الفرق بين أسماء الله وصفاته
في العقيدة الإسلامية، يعتبر الفهم الصحيح لأسماء الله الحسنى وصفاته من أهم المواضيع التي يجب على المسلم الإلمام بها. يهدف هذا المقال إلى توضيح الفرق بين أسماء الله وصفاته، وكيفية ارتباطهما بجوهر الإيمان والتوحيد. إن الحديث عن أسماء الله وصفاته يتطلب التفريق بينهما من حيث التعريف، والخصائص، والوظائف في بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة.
أولاً: تعريف أسماء الله وصفاته
أسماء الله هي الكلمات التي تصف الله سبحانه وتعالى وتدل على ذاته العليا وخصائصه. ومن بين هذه الأسماء ما هو مشترك مع معانٍ بشرية، لكن الله يختلف في صفاته عن خلقه. مثال على ذلك اسم “الرحمن”، فالله هو الرحمن بأسمائه وصفاته، وهو الذي وسعت رحمته كل شيء. ومن هنا، فإن أسماء الله تشمل كل ما ينقله اللسان من دلالات على الله سبحانه وتعالى.
أما صفات الله فهي التي تتعلق بكيفية الله سبحانه وتعالى وخصائصه التي لا تشبه أي صفة من صفات مخلوقاته. الصفات لا تقتصر فقط على الأفعال بل تتجاوزها لتشمل ما يتعلق بذات الله، كما تشمل الصفات الفعلية، التي تتعلق بما يفعله الله في الكون، مثل الخلق، والإحياء، والإماتة.
ثانياً: الفرق بين أسماء الله وصفاته
-
الأساس العقائدي:
إن الفارق الأول بين الأسماء والصفات يكمن في أن أسماء الله تدل على الوجود المهيب لله سبحانه وتعالى، في حين أن صفاته تتعلق بكيفية تصرف الله، أو كيف يكون الله في ذاته وفي أفعاله. فكل اسم من أسماء الله يعكس صفة معينة، لكن ليس كل صفة يتم التعبير عنها في صورة اسم.على سبيل المثال، اسم “القدوس” يعكس صفة الطهارة والتعالي عن كل نقص، بينما صفة “الخلق” تتعلق بالفعل الذي يختص به الله من إبداع وخلق للأشياء من عدم. لذلك، فإن الأسماء تتعلق بوجود الله، بينما الصفات تتعلق بكيفية الله.
-
العدد:
هناك عدد محدد لأسماء الله الحسنى، وهو 99 اسماً كما ورد في الحديث الشريف، وهي الأسماء التي يعبر بها المسلمون عن الله سبحانه وتعالى. لكن الصفات الإلهية لا يمكن حصرها، حيث تتجاوز الأسماء الثابتة لتشمل العديد من الصفات التي يترتب عليها مختلف الأفعال الكونية والشرعية التي تأتي من الله. -
العمومية والتخصيص:
تتسم أسماء الله بأنها دالة على معنى عام شامل، بينما الصفات تكون أدق وأخص. على سبيل المثال، اسم “الرحمن” يتضمن صفة الرحمة، لكن هذه الرحمة تُعتبر صفة شاملة تتضمن أبعاداً كثيرة لا يمكن حصرها في مجرد الاسم. قد يُقال عن شخصٍ أنه رحيم، لكن رحمة الله تظل أعظم وأعمق وأشمل. -
التنزيه:
من أهم المبادئ التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية هي تنزيه الله عن مشابهة خلقه. الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهذا يشمل أسمائه وصفاته. بينما قد تُستخدم بعض الأسماء في سياقات بشرية مثل “العليم” أو “القدير”، إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن صفات الله تشبه صفات البشر. هذه التفصيلات تنعكس في الفرق بين الأسماء التي قد تتشابه مع معاني بشرية، والصفات التي تحمل أبعاداً غير قابلة للمقارنة مع أي شيء مخلوق.
ثالثاً: أمثلة على أسماء الله وصفاته
-
أسماء الله الحسنى:
من أسماء الله الحسنى نجد: “الرحمن”، “الرحيم”، “الملك”، “القدوس”، “السمع”، “البصير”، “القدير”، “العليم”، “الواسع”، “الحكيم”، “الحي”، “القيوم”. وتوضح هذه الأسماء من خلال معانيها الذاتية بعض جوانب الكمال الإلهي والصفات العظيمة التي لا تُحصر. -
صفات الله:
هناك العديد من الصفات التي لا تأتي في صورة أسماء، مثل: صفة الحياة، صفة القدرة، صفة الإرادة، صفة العلم، صفة السمع، صفة البصر. هذه الصفات ليست أسماء، ولكنها تدل على كيفية وخصائص فعل الله، وقد تكون أفعالاً فعلية أو ذاتية تُعبر عن كيفية تفاعل الله مع مخلوقاته.
رابعاً: العلاقة بين الأسماء والصفات
تتعلق العلاقة بين الأسماء والصفات بأن الصفات تكون تابعة للأسماء، وكل اسم يتضمن صفة. وبناءً عليه، لا يمكن أن يُقال عن الله أنه يمتلك اسمًا دون أن يكون لهذا الاسم صفة مرتبطة به. ومن الأمثلة البارزة على ذلك:
-
اسم “الرحمن”: هو اسم لله سبحانه وتعالى، ويشتمل على صفة الرحمة الواسعة التي تشمل جميع خلق الله، وهي رحمة لا تضاهي رحمة البشر.
-
اسم “القدير”: يشير إلى صفة القدرة المطلقة لله سبحانه وتعالى، فهو قادر على كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
خامساً: التأثير العقائدي للفرق بين الأسماء والصفات
الفهم الصحيح للفرق بين أسماء الله وصفاته له تأثير بالغ على إيمان المسلم وعقيدته. عندما يدرك المسلم أن أسماء الله سبحانه وتعالى تدل على الكمال المطلق وأنه لا يشبهه في شيء، يصبح لديه درجة أكبر من التقدير لله تعالى. كما أن التفريق بين الأسماء والصفات يساعد على فهم الأبعاد المتعددة لرحمة الله وعدله وحكمته وقدرته، مما يعزز من ثبات الإيمان ويزيد من الإحساس بعظمة الخالق.
سادساً: تأصيل الفرق في النصوص الشرعية
لم يقتصر العلم بالفرق بين أسماء الله وصفاته على الفهم العقلي، بل نجد في النصوص الشرعية ما يبين هذا الفرق بوضوح. ففي القرآن الكريم والحديث الشريف، نجد أن الله قد ذكر أسمائه الحسنى في سياقات متعددة، وكذلك ذكر صفاته في سياقات أخرى.
على سبيل المثال، ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: “اللّهُ لا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ” (آية الكرسي – البقرة 255)، وهو يذكر صفتين لله هما الحياة والقيومية، دون أن يكونا في صورة أسماء. وكذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء الله الحسنى: “إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة” (رواه البخاري)، نجد أن الحديث يركز على الأسماء ولكن لا يشير إلى الصفات التفصيلية.
سابعاً: علاقة الأسماء والصفات بالعبادة
إن معرفة المسلم بأسماء الله وصفاته يؤدي إلى زيادة محبته لله وخشوعه في عبادته. عندما يتعلم المسلم عن الله سبحانه وتعالى من خلال أسمائه الحسنى وصفاته، فإنه يزداد إيماناً بالله ويعيش في حالة من التقدير والرهبة له. هذه المعرفة تحفز المسلم على التوجه لله بالدعاء، والتوسل بأسمائه وصفاته لتحقيق حاجاته، إذ إن كل اسم أو صفة من أسماء الله مرتبطة ببُعد من أبعاد رحمة الله أو قدرته أو حكمته التي تلزم المسلم بالتضرع والطلب من الله.
ثامناً: الختام
الفهم العميق لأسماء الله وصفاته هو أساس من أسس العقيدة الإسلامية. وقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يُوضح الفرق بين الأسماء والصفات، وما يميز كلٌّ منهما. ومن خلال فهم هذا الفرق، يتعمق المسلم في إيمانه ويكتسب معرفة أكثر بعظمة الله وقدرته. الأسماء توضح للإنسان وجود الله وكماله، بينما الصفات تتناول كيفية ذلك الوجود، مما يساعد على بناء علاقة روحانية وفكرية أعمق مع الخالق.
