الفرق بين النبي والرسول

الفرق بين النبي والرسول

من أهم المفاهيم الدينية التي يكثر الحديث عنها في مختلف الأديان السماوية، خصوصًا في الإسلام، هو الفرق بين النبي والرسول. هذا المفهوم يمثل أحد الركائز الأساسية في فهم العقيدة الإسلامية ومعرفة كيف تعمل النبوة والرسالة على نشر هداية الله للبشرية. رغم أن العديد من الناس قد يظنون أن النبي والرسول يشتركون في نفس المعنى، إلا أن هناك فروقًا واضحة بينهما من حيث التعريف، والوظيفة، والدور الذي يؤديه كل منهما في الرسالة الإلهية.

1. التعريف اللغوي للنبي والرسول

قبل التطرق إلى الفروق الجوهرية بين النبي والرسول، من المفيد أن نتعرف أولًا على معنى كل من الكلمتين من الناحية اللغوية:

• النبي: من كلمة “نبأ” التي تعني الخبر أو الإعلام، فيكون النبي هو “المخبِر” أو “المبَشِّر” بما يخص الغيب من معارف ودلالات. وقد يكون النبي هو الشخص الذي يُختار من بين البشر ليعلمهم ما يحتاجون إليه من معارف دينية وأخلاقية.

• الرسول: كلمة “رسالة” تأتي من الفعل “أرسل”، وبالتالي فإن الرسول هو “من يُرسل”، أي الشخص الذي يُرسل من عند الله إلى قوم معينين أو إلى البشر أجمعين برسالة محددة تهدف إلى تغيير العقيدة أو السلوك.

2. الفروق بين النبي والرسول

على الرغم من التشابه بين النبي والرسول في كونهما اختُصّا من قبل الله سبحانه وتعالى لتوجيه الناس إلى الحق، إلا أن هناك فروقًا مهمة بينهما.

أ. الرسول هو أرفع من النبي

أحد الفروق الجوهرية بين النبي والرسول هو أن الرسول يعتبر مقامًا أعلى من النبي في مرتبة الرسالة. ففي حين أن كل رسول هو نبي، ليس كل نبي رسولًا. وهذا يعني أن جميع الرسل هم من ضمن الأنبياء، ولكن ليس كل الأنبياء كانوا رسلاً.

النبي قد يُبعث إلى قومه ليعلمهم ويهديهم على أساس تعاليم الأنبياء السابقين دون أن يكون مكلفًا بتغيير الشريعة أو جلب شريعة جديدة، بينما الرسول يُرسل برسالة جديدة أو بتغيير أو إضافة على الشريعة السابقة.

ب. الرسالة الخاصة للنبي والرسول

• النبي: قد يُبعث النبي ليحمل رسالة دينية محددة لقومه، ويعمل على إصلاح ما اختلَّ في عقيدتهم أو تصحيح سلوكهم بناءً على شريعة موجودة سابقًا. فالنبي لا يأتِ بتشريع جديد، بل يحيي الشريعة السابقة ويواصل العمل بها. على سبيل المثال، كان العديد من الأنبياء في بني إسرائيل (مثل يوشع، وعزرا) يعملون في إطار شريعة موسى عليه السلام.

• الرسول: على العكس، يُرسل الرسول ليبشِّر برسالة جديدة تمامًا أو شريعة جديدة. إذ يُرسل من الله إلى أقوام جديدة قد تكون لم تعرف شريعة أو دينًا من قبل، أو إلى أقوام قد فسدت عقيدتهم. الرسول يحمل كتابًا أو شرعًا جديدًا يغير من المفاهيم السائدة. من أشهر الأمثلة على ذلك هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسل برسالة الإسلام وشريعة القرآن.

ج. أعداد الأنبياء والرسل

• الأنبياء: عدد الأنبياء في الإسلام يقدر بـ 124,000 نبيًا، وهو عدد ضخم يعكس دور النبوة في توجيه البشرية عبر العصور. الأنبياء قد يكونون أفرادًا أُرسلوا إلى مجتمعاتهم الخاصة دون أن يكونوا مكلفين بتغيير جذري في العقيدة.

• الرسل: أما الرسل، فعددهم أقل بكثير مقارنة بالأنبياء، حيث يقال إنهم 313 رسولًا فقط. هؤلاء الرسل يتميزون بحمل رسالة جديدة للبشرية وأحيانًا بتوجيهات عملية تتطلب تغييرًا في المفاهيم الاجتماعية والدينية.

د. الشريعة والكتاب

• النبي: لا يُعطى للنبي عادة كتاب جديد أو شريعة جديدة. وظيفته تقتصر على إحياء الشريعة السابقة والتمسك بها، مع التأكيد على تعاليم الأنبياء الذين سبقوه. مثال على ذلك النبي يوسف عليه السلام الذي كان نبيًا وكان يعمل ضمن الشريعة التي أتى بها إبراهيم عليه السلام.

• الرسول: على عكس ذلك، الرسول يُعطى عادة كتابًا جديدًا أو شريعة خاصة به، ويُطلب منه تبليغها للأمة أو القوم الذين أُرسل إليهم. مثال على ذلك الرسول عيسى عليه السلام الذي أُعطي إنجيله، وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُعطي القرآن الكريم.

هـ. التكليف والهدف من البعثة

• النبي: قد يبعث الله نبيًا لإصلاح حال أمة معينة أو للتصحيح العقائدي والخلقي في إطار الشريعة السابقة. النبي لا يُرسل لتغيير مجمل المفاهيم الدينية، بل يقتصر دوره على إرشاد الناس وتوجيههم نحو الله وتذكيرهم بالمعاني الحقيقية للإيمان.

• الرسول: أما الرسول فيُرسل ليغير جذريًا في الواقع الديني والاجتماعي. الرسالة التي يحملها تكون بمثابة تجديد أو تحديث للرؤية الدينية، أو أحيانًا تغيير شامل في العقيدة والمفاهيم الاجتماعية.

3. النبي والرسول في القرآن الكريم

في القرآن الكريم، يوجد العديد من الآيات التي تفرق بين النبي والرسول، وتوضح الأدوار التي يؤديها كل منهما. على سبيل المثال، قوله تعالى:

“وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (الأنبياء: 7)

هذه الآية تشير إلى أن الأنبياء في جميع الأزمان كانوا بشرًا، وأنهم كانوا موحى إليهم من الله لتبليغ رسالته. وفي مواضع أخرى، مثل قوله تعالى:

“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (النحل: 36)

يتضح أن الرسول يحمل مهمة كبيرة جدًا تتمثل في إرسال رسالته إلى أمة معينة أو إلى البشر ككل.

4. أمثلة على الأنبياء والرسل

• الأنبياء: من الأنبياء الذين لم يكونوا رسلًا، على سبيل المثال النبي هارون عليه السلام، الذي كان نبيًا في زمن أخيه موسى عليه السلام، ولكنه لم يُرسل برسالة مستقلة. وكذلك النبي يعقوب عليه السلام الذي كان نبيًا ولكن لم يُرسل برسالة جديدة.

• الرسل: أما من الرسل الذين أُرسلوا برسالات جديدة، فنذكر النبي نوح عليه السلام الذي أُرسل برسالة جديدة للبشرية كلها، وكذلك عيسى عليه السلام الذي أرسل برسالة جديدة في التوحيد.

5. التداخل بين النبوة والرسالة في حياة الأنبياء

من الجدير بالذكر أن بعض الأنبياء جمعوا بين النبوة والرسالة، مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي جمع بين هاتين الصفتين. فهو نبي رسول أُرسل بكتاب جديد، وهو القرآن الكريم، ليبشر به الناس جميعًا.

6. خاتمة

يظل الفرق بين النبي والرسول في العقيدة الإسلامية قضية مركزية لفهم مفاهيم النبوة والرسالة، ويتجسد في الوحي، والرسالة، والشريعة التي يُبعث بها كل منهما. بينما يعتبر النبي موجهًا للمجتمع بشكل خاص وفقًا للشريعة السابقة، يحمل الرسول رسالة جديدة تهدف إلى إصلاح شامل للأمة. هذا الفهم يساعد المسلمين في التمييز بين المهام التي قام بها الأنبياء والرسل ويزيد من عمق الفهم الديني والعقائدي لديهم.