العيون العنبريّة، الندرة البيولوجية، الخصائص الوراثية، والانتشار السكاني
تمثل العيون العنبريّة واحدة من أندر ألوان العيون في العالم، وتثير فضول العلماء والناس على حد سواء، ليس فقط بسبب لونها الفريد والجذاب، وإنما لكونها أيضًا نتاجاً مميزاً لتفاعل العوامل الوراثية والبيولوجية النادرة. يعتبر هذا اللون المائل إلى الذهبي أو النحاسيّ أو البني المائل إلى الأصفر ظاهرة نادرة بين ألوان العيون، ويتراوح ما بين البريق العسلي الذهبي وبين اللون المعدني النحاسي، ما يمنحه حضوراً بصرياً مميزاً للغاية.
يُعتبر اللون العنبريّ للعين نتيجةً مباشرة لتركيبة جينية نادرة، إذ تنتج عن وجود نسب منخفضة من صبغة الميلانين في القزحية، مع وجود نوع معين من الصبغات يُعرف باسم “ليبوكروم” (Lipochrome)، وهي ذاتها الصبغة التي تساهم أيضًا في إعطاء بعض الحيوانات لونًا مميزًا لعيونها، مثل الذئاب أو بعض أنواع القطط البرية. ومع ذلك، تختلف العيون العنبريّة عن العيون العسلية (Hazel eyes)، إذ لا تتغير ألوانها بتغير الضوء أو الزاوية التي يُنظر منها إلى العين، وتبقى ثابتة ضمن درجات العنبريّ المميزة.
النسبة المئوية لعدد الأفراد الذين يمتلكون عيوناً عنبرية
تشير الدراسات السكانية الوراثية إلى أن نسبة الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من لون العين لا تتجاوز 0.01% إلى 0.05% من إجمالي سكان العالم، ما يجعلها أكثر ندرة من العيون الزرقاء أو الخضراء، والتي تُقدَّر نسبة وجودها بما بين 8% و2% على التوالي. وبحسب التقديرات السكانية العالمية، فإن هناك ما يزيد على 8 مليار نسمة على سطح الكوكب، وبالتالي يمكن تقدير عدد الأشخاص الذين يمتلكون عيوناً عنبرية بنحو:
| عدد سكان العالم (تقريبي) | النسبة الدنيا (0.01%) | النسبة العليا (0.05%) |
|---|---|---|
| 8,000,000,000 | 800,000 | 4,000,000 |
بالتالي، فإن عدد من يمتلكون عيونًا عنبرية على سطح الأرض يُقدَّر ما بين 800 ألف إلى 4 ملايين شخص فقط، وهذا يشير إلى ندرة فائقة تضعهم ضمن أقلية جينية وبصرية استثنائية.
التوزيع الجغرافي والعرقي للعيون العنبريّة
تتوزع العيون العنبريّة بشكل غير متساوٍ حول العالم، وترتبط بشكل كبير بالتنوع الجيني في مناطق معينة، خصوصًا في جنوب أوروبا، أجزاء من أمريكا الجنوبية، الشرق الأوسط، وأجزاء من آسيا الوسطى. رغم هذا التوزيع الجغرافي، فإنها تبقى نادرة في جميع القارات.
-
جنوب أوروبا: تظهر العيون العنبريّة بنسبة أعلى قليلاً بين السكان الأصليين في إسبانيا، جنوب فرنسا، شمال إيطاليا، والبرتغال، ويرتبط ذلك بالتنوع الوراثي الذي خلّفته هجرات تاريخية طويلة ومعقدة.
-
أمريكا اللاتينية: تنتشر بنسب ضئيلة في بلدان مثل تشيلي، الأرجنتين، والبرازيل، حيث تختلط الأصول الأوروبية بالسكان الأصليين، ما قد ينتج هذه الصفات النادرة.
-
الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: تظهر بين بعض السكان خاصة في مناطق مثل إيران، أذربيجان، وأفغانستان، وربما تُعزى هذه النسبة إلى التقاء الأعراق والأنساب المختلفة في هذه البقاع على مر العصور.
الخصائص الوراثية للعيون العنبريّة
لون العيون يتحكم فيه عدد من الجينات المتداخلة، وليس جيناً واحداً فقط كما كان يُعتقد في السابق. اللون العنبريّ ينتج عن مستويات منخفضة من الميلانين مع وجود صبغات ليبوكرومية في القزحية، وتساهم جينات مثل OCA2 وHERC2 بدرجة أساسية في تحديد اللون النهائي للعين، بالإضافة إلى جينات أخرى مسؤولة عن الصبغة وتوزيعها.
إن ظهور العيون العنبريّة لا يحدث في غالب الحالات إلا عندما يكون هناك تزاوج جيني نادر بين أصول مختلفة تحمل جينات معينة مسؤولة عن توزيع الميلانين والليبوكروم. ويؤدي هذا التزاوج النادر إلى ولادة أطفال يحملون هذه السمات البصرية المميزة، التي غالبًا ما تُورث بصفة متنحية أو شبه متنحية، ما يعني أن وجودها يتطلب شروطاً جينية دقيقة.
الفرق بين العيون العنبريّة والعسلية
يخلط البعض بين العيون العنبريّة والعسلية نظراً لتقاربهما في درجات اللون البني والأصفر، إلا أن هناك فروقات واضحة بينهما من الناحية البصرية والبيولوجية:
| الخاصية | العيون العنبريّة | العيون العسلية |
|---|---|---|
| اللون الأساسي | نحاسي، ذهبي، مائل للعنبر | مزيج من الأخضر والبني |
| التغير مع الإضاءة | ثابت غالبًا | يتغير حسب الضوء والزاوية |
| التركيبة الصبغية | ميلانين منخفض + ليبوكروم | مستويات متوسطة من الميلانين |
| التكرار العالمي | نادر جدًا | أكثر شيوعًا |
الجانب التطوري والبيولوجي
من منظور تطوري، تُعد العيون العنبريّة من الظواهر التي لم تكتسب طابعًا انتقائيًا بيولوجيًا، ما يعني أن وجودها لم يمنح الإنسان القديم ميزة بيئية مباشرة تجعله أكثر قدرة على البقاء. لهذا السبب بقيت ضمن نطاق التوزيع العشوائي للجينات، وندر ظهورها بين الأجيال.
لكن رغم ندرتها، فإن اللون العنبري يُعد في العديد من الثقافات رمزاً للتميز والغموض والجمال الطبيعي النادر، ما يمنحه مكانة خاصة في علم الجمال الإنساني والفن والتصوير.
تأثير العيون العنبريّة على الإدراك الثقافي
تتمتع العيون العنبريّة بسمعة أسطورية في بعض الثقافات، وقد ارتبطت قديماً بصفات مثل الحكمة، الحظ، أو حتى القدرة على التبصير. في الأساطير الأوروبية القديمة، كانت تُنسب لأشخاص يمتلكون قدرات فطرية استثنائية. أما في العصر الحديث، فإن ندرة هذا اللون جعلت منه رمزاً للجاذبية والاختلاف، وغالباً ما يتم اختياره في الشخصيات السينمائية أو في صناعة الألعاب ليعبر عن شخصيات خارقة أو نادرة.
انعكاس الضوء في العيون العنبريّة
إحدى السمات المميزة للعيون العنبريّة هي الطريقة التي تعكس بها الضوء، إذ يمكن للضوء الطبيعي أو الاصطناعي أن يمنحها بريقًا ذهبياً أو مظهرًا شفافاً لامعاً. ويعود ذلك إلى تفاعل الضوء مع طبقات القزحية ذات التركيبة الخاصة من الميلانين والدهون، مما يعطي تأثيرًا بصريًا مشابهاً للمعادن.
عوامل تؤثر في بروز اللون العنبري
-
البيئة المحيطة: تساهم الخلفيات اللونية في الملابس والضوء الطبيعي المحيط في إبراز اللون الذهبي للعيون العنبريّة.
-
الإضاءة: تؤثر الإضاءة بشكل واضح على درجة سطوع هذا اللون، إذ يظهر في ذروة جماله تحت أشعة الشمس المباشرة.
-
العوامل الصحية: بعض الأمراض أو نقص التغذية قد تؤثر على بريق العين عمومًا، وقد تقلل من وضوح اللون العنبريّ إذا كانت مصحوبة بشحوب عام أو ضعف بصري.
تطبيقات الطب الحديث والتعرف البصري
مع تطور تقنيات التعرف البيومتري، أصبحت ألوان العيون من العناصر المهمة في تقنيات الأمن والتعرف على الهوية. وتُعد العيون العنبريّة من الحالات التي تتطلب معالجة خاصة في الخوارزميات، بسبب ندرتها وصعوبة تحديد حدودها اللونية بشكل دقيق، ما يجعلها تحدياً تقنياً عند تطوير قواعد البيانات المعتمدة على الصفات البيومترية.
أهمية دراستها في علم الوراثة
نظرًا لكون العيون العنبريّة نادرة، فإنها تُستخدم في بعض الدراسات الوراثية كمؤشر لفهم كيفية انتقال الجينات المسؤولة عن الصبغات، وهو مجال له أهمية كبيرة في الطب الوراثي وعلاج بعض الاضطرابات المرتبطة بالميلانين مثل المهق أو اضطرابات صبغية في الجلد والشعر.
الخلاصة
تمثل العيون العنبريّة واحدة من أندر وأجمل الصفات الجينية في الإنسان، وهي تعكس تعقيد التكوين البيولوجي البشري وتنوعه. إن وجودها بنسبة ضئيلة بين سكان العالم، وتوزيعها غير المنتظم، وتركيبتها الجينية المميزة، يجعل منها ظاهرة تستحق الدراسة من عدة جوانب: علمية، ثقافية، وجمالية. ومع تزايد الاهتمام بالتنوع البشري والخصائص الوراثية الفريدة، تبقى العيون العنبريّة رمزاً للتفرد البيولوجي وندرة الجمال الطبيعي.
المراجع:
-
Sturm, R. A., & Frudakis, T. N. (2004). Eye colour: portals into pigmentation genes and ancestry. Trends in Genetics, 20(8), 327-
