العوامل المؤثرة في جودة مياه الأنهار

العوامل المؤثرة على نوعية مياه الأنهار العراقية

تعد الأنهار في العراق من المصادر الأساسية للمياه العذبة التي تغذي العديد من المناطق السكنية والزراعية والصناعية. فالنهران الرئيسيان في العراق، هما نهر دجلة ونهر الفرات، يلعبان دورًا حيويًا في توفير المياه للأغراض المختلفة مثل الشرب والري والصناعة. إلا أن نوعية مياه الأنهار العراقية تواجه العديد من التحديات التي تؤثر على صحتها وجودتها، وهو ما ينعكس سلبًا على الإنسان والبيئة. في هذا المقال، سنتناول العوامل الرئيسية التي تؤثر على نوعية مياه الأنهار العراقية وكيفية تأثير هذه العوامل على البيئة والصحة العامة.

1. التلوث الصناعي والكيماوي

من أبرز العوامل التي تؤثر على نوعية مياه الأنهار العراقية هو التلوث الصناعي. في السنوات الأخيرة، شهد العراق زيادة ملحوظة في الأنشطة الصناعية التي تفرز مخلفات سامة وكيميائية تلقي في الأنهار. المصانع الكيميائية والصناعات النفطية والزراعية هي من بين المساهمين الرئيسيين في هذا التلوث، حيث يتم تصريف المواد الكيميائية، مثل الزئبق، والرصاص، والمركبات السامة، في المياه دون معالجة مناسبة.

هذا التلوث يسبب العديد من المشكلات البيئية والصحية، حيث يؤدي إلى تغيرات في خصائص المياه مثل ارتفاع مستوى الحموضة، وزيادة تركيز المعادن الثقيلة. مما يجعل المياه غير صالحة للاستهلاك البشري والحيواني، ويسهم في تدهور البيئة المائية، بما في ذلك قتل الأسماك وتدمير النظام البيئي المائي.

2. التلوث الزراعي

الأنشطة الزراعية تعد من العوامل المساهمة بشكل كبير في تلوث الأنهار العراقية. الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، الأسمدة الكيميائية، والمبيدات الفطرية يؤدي إلى تسرب هذه المواد إلى المياه السطحية والجوفية، حيث تنقلها الرياح والمياه إلى الأنهار.

تتسرب هذه المواد السامة إلى الأنهار وتؤدي إلى تدهور نوعية المياه، حيث تؤثر الأسمدة والمواد الكيميائية على مستوى الأوكسجين في المياه، مما يؤدي إلى نمو الطحالب بشكل مفرط، وهو ما يعرف بالطفو الطحلبي. هذا الظاهرة يمكن أن تؤدي إلى نقص الأوكسجين في الماء، مما يسبب موت الكائنات الحية المائية ويؤثر على التنوع البيولوجي في الأنهار.

3. تلوث المياه من المخلفات البلدية

إن تصريف المياه العادمة من المدن والبلدات العراقية في الأنهار يمثل تهديدًا آخر لجودة المياه. على الرغم من أن العديد من المدن العراقية تحتوي على محطات معالجة مياه الصرف الصحي، إلا أن بعضها لا يملك البنية التحتية الكافية لمعالجة هذه المياه قبل تصريفها في الأنهار. يؤدي ذلك إلى تلوث المياه بالمركبات العضوية والبكتيريا والفيروسات، مما يشكل خطرًا على الصحة العامة.

المياه الملوثة قد تحتوي على مسببات الأمراض مثل الإشريكية القولونية، التي تسبب الأمراض المعوية والعدوى في الجهاز الهضمي. وعندما يستهلك الإنسان مياهًا ملوثة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفشي الأوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد.

4. انخفاض مستويات المياه بسبب السدود والري

إن بناء السدود على الأنهار، سواء داخل العراق أو على الأنهار التي تأتي من دول الجوار مثل تركيا وإيران، ساهم في تقليل تدفق المياه في الأنهار العراقية. وقد أدى هذا إلى تقليل مستويات المياه في دجلة والفرات، مما أثر على نوعية المياه بشكل كبير.

عندما ينخفض مستوى المياه، تزداد تركيزات الملوثات في المياه المتبقية، مما يسبب تدهورًا أكبر في نوعية المياه. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام المياه لري المحاصيل في الأراضي الزراعية القريبة من الأنهار يعرض المياه إلى التلوث بالمبيدات والأسمدة.

5. الظروف المناخية والتغيرات المناخية

يعد تغير المناخ من العوامل المؤثرة بشكل غير مباشر على نوعية المياه في الأنهار العراقية. إن تغير أنماط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يساهم في تقليل كمية الأمطار التي تسقط في مناطق المنبع، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار.

كما أن التغيرات المناخية تزيد من تكرار فترات الجفاف، مما يضاعف من معاناة الأنهار ويزيد من التوترات بين الدول التي تتقاسم هذه الأنهار كمورد مائي. هذا النقص في المياه قد يؤدي إلى زيادة تركيز الملوثات في المياه، ويضع ضغوطًا على الموارد المائية المتاحة.

6. النمو السكاني والتوسع العمراني

من العوامل التي تؤثر على نوعية مياه الأنهار في العراق هو النمو السكاني المتزايد. مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان، شهد العراق توسيعًا حضريًا وعمرانيًا سريعًا، ما أدى إلى زيادة التصريفات المنزلية والصناعية في الأنهار.

المشاريع العمرانية الكبيرة، مثل بناء المدن السكنية والمجمعات الصناعية بالقرب من الأنهار، تؤدي إلى إلقاء المزيد من المخلفات والمياه العادمة في الأنهار. كما أن زيادة عدد السكان يساهم في زيادة الطلب على المياه، مما يزيد من الضغط على الأنهار.

7. الأنشطة التعدينية والاحتطاب

تشهد بعض المناطق في العراق أنشطة تعدين غير منظمة واحتطاب مفرط للغابات القريبة من الأنهار. هذه الأنشطة تؤدي إلى تدهور جودة التربة والمياه. عندما تُستخدم المواد الكيميائية في التعدين، يتم تسريبها إلى الأنهار مما يزيد من تلوث المياه. كما أن قطع الأشجار يقلل من قدرة البيئة على تنقية المياه، مما يساهم في تدهور جودة المياه.

8. أزمة المياه بين دول الجوار

تعد الخلافات حول تقاسم مياه الأنهار المشتركة بين العراق وكل من تركيا وسوريا وإيران من العوامل السياسية التي تؤثر على نوعية المياه في الأنهار العراقية. من أبرز هذه المشاكل بناء السدود على الأنهار المشتركة مثل سد “إليسو” في تركيا، الذي يسبب تقليص كمية المياه التي تصل إلى العراق. هذا التأثير يقلل من تدفق المياه العذبة ويزيد من تركيز الملوثات في المياه المتبقية، مما يعرض البيئة والمجتمعات العراقية لمشاكل أكبر.

9. الأنشطة البشرية غير القانونية

تنتشر العديد من الأنشطة البشرية غير القانونية التي تسهم في تلوث الأنهار العراقية، مثل رمي المخلفات والنفايات السائلة في الأنهار. وعادة ما تحدث هذه الأنشطة في المناطق التي تفتقر إلى رقابة فعالة، حيث يتم إلقاء المخلفات الصناعية والزراعية في الأنهار، مما يساهم في تدهور نوعية المياه.

الخاتمة

إن نوعية مياه الأنهار العراقية تواجه العديد من التحديات التي تهدد الصحة العامة والبيئة في العراق. ومن أهم هذه التحديات التلوث الصناعي والزراعي، إضافة إلى الانخفاض في مستويات المياه بسبب السدود والجفاف. للحد من هذه المشكلات، من الضروري أن تتبنى الحكومة العراقية استراتيجيات فعالة لإدارة المياه، مثل تحسين البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي، وتعزيز التشريعات البيئية، وتشجيع التعاون مع دول الجوار للتوصل إلى حلول منصفة بشأن توزيع المياه. كما يجب تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين لتقليل التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية غير القانونية.