الفرق بين القضاء والقدر كما شرحه الشيخ الشعراوي
المقدمة:
القضاء والقدر هما مفهومان راسخان في الفكر الإسلامي، وقد تم الحديث عنهما في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة، ويشكلان جزءاً مهماً من العقيدة الإسلامية التي تؤمن بتدبير الله عز وجل لأمور الكون كلها. لكن رغم التشابه الكبير بين هذين المفهومين، إلا أن هناك فرقاً دقيقاً بين القضاء والقدر، وهذا ما أوضحه علماء الدين وعلى رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي كان له دور بارز في تبسيط المفاهيم الدينية وتوضيحها للناس.
لقد كان الشيخ الشعراوي من أبرز العلماء الذين تناولوا موضوع القضاء والقدر شرحاً وتفسيراً بأسلوبه السهل والعميق، حتى يتمكن المسلم العادي من فهم هذا الموضوع الذي قد يكون مثاراً للكثير من الأسئلة في الأذهان. في هذا المقال، سنتناول الفرق بين القضاء والقدر كما شرحه الشيخ الشعراوي، مع تسليط الضوء على تفسيراته الدقيقة وتوضيحاته العميقة حول هذين المفهومين.
القضاء والقدر: تعاريف عامة
قبل التطرق إلى شرح الشيخ الشعراوي، من المهم أن نفهم في البداية معاني القضاء والقدر بشكل عام.
-
القدر: في اللغة، القدر يعني التحديد أو التقدير. ويُعتقد أن القدر هو ما قدّره الله تعالى لعباده من أحداث وأقدار، سواء كانت خيراً أو شراً. ويشمل القدر كل شيء يتعلق بمصير الإنسان وحياته من أمور مادية أو معنوية، وهو جزء من تقدير الله عز وجل منذ الأزل.
-
القضاء: أما القضاء، فهو الحكم أو القرار الذي يصدره الله سبحانه وتعالى بشأن الأمور التي حدثت أو ستحدث. بمعنى آخر، القضاء هو الإجراء الذي يتم بموجبه تنفيذ القدر، وهو يعني إتمام ما قدره الله سبحانه وتعالى في وقت معين وفي إطار زمني محدد.
الشيخ الشعراوي: تفسيراته للفرق بين القضاء والقدر
في تفسيره العميق للقرآن الكريم، كثيراً ما كان الشيخ الشعراوي يوضح الفرق بين القضاء والقدر بأسلوب مبسط وواقعي، بحيث يستطيع الجميع فهمه. وفيما يلي نعرض أبرز أفكاره وشرحاته حول هذا الموضوع:
1. القدر هو التقدير الأولي، أما القضاء فهو تنفيذ هذا التقدير
من خلال تفسير الشيخ الشعراوي، نجد أن الفرق بين القضاء والقدر يكمن في أن القدر هو التقدير الأولي الذي يتم في الأزل، أي أن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء قبل أن يكون، وهذه الأمور تكون مكتوبة في اللوح المحفوظ. والقدر يشمل كل شيء في حياة الإنسان؛ من ولادته حتى وفاته، بما في ذلك رزقه، عمره، وموعد وفاته.
أما القضاء فهو التنفيذ الواقعي لما قدره الله في القدر. عندما يأتي وقت حدوث شيء، يقوم الله سبحانه وتعالى بتنفيذ ما قدره وأراده في الأزل، وهنا يظهر القضاء، وهو ما يقع في الواقع عندما تحين اللحظة التي يجب أن يحدث فيها الأمر.
2. القدر لا يُدرك بعقل الإنسان، أما القضاء فيُشاهد ويُلمس
الشيخ الشعراوي يوضح أيضاً أن الإنسان لا يستطيع إدراك كل ما في القدر. إن القدر هو أمر غيبي يقع في علم الله وحده، أما القضاء فيحدث في الدنيا فيمكن للإنسان أن يراه ويشعر به. على سبيل المثال، إذا قدر الله عز وجل لشخص أن يعيش في رخاء، فإن هذه الرخاء تظهر في حياته بشكل محسوس وواضح في حياته اليومية، وهي ما نعتبره “قضاء”.
ولكن عندما يُسأل الإنسان عن أسباب نجاحه أو فشله، قد يشعر بالحيرة، لأنه لا يعرف التقدير الذي حدث في الأزل. القضاة في النهاية هم من يتعاملون مع الأشياء الواقعية التي يتعايش معها الناس يومياً، في حين أن القدر يبقى في الغيب الذي لا يلمسه سوى الله.
3. القضاء والقدر هما جزء من إرادة الله المطلقة
أحد المفاهيم الأساسية التي يذكرها الشيخ الشعراوي هو أن القضاء والقدر هما جزء من إرادة الله المطلقة. الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر كل شيء ويرسم أقدار عباده. كل ما يحدث في الكون هو من صنع الله، فلا يوجد شيء يحدث خارج إرادته، سواء كان خيراً أو شراً. وهنا يظهر الدور المهم للإيمان بالقدر، وهو أن المسلم يجب أن يؤمن بأن كل ما يحدث له هو جزء من التقدير الإلهي، وأن الله تعالى لا يقدر لعباده إلا ما هو خير لهم، حتى وإن كان ذلك في ظاهر الأمر يبدو غير مريح.
4. القضاء يحدث في الوقت المحدد، أما القدر فيتم تحديده منذ الأزل
وشرح الشيخ الشعراوي أن القدر تم تحديده قبل أن تخلق السماوات والأرض، حيث كتب الله كل شيء في اللوح المحفوظ، بما في ذلك مصير الإنسان في حياته وموعد وفاته، وكل ما سيحدث في مستقبله. أما القضاء فيحدث في الوقت المحدد له، فيستجيب لمقتضيات التوقيت الذي أراده الله سبحانه وتعالى. هذا يعني أن القدر قد سبق كل شيء، بينما القضاء هو تجسيد لهذا القدر في الواقع.
5. القضاء والقدر لا يتناقضان مع حرية الإنسان في اختيار الأفعال
من الأمور المهمة التي كان يوضحها الشيخ الشعراوي في تفسيراته هو أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يتناقض مع حرية الإرادة الإنسانية. بمعنى آخر، على الرغم من أن الله قدر كل شيء منذ الأزل، فإن الإنسان لا يزال يمتلك حرية الاختيار والتصرف. فالله عز وجل منح الإنسان القدرة على اتخاذ القرارات والتصرف كما يشاء، لكنه في النهاية لا يفعل إلا ما قدره الله له.
موقف الإسلام من القضاء والقدر: الاستسلام والرضا
من خلال الشرح الذي قدّمه الشيخ الشعراوي، يتضح أن الإيمان بالقضاء والقدر يعني الرضا بما يقدره الله لنا. هذه المواقف تتطلب من المسلم الصبر على ما قد يواجهه في حياته، سواء كان ما يمر به من مصاعب أو تحديات، أو حتى الأفراح والنجاحات. فما يجب على المسلم هو الرضا بالقضاء والتسليم للقدر، سواء كانت الأحداث تحمل في طياتها ما يسر الإنسان أو ما يزعجه.
وفي النهاية، يؤكد الشيخ الشعراوي أن المؤمن يجب أن يكون متفائلاً ومؤمناً بأن الله لا يقدر لعباده إلا الخير، حتى وإن كان ذلك يتطلب المرور بمواقف صعبة. الله يختبر عباده، وهو أعلم بما يناسبهم، وما يحدث في حياتهم له حكمة قد لا تدركها عقولهم.
الخاتمة
الفرق بين القضاء والقدر ليس مجرد مسألة لغوية أو دينية، بل هو أمر يشغل الفكر ويشغل قلوب المؤمنين. كما شرح الشيخ الشعراوي، فإن القضاء والقدر يشكلان جزءاً مهماً من إيمان المسلم بعقيدته، ويجب على الإنسان أن يظل مؤمناً بأن كل شيء يحدث في هذا الكون هو جزء من إرادة الله. إذا فهم الإنسان هذا الفرق وتدبره في قلبه، فإنه سيعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي والرضا، ولن ينزعج من الأحداث التي تحدث في حياته، بل سيتقبلها بثقة وإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر ويقضي ما يشاء.
