الفرق بين الشريعة والفقه

الفرق بين الشريعة والفقه

إنَّ مفهومي الشريعة والفقه من المفاهيم الأساسية في الفقه الإسلامي، وقد يشوب الفهم العام الكثير من اللبس بينهما رغم أنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. إذ يعتبر الكثيرون أن الشريعة والفقه هما شيئًا واحدًا، إلا أن هناك تباينًا كبيرًا بينهما من حيث المعنى والمجال التطبيقي. يتناول هذا المقال توضيح الفرق بين الشريعة والفقه، مستعرضًا التعريفات، الخصائص، العلاقة بينهما، وأهمية كل منهما في الحياة الإسلامية.

أولًا: مفهوم الشريعة

الشريعة في اللغة العربية تُشتق من الجذر “شَرَعَ”، الذي يعني “فتح الطريق” أو “المسار”. والشريعة اصطلاحًا تعني مجموع القواعد والتشريعات التي وضعها الله سبحانه وتعالى لعباده من أجل أن يسيروا وفقها في حياتهم، من أجل تحقيق العدالة، وحفظ الحقوق، وتنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمع. هي “الطريق المستقيم” الذي يوجه المسلم في جميع جوانب حياته، بدءًا من العبادة إلى المعاملات الاجتماعية والسياسية.

تعتبر الشريعة مصدرًا إلهيًا ثابتًا لا يتغير بتغير الزمان والمكان، فهي تشمل الأحكام التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وكل ما يهدف إلى تنظيم الحياة الاجتماعية والفردية وفقًا لما يرضي الله سبحانه وتعالى. تتضمن الشريعة أحكامًا تتعلق بالعقيدة، الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، والمعاملات، والحدود، والعقوبات، وغيرها من الموضوعات.

مكونات الشريعة:

• القرآن الكريم: هو المصدر الأول والأساسي في الشريعة، حيث يُعد كلام الله المباشر الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

• السنة النبوية: هي أقوال وأفعال وتقريرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي تُفسر وتُوضّح الكثير من الأحكام القرآنية.

• الإجماع: هو اتفاق العلماء من أمة الإسلام على حكم شرعي في مسألة معينة.

• القياس: هو إعمال الرأي في المسائل التي لا يوجد لها نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية.

ثانيًا: مفهوم الفقه

الفقه في اللغة يأتي من الجذر “فَقَهَ”، الذي يعني “الفهم”، أما في الاصطلاح الفقهي فهو علم استنباط الأحكام الشرعية العملية من مصادرها التفصيلية. بمعنى آخر، هو دراسة تفصيلية لتطبيقات الشريعة على القضايا الحياتية من خلال فهم العلماء للنصوص الشرعية وتفسيرها. يركز الفقه على كيفية تطبيق الأحكام الشرعية في الواقع المعاصر، ويُعنى بإدراك كيفية تعامل المسلم مع نصوص الكتاب والسنة في ظروف حياتية متنوعة.

الفقه يُعتبر في الإسلام “علمًا بشريًا” حيث يسعى الفقيه إلى استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، مستخدمًا أصول الفقه وأدوات الاستنباط مثل القياس، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، وغيرها من الأدوات التي تساهم في تطور فهم الأحكام الشرعية. يتم تقسيم الفقه إلى عدة أبواب، مثل فقه العبادات (الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج)، وفقه المعاملات (البيع، الشراء، الزواج، الطلاق)، وفقه الحدود والعقوبات، ووفقًا لذلك فإن الفقه يتناول تطبيقات عملية لأحكام الشريعة.

مكونات الفقه:

• أصول الفقه: هو علم يُعنى بالقواعد التي يعتمد عليها الفقيه في استنباط الأحكام الشرعية. يشمل هذا العلم مبادئ مثل الاستدلال بالنصوص، تفسير القرآن والسنة، وأدوات القياس والقيود التي تحكم الاستنباط.

• الاجتهاد: هو عمل الفقيه في استخراج حكم شرعي بناءً على فهمه للنصوص، ويعتمد على شدة علم الفقيه وحرصه على التزام أصول الاستنباط.

• المدارس الفقهية: في الفقه الإسلامي هناك عدة مدارس فقهية مثل الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنبلية، حيث يختلف الفقهاء في طريقة فهمهم وتفسيرهم للنصوص الشرعية وفقًا لمنهجية المدرسة التي يتبعونها.

ثالثًا: الفرق بين الشريعة والفقه

1. المصدر:

• الشريعة: هي المصدر الإلهي الذي لا يتغير بتغير الزمان والمكان، وهي تشمل كل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. تعتبر الشريعة قاعدة ثابتة لا تقبل التغيير أو التبديل.

• الفقه: هو اجتهاد بشري يستنبط الأحكام من الشريعة. يعتمد الفقه على فهم العلماء للنصوص الشرعية وكيفية تطبيقها على أرض الواقع في ظل المتغيرات.

2. الثبات والتغيير:

• الشريعة: ثابتة وغير قابلة للتغيير، لأنها مستمدة من النصوص الإلهية التي لا تتغير ولا تتبدل.

• الفقه: قابل للتغيير بحسب الاجتهادات الفقهية ومجتهدي الأمة. هذا يعني أن الفقه قد يختلف باختلاف الزمان والمكان والتطورات الجديدة.

3. الموضوعات:

• الشريعة: تشمل جميع الجوانب الأساسية للحياة الدينية، مثل العبادات والمعاملات والأخلاق، وتتعلق بكل ما يحكم العلاقة بين الإنسان وربه.

• الفقه: يتعامل مع تطبيقات الشريعة في الحياة اليومية، ويعنى بالأحكام التفصيلية التي تنظم الحياة العملية للمسلمين في مجال العبادات والمعاملات والحدود.

4. القصد:

• الشريعة: تهدف إلى تحقيق العدالة والتنظيم في المجتمع بناءً على أحكام الله سبحانه وتعالى.

• الفقه: يهدف إلى تحديد كيفية تطبيق تلك الأحكام في الحالات المعاصرة، بناءً على اجتهادات العلماء وفهمهم للأدلة الشرعية.

5. الأشخاص المعنيون:

• الشريعة: هي مسؤولية جماعية لكافة الأمة الإسلامية، حيث يسعى المسلمون جميعًا للتطبيق والعمل بأحكام الشريعة.

• الفقه: يختص بعلماء الدين المتخصصين في الشريعة، الذين يملكون الخبرة والقدرة على الاجتهاد واستنباط الأحكام.

6. نطاق التطبيق:

• الشريعة: تشمل جميع مجالات الحياة، بما في ذلك العقيدة، العبادات، الأخلاق، المعاملات، الحدود، وغيرها.

• الفقه: يتخصص في كيفية تطبيق الشريعة على أرض الواقع، ويبحث في التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالمسائل الفقهية المتنوعة.

رابعًا: العلاقة بين الشريعة والفقه

العلاقة بين الشريعة والفقه هي علاقة تكاملية، حيث لا يمكن فهم الفقه الإسلامي إلا من خلال الشريعة، وفي الوقت ذاته فإن الفقه يمثل التطبيق الواقعي للأحكام الشرعية. الفقه هو الوعاء الذي يتم من خلاله تجسيد الشريعة في واقع الحياة اليومية للمسلمين.

إحدى العلاقات الأساسية بين الشريعة والفقه تتمثل في أن الشريعة توفر الأساس الذي يبني عليه الفقه، أي أن الفقه يستنبط من الشريعة ويفسر نصوصها. لكن الفقه لا يقتصر فقط على فهم النصوص، بل يتعدى ذلك إلى تطبيقاتها العملية في الظروف المختلفة، مع مراعاة التغيرات في الزمان والمكان.

على سبيل المثال، من خلال الشريعة تتعلم الأمة الإسلامية أركان الصلاة وكيفية أدائها، لكن الفقهاء هم من يحددون التفاصيل الدقيقة مثل ما إذا كان يجوز للإنسان أداء الصلاة جالسًا في حالة المرض، أو كيف يمكن التعامل مع حالات الطوارئ التي قد تستدعي تعديلات في كيفية أداء العبادة.

خامسًا: أهمية الشريعة والفقه في الحياة الإسلامية

الشريعة:

• توفر للمسلمين نظامًا حياتيًا متكاملاً ينظم حياتهم في جميع جوانبها.

• تمنح المسلمين الهدى في كيفية العبادة، المعاملات، الأخلاق، والحدود.

• تُعد أساسًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، المساواة بين الناس، وحفظ حقوق الإنسان.

الفقه:

• يعين المسلمين على كيفية تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية.

• يساهم في توفير حلول عملية للعديد من القضايا المعاصرة التي قد لا تكون موجودة في النصوص الشرعية الأصلية.

• يُعد من الضروري في حياة المسلم المعاصر لفهم كيفية التصرف في ظل التطورات المستمرة في المجتمع.

خاتمة

الفرق بين الشريعة والفقه ليس فرقًا في الجوهر بل في التطبيق، فالشريعة تمثل الإطار العام والتوجيهات الإلهية التي تُنظم حياة المسلم، بينما الفقه هو الاجتهاد البشري المبني على الشريعة من أجل تطبيق الأحكام في الواقع المعاصر. الشريعة ثابتة لا تتغير، بينما الفقه يتطور حسب الظروف الزمانية والمكانية. وبذلك، يعتبر الفقه أداة ضرورية لفهم وتطبيق الشريعة على وجهها الأمثل في مختلف المجالات الحياتية.