أسباب العقم عند الرجال

أسباب العقم عند الرجال

يُعد العقم عند الرجال من التحديات الصحية المعقدة التي تؤثر على الخصوبة وتقلل من القدرة على الإنجاب، ويُعرف بأنه عدم القدرة على تحقيق الحمل بعد مرور عام من العلاقة الزوجية المنتظمة دون استخدام وسائل منع الحمل. يشكل الذكور نسبة تقارب 40-50% من حالات العقم، مما يستدعي دراسة معمقة للأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هذا الخلل التناسلي. وتتعدد أسباب العقم بين الأسباب العضوية والهرمونية، والعوامل البيئية والسلوكية، وتداخلها بشكل معقد قد يتطلب فحوصات دقيقة وعلاجات متقدمة لاستعادة القدرة الإنجابية.

أولاً: الاضطرابات المتعلقة بإنتاج الحيوانات المنوية

يُعتبر إنتاج الحيوانات المنوية عملية بيولوجية معقدة تبدأ من إشارات هرمونية يرسلها الدماغ، وتُنظمها الغدة النخامية، لتنشيط الخصيتين لإنتاج وتخزين النطاف. أي خلل في هذا المسار قد يؤدي إلى ضعف إنتاج النطاف أو انعدامه.

1. قلة النطاف (Oligospermia)

هي حالة يُعاني فيها الرجل من انخفاض عدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي عن الحد الطبيعي (أقل من 15 مليون نطفة/مل)، مما يقلل من فرص تلقيح البويضة. تنتج هذه الحالة عن عوامل متعددة مثل:

• الاضطرابات الهرمونية.

• دوالي الخصية.

• التعرض للسموم أو الإشعاع.

2. انعدام النطاف (Azoospermia)

تشير هذه الحالة إلى غياب تام للحيوانات المنوية في السائل المنوي. وتنقسم إلى:

• انعدام إفرازي: نتيجة فشل في إنتاج الحيوانات المنوية بالخصية.

• انعدام انسدادي: بسبب انسداد في القنوات الناقلة للنطاف.

3. تشوه الحيوانات المنوية (Teratozoospermia)

تشير إلى وجود نسبة كبيرة من الحيوانات المنوية المشوهة من حيث الرأس أو الذيل أو الحجم، مما يؤثر على قدرتها على اختراق البويضة وتلقيحها.

4. ضعف حركة الحيوانات المنوية (Asthenozoospermia)

يتسبب بطء حركة النطاف أو عدم حركتها الفعالة في صعوبة وصولها إلى البويضة، ويعود ذلك إلى أسباب وراثية أو التهابات أو ضعف في وظيفة الميتوكوندريا المسؤولة عن إنتاج الطاقة.

ثانياً: اضطرابات هرمونية تؤثر على الخصوبة

تعتمد وظيفة الخصية في إنتاج النطاف على توازن دقيق بين عدة هرمونات، منها:

• الهرمون المنبه للجريب FSH

• الهرمون اللوتيني LH

• التيستوستيرون

أي خلل في هذه الهرمونات، سواء بالزيادة أو النقصان، يؤدي إلى فشل عملية إنتاج الحيوانات المنوية. من أبرز الأسباب:

• قصور الغدة النخامية أو الغدة تحت المهاد.

• أورام الدماغ المؤثرة على مركز إفراز الهرمونات.

• اضطرابات في الغدة الدرقية.

• تناول المنشطات أو المكملات التي تحتوي على التستوستيرون الصناعي.

ثالثاً: دوالي الخصية (Varicocele)

تُعد من الأسباب الشائعة لعقم الرجال، وهي توسع غير طبيعي في الأوردة المحيطة بالخصية، مما يؤدي إلى:

• ارتفاع درجة حرارة الخصية.

• ضعف تدفق الدم.

• تراكم السموم المؤكسدة.

تؤثر هذه التغيرات على جودة النطاف وعددها، ويمكن أن تكون أحادية أو ثنائية الجانب، وغالبًا ما تصيب الجهة اليسرى بسبب الاختلافات التشريحية في الوريد المنوي.

رابعاً: الالتهابات التناسلية المزمنة

الالتهابات البكتيرية أو الفيروسية في الجهاز التناسلي قد تؤدي إلى تلف الأنسجة وإغلاق القنوات الناقلة للنطاف، ومن أشهرها:

• التهاب البربخ.

• التهاب البروستات.

• العدوى بالكلاميديا أو السيلان.

• فيروس النكاف في حال إصابة الخصية بعد البلوغ.

يمكن أن تؤدي هذه الالتهابات إلى تندب دائم، ما يسبب انسداداً دائماً يمنع خروج الحيوانات المنوية.

خامساً: العوامل الوراثية والكروموسومية

تلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا في بعض حالات العقم، وتظهر على شكل:

• متلازمة كلاينفلتر (XXY): حيث يمتلك الرجل كروموسوماً إضافيًا يؤدي إلى فشل وظيفي في الخصيتين.

• حذف في منطقة AZF من الكروموسوم Y المسؤول عن تصنيع النطاف.

• طفرات جينية تؤثر على إنتاج أو حركة النطاف.

كما أن العيوب الوراثية قد تكون صامتة حتى وقت محاولة الإنجاب، فتظهر حينها أعراض العقم دون أي مشاكل جنسية سابقة.

سادساً: العوامل البيئية ونمط الحياة

1. الحرارة الزائدة للخصية

الخصيتان تحتاجان لدرجة حرارة أقل من حرارة الجسم لإنتاج النطاف. ارتداء الملابس الضيقة، استخدام الحمامات الساخنة المتكررة، أو العمل في بيئات ساخنة مثل مصانع الحديد، تؤثر سلباً على إنتاج النطاف.

2. التعرض للمواد السامة

• المبيدات الحشرية.

• المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق.

• المواد الكيميائية الصناعية.
  هذه المواد تتلف خلايا الخصية أو تعيق تكاثرها.

3. الإشعاع والتلوث

التعرض للأشعة بشكل مباشر (كالعاملين في أقسام الأشعة أو في محطات الطاقة) يزيد من تلف المادة الوراثية في النطاف.

سابعاً: التدخين وتعاطي الكحول والمخدرات

أثبتت الدراسات أن التدخين يقلل من عدد وحركة الحيوانات المنوية، ويزيد من نسبة تشوهها، ويرتبط بارتفاع مستويات الجذور الحرة المؤكسدة التي تضر الحمض النووي للنطاف. كما أن الكحول يؤثر على إنتاج الهرمونات، والمخدرات مثل الماريجوانا والهيروين تقلل من إنتاج الحيوانات المنوية بشكل ملحوظ.

ثامناً: العوامل النفسية والتوتر المزمن

الإجهاد النفسي المستمر واضطرابات النوم والقلق تؤثر على توازن الهرمونات الجنسية في الجسم، وتؤدي إلى انخفاض مستويات التستوستيرون. كما أن التوتر قد يؤدي إلى خلل في العلاقة الجنسية وقلة الجماع، مما يقلل فرص الإنجاب.

تاسعاً: استخدام بعض الأدوية والعلاجات

بعض الأدوية تؤثر سلبًا على الخصوبة الذكرية، منها:

• العلاج الكيميائي والإشعاعي.

• أدوية علاج ارتفاع الضغط.

• مثبطات المناعة.

• أدوية مضادات الاكتئاب.

• مكملات بناء العضلات التي تحتوي على هرمونات ذكورية.

وفي بعض الحالات، تسبب هذه الأدوية ضمورًا في الخصيتين أو توقفًا كاملاً في إنتاج النطاف.

عاشراً: العوامل المناعية

يُنتج بعض الرجال أجسامًا مضادة ضد حيواناتهم المنوية، إما نتيجة إصابات في الخصية، أو عمليات جراحية، أو التهابات، فتقوم هذه الأجسام بتدمير النطاف أو إعاقتها عن الحركة والاختراق. وتُعد هذه الحالة نادرة نسبيًا ولكنها تؤثر بشكل مباشر على الإخصاب.

الحادي عشر: التشوهات الخلقية في الجهاز التناسلي

• عدم نزول الخصيتين إلى كيس الصفن.

• انسداد خلقي في القنوات المنوية.

• متلازمة كارتاجنر (خلل في الأهداب يؤثر على حركة النطاف).

• العيوب في الحبل المنوي أو غياب الحبل المنوي.

كلها تشوهات تؤثر على وظيفة الخصية أو نقل النطاف، وقد لا تكتشف إلا خلال فحوصات العقم.

جدول يوضح أهم أسباب العقم وتصنيفاتها

الخلاصة الطبية

العقم عند الرجال حالة متعددة الأسباب، وتتطلب تشخيصاً دقيقاً يتضمن التحاليل الهرمونية، تحليل السائل المنوي، والتصوير بالأمواج فوق الصوتية، وأحيانًا الفحوصات الوراثية أو التنظير. ويمكن في العديد من الحالات معالجة السبب وتحسين فرص الحمل إما من خلال العلاج الدوائي أو الجراحي أو عبر تقنيات التلقيح المساعد مثل التلقيح الصناعي أو أطفال الأنابيب. ويُنصح بالتوجه المبكر للطبيب المختص في حال تأخر الإنجاب، لأن سرعة التدخل تُحسن من نسب النجاح وتقليل المضاعفات.

المراجع

1. Mayo Clinic – Male infertility.

2. WHO Laboratory Manual for the Examination and Processing of Human Semen – 6th edition.