مهارات النجاح

الفرق بين المبدع والموهوب

الفرق بين المبدع والموهوب: فهم الجوانب النفسية والعملية

تعد الإبداع والموهبة من المصطلحات التي يُساء فهمها أحيانًا وتُستخدم بشكل متبادل في حياتنا اليومية، ولكن بالرغم من ارتباطهما الوثيق، إلا أنهما يعكسان مفهومات مختلفة تمامًا في السياقات النفسية والتربوية والمهنية. تكمن التفرقة بينهما في العديد من الجوانب التي تخص التفكير، وطريقة الإنجاز، وكيفية تطور الفرد في مهنته أو مجاله المهاري. في هذا المقال، سنتناول الفروقات بين المبدع والموهوب من عدة جوانب: النظرية، النفسية، والعملية.

1. الموهبة: أساس الفطرة والقدرة الطبيعية

الموهبة هي قدرة فطرية أو ميزة طبيعية يمتلكها الفرد في مجالات معينة مثل الموسيقى، الرياضة، الفنون، أو الرياضيات. يمكن القول إن الموهبة هي استعداد أو قدرة موجودة في الشخص منذ ولادته، لكنها تحتاج إلى تنمية وتوجيه من أجل الوصول إلى أقصى إمكاناتها.

على سبيل المثال، يمكن للأطفال الذين يظهرون قدرة غير عادية على العزف على آلة موسيقية معينة أن يُعتبروا موهوبين في مجال الموسيقى. لكن هذه الموهبة الطبيعية تحتاج إلى التدريب المستمر والمثابرة لتصبح مهارة أو قدرة متقنة.

خصائص الشخص الموهوب:

  • قدرة متميزة في مجال معين.
  • إبداع أقل مقارنة مع الشخص المبدع، حيث يميل إلى تكرار الأنماط المعروفة والمألوفة.
  • يحقق نتائج جيدة ضمن مجاله دون الحاجة إلى ابتكار أو تجديد مستمر.
  • يمكن أن يظل الموهوب دون تطوير إذا لم يتوفر له التوجيه المناسب أو الفرص لتنمية مهاراته.

2. الإبداع: القدرة على التجديد والابتكار

من جهة أخرى، الإبداع لا يتعلق فقط بالقدرات الطبيعية أو الفطرية بل يتعلق بالقدرة على خلق أفكار جديدة وغير تقليدية. المبدع هو شخص يمتلك القدرة على التفكير خارج الصندوق، والابتكار، وتقديم حلول جديدة أو طرق جديدة لتحقيق الأهداف.

الإبداع قد يظهر في أي مجال من مجالات الحياة، سواء في العمل الفني، أو في حلول المشكلات، أو حتى في تطوير تقنيات جديدة. إن المبدع لا يقتصر على تطبيق ما هو معروف، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تشكيل الواقع أو تصور شيء لم يكن موجودًا من قبل.

خصائص الشخص المبدع:

  • القدرة على التفكير النقدي والاستقلالي.
  • الابتكار والقدرة على إنتاج أفكار جديدة.
  • يُظهر قدراً عالياً من الفضول والتساؤل عن المألوف.
  • يواجه التحديات بطرق غير تقليدية وقد يضطر إلى المخاطرة.
  • يسعى إلى التجديد المستمر والتطوير في المجالات التي يعمل بها.

3. الفرق بين المبدع والموهوب في التفكير والعملية

التفكير:

  • الموهوب: يعتمد الموهوب بشكل رئيسي على المهارات الفطرية والقدرات التي تم تطويرها على مر السنين. عادةً ما يكون الموهوب قادرًا على أداء مهام معينة بكفاءة واحترافية، لكن دون الحاجة إلى تغيير أو ابتكار في الطريقة التي يؤدي بها المهام. تفكيره قد يظل محصورًا في إطار معين من المعرفة أو الأنماط التي تعلمها.

  • المبدع: يتميز المبدع بقدرته على التفكير خارج الحدود التقليدية، حيث يحاول دائمًا إيجاد طرق جديدة أو حلول مبتكرة للمشاكل. يمكن للمبدع أن ينظر إلى الأمور من زاوية غير مألوفة، وقد يغير مجرى الأمور بمجرد اتباعه نهجًا جديدًا في التفكير أو التنفيذ.

العملية:

  • الموهوب: يحقق النجاح في مجال معين بناءً على موهبته، ولكنه قد لا يشعر بالحاجة إلى تطوير أسلوبه أو إجراء تغييرات جوهرية في طريقة عمله. يظل الموهوب ضمن نطاق معين ويتقن المهام ضمن هذا المجال بدون دفع نفسه إلى مواجهة تحديات جديدة بشكل مستمر.

  • المبدع: غالبًا ما يكون المبدع في حالة تطور مستمر، حيث يسعى إلى تحسين مهاراته بشكل دائم، ويكون على استعداد لاختبار أفكار جديدة والمجازفة بمشاريع قد لا تكون مضمونة النجاح. المبدع يبحث عن التحديات الكبيرة ويعتبر الأخطاء جزءًا من عملية التعلم والابتكار.

4. كيفية تنمية الموهبة والإبداع

تنمية الموهبة:

  • التدريب المستمر: يظل التدريب المستمر والتوجيه المناسب عنصرًا أساسيًا لتحويل الموهبة إلى مهارة حقيقية. مثلًا، من يحتاج إلى تعليم أو تدريب في مجالات الفن أو الرياضة.
  • التغذية العقلية: تشجيع الموهوبين على الانخراط في بيئات تعليمية تحفزهم على تحسين مهاراتهم وتنميتها.

تنمية الإبداع:

  • المرونة في التفكير: تحفيز الأفراد على التفكير بطرق غير تقليدية من خلال الأنشطة الفكرية المختلفة، مثل العصف الذهني، أو حل المشكلات بطريقة مبتكرة.
  • تشجيع المخاطرة: الإبداع يحتاج إلى بيئة تحفز على التجربة والمجازفة من أجل التعلم من الأخطاء.

5. المبدع والموهوب في مجالات الحياة المختلفة

في الفن:

  • الموهوب في الفن: شخص يمكنه أداء الأعمال الفنية بدقة واحتراف، مثل العزف على آلة موسيقية أو الرسم بأسلوب معين، دون الحاجة إلى إعادة اختراع الأسلوب الفني.
  • المبدع في الفن: يبتكر أساليب جديدة في الفن أو يعيد تشكيل الأعمال الفنية بطريقة غير تقليدية، مثلما فعل العديد من الفنانين المبدعين الذين أحدثوا ثورة في عالم الفن.

في ريادة الأعمال:

  • الموهوب في ريادة الأعمال: قد يكون شخصًا يمتلك مهارات خاصة في إدارة الأعمال أو في مجال معين، مما يجعله قادرًا على النجاح في هذا المجال.
  • المبدع في ريادة الأعمال: هو شخص يستطيع ابتكار حلول تجارية جديدة أو أساليب غير تقليدية تؤدي إلى تطوير السوق أو خلق فرص جديدة لم تكن موجودة من قبل.

6. المبدع والموهوب: في النهاية، تكامل بين العنصرين

لا يمكن تجاهل أن المبدعين غالبًا ما يمتلكون قدرات فطرية أو موهبة تساعدهم في بداية مشوارهم الإبداعي. فالموهبة تعطي الأساس، بينما يأتي الإبداع ليأخذ هذه الأساسيات ويطورها إلى مستويات غير تقليدية. في الواقع، قد يكون الشخص الموهوب قادرًا على أن يصبح مبدعًا إذا حصل على التحفيز والتوجيه المناسبين.

في النهاية، لا يجب أن يُعتبر المبدع والموهوب شخصين متناقضين أو منفصلين. فكل شخص يمكن أن يكون مبدعًا في مجاله إذا استفاد من موهبته وطورها بشكل مستمر. الإبداع ليس مقتصرًا على نوع معين من الأشخاص، بل هو متاح لكل من يسعى لتطوير مهاراته والتفكير بشكل مختلف.