخلاف “نبي” فقد وقع فيه الخلاف عند بعض الفرق الضالة، كالقاديانية، الذين زعموا وجود أنبياء بعد محمد، وهو كفر بالإجماع، لأن النبي ﷺ قال:

“لا نبي بعدي” – متفق عليه.

جدول الفرق بين النبي والرسول

أقوال بعض العلماء المتقدمين

• ابن تيمية: “النبي هو من أوحى الله إليه ولم يأمره بالتبليغ، والرسول هو من أوحى الله إليه وأمره بالتبليغ”.

• القرطبي: “كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، وهذا إجماع لا خلاف فيه”.

• الطبري: “الرسول هو من أوحي إليه وأُرسل إلى قوم مخالفين، يدعوهم إلى الله، أما النبي فقد يُبعث