الكرامة والمعجزة: الفرق بينهما في الفكر الإسلامي
تتعلق المفاهيم الدينية بالكثير من التفصيلات التي يعكف العلماء على دراستها، وتعدّ “الكرامة” و”المعجزة” من أبرز تلك المفاهيم التي تظهر بشكل بارز في الفقه والعقيدة الإسلامية. ورغم أن كلا من الكرامة والمعجزة يشتركان في جانب من جوانب الظهور الخارجي والتأثير في الناس، إلا أن هناك تمييزاً دقيقاً بينهما من حيث التعريف، والوظيفة، والظروف التي تظهر فيها. يتناول هذا المقال الفرق بين الكرامة والمعجزة من خلال تحليل مفصل بناءً على النصوص الدينية والتفاسير العقيدية الإسلامية.
أولاً: تعريف الكرامة والمعجزة
المعجزة هي أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد أحد أنبيائه ورسله لإثبات صدقهم في ما يدعونه من الرسالة والوحي. هي حالة من العجز البشري أمام قدرة الله المطلقة، ولا يمكن للإنسان أن يأتي بمثلها. فهي دائماً مرتبطة بالأنبياء والرسل، وتحمل في طياتها دليلاً قاطعاً على نبوتهم. يطلق على المعجزات أيضاً “الآيات” لأنها دليل على صدق الرسالة. وقد تتنوع المعجزات من معجزات مادية ملموسة إلى معجزات علمية تدل على عظمة الخالق. ومن أبرز المعجزات في الإسلام، معجزة القرآن الكريم التي تعتبر أعظم معجزة أتى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الكرامة، فهي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد أحد الصالحين أو الأولياء من غير الأنبياء والرسل. ليست الكرامة مثل المعجزة في كونها تدل على صدق رسالة دينية معينة، بل هي تفضيل من الله على عباده المقربين. الكرامة قد تكون أقل من المعجزة في حجمها، ولكنها تظهر للدلالة على فضل الشخص ورفعته عند الله. ولذا، تكون الكرامات بمثابة تجلٍ لإرادة الله في إثابة أولياءه، ويمكن أن تأتي على يد العلماء، والزهاد، والصالحين، والمجاهدين في سبيل الله.
ثانياً: الفرق بين الكرامة والمعجزة في التطبيق والظهور
أحد أبرز الفروقات بين الكرامة والمعجزة يتمثل في الظروف والوقت الذي يظهر فيه كل منهما. تظهر المعجزات في السياقات التي تحتاج فيها الدعوة النبوية إلى إثبات صدق النبي أو الرسول، أي أنها مرتبطة بعهد النبوة ورسالة الله. وبالتالي، تأتي المعجزات في مرحلة معينة من حياة الأنبياء، وتكون بمثابة تصديق لما جاء به من رسالة. يتفق العلماء على أن المعجزة لا تحدث إلا عند الأنبياء، كما أن المعجزات عادة ما تكون بمقدار يثبت قدرتهم الإلهية في الأوقات التي يحاول فيها أعداء الدين التشكيك في دعوتهم.
أما الكرامة، فغالباً ما تظهر في حياة الصالحين والأولياء الذين يسعون إلى رضا الله وتحقيق الأعمال الطيبة. وعادة ما تظهر الكرامات في الأوقات التي يتجسد فيها إيمان الشخص وتقواه، مثل أن يعالج الله عن طريق أحد الأولياء حالة مرضية، أو يتيسر له أمر صعب، أو يظهر له من العجائب ما يدل على دعم الله له. وعلى الرغم من أن الكرامات قد تكون بمثابة “دليل” على صدق الشخص وتقواه، إلا أنها ليست “دليلاً” على رسالة دينية أو دعوة دينية جديدة كما هو الحال مع المعجزة.
ثالثاً: العلاقة بين الكرامة والمعجزة في الإيمان والتصديق
في السياقات الدينية الإسلامية، تعتبر المعجزة أداة قهرية للإيمان والتصديق. عندما تحدث المعجزة على يد الأنبياء، تكون بمثابة “إثبات” لا يقبل الشك بأن هذا الشخص هو رسول الله، ويجب على الناس أن يؤمنوا به ويتبعوا تعاليمه. وبالتالي، المعجزة تتجاوز حدود الإيمان الشخصي أو الفردي، وتصبح جزءاً من الحجج الكبرى لإقناع الناس بالإيمان بالله ورسوله.
أما الكرامة، فهي لا تأتي من أجل إثبات رسالة أو دين، ولكنها تظهر غالباً كوسيلة لتأكيد صحة التزام الشخص بالعبادات والطاعة لله. بمعنى آخر، قد تظهر الكرامات في حياة الشخص كي يتشجع الآخرون على السير على نفس الطريق من الطاعة والتقوى. ولذلك، الكرامة تساهم في تحفيز الوعي الديني والتقوى الفردية، ولكنها لا تخلق ضغطًا دينيًا على الآخرين للقبول برسالة دينية أو دعوة جديدة.
رابعاً: الفرق من حيث السلطة والغاية
في المعجزة، لا تُعتبر القوة أو القدرة البشرية هي العامل المهيمن. بل هي دائماً تعبير عن قدرة الله المطلقة. فالمعجزات تظهر عند احتياج الناس لدليل على نبوة النبي أو لتأكيد الإيمان برسالته. ومن ثم، فإن النتيجة النهائية للمعجزة هي تلبية حاجة الإنسان إلى أن يؤمن برسالة الله ويستجيب لها.
أما الكرامة، فيتم التعامل معها ضمن إطار الاختبار الشخصي. الله يختار أحد عباده المقربين ليظهر له الكرامات من أجل زيادة إيمانه، وليست الكرامة ضرورة تفرض على الآخرين الإيمان بالشخص الذي وقع عليه هذا الظهور الإلهي. الهدف الأساسي من الكرامة هو تحفيز الآخرين على الاقتداء بالصالحين والتقرب إلى الله.
خامساً: أمثلة على المعجزات والكرامات
من أبرز المعجزات التي وردت في القرآن الكريم معجزة القرآن نفسه، الذي تحدى به النبي محمد صلى الله عليه وسلم قومه، وجعل من التحدي بالقرآن معجزة فريدة لا مثيل لها. أيضاً من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم الإسراء والمعراج، وهي معجزة عظيمة تفوق حدود العقل البشري، حيث عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم صعد إلى السماء.
أما في ما يتعلق بالكرامات، فقد وردت الكثير من الكرامات التي ظهرت على يد أولياء الله الصالحين. على سبيل المثال، فإن الصحابي سلمان الفارسي قد ورد عنه العديد من الكرامات بعد أن صار من أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كذلك، الشيخ عبد القادر الجيلاني وغيره من العلماء والزهاد المشهورين في التاريخ الإسلامي كانت لهم كرامات عظيمة تُظهر فضل الله عليهم.
سادساً: التصور الإسلامي للكرامة والمعجزة
الإسلام يرى أن الكرامة و المعجزة هما جزء من رحمة الله وفضله على عباده. ولكن هناك فرق أساسي بين هذين النوعين من الخوارق؛ فالمعجزة تظهر ضمن سياق الوحي والتأكيد على رسالة الأنبياء، بينما الكرامة تحدث في سياق موازٍ يتعلق بالاختبار والابتلاء والإيمان. يجب أن نتفهم هذه الخوارق باعتبارها وسائل لتشجيع الإيمان، وليس كأدوات للإعجاب أو التفاخر.
وفي الختام، يتضح أن الكرامة والمعجزة هما جزء من النظام الرباني الذي يظهر في حياة البشر، ويعدان دليلاً على الفضل الإلهي. لكن معجزة الأنبياء تظل المقياس الأعلى لإثبات نبوتهم ورسالتهم، في حين أن الكرامات تعتبر بمثابة إشارات وبرهان على فضل الله على عباده الصالحين.
