العمل التطوعي في الإمارات

يُعد العمل التطوعي في دولة الإمارات العربية المتحدة أحد الركائز الأساسية في بناء مجتمع متماسك ومتعاون، وهو امتداد طبيعي للقيم العربية والإسلامية التي تحث على العطاء والإيثار وخدمة الآخرين. وقد حرصت الدولة، منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على غرس ثقافة التطوع في نفوس مواطنيها والمقيمين على أرضها، حتى بات العمل التطوعي جزءاً لا يتجزأ من الهوية الإماراتية وأسلوب حياة مجتمعي مدعوم بمنظومة تشريعية وتنظيمية متكاملة.

الجذور التاريخية للتطوع في الإمارات

العمل التطوعي في الإمارات ليس ظاهرة حديثة، بل هو سلوك متأصل في الثقافة المجتمعية التي تقوم على روح التكافل والتعاون بين أبناء القبائل والمجتمعات المحلية. في الماضي، كانت القرى والواحات تعتمد بشكل كبير على التعاون الجماعي في الزراعة والبناء وحماية الممتلكات، وكانت المجالس المجتمعية تنظم الأعمال التطوعية بشكل عفوي لتلبية حاجات الجميع.

تطور مفهوم التطوع في العصر الحديث

مع تطور الدولة ودخولها مرحلة التحديث والتنمية السريعة، بدأت الحكومة الإماراتية بإعادة صياغة مفهوم العمل التطوعي بما يتماشى مع المتغيرات المعاصرة. فتم إنشاء هيئات رسمية تُعنى بتنظيم وتسهيل العمل التطوعي، كما تم إطلاق برامج وطنية لتعزيز مشاركة جميع شرائح المجتمع في المبادرات الإنسانية والخيرية والاجتماعية، وأُدرج العمل التطوعي ضمن مسارات التمكين المجتمعي، وبات أداة فعالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

المبادرات الحكومية الداعمة للعمل التطوعي

أولت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات أهمية كبرى للعمل التطوعي، فأنشأت “الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث”، والتي تتعاون مع المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في تنظيم العمل التطوعي خاصة في أوقات الأزمات. كما تم إطلاق “منصة متطوعين.إمارات”، وهي منصة رقمية تتيح الفرصة لكل مواطن ومقيم للمشاركة في مختلف الأنشطة التطوعية وفق اهتماماتهم وتخصصاتهم.

من بين أبرز المبادرات الحكومية في هذا المجال:

• عام الخير 2017: الذي شكّل نقلة نوعية في تعزيز ثقافة التطوع، من خلال إطلاق مئات المبادرات التي شملت جميع المجالات، ووصل عدد الساعات التطوعية فيه إلى مستويات قياسية.

• عام التسامح 2019 وعام الاستعداد للخمسين 2020: حيث كان العمل التطوعي محوراً مهماً في ترجمة قيم التعايش والتعاون في المجتمع الإماراتي.

• الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية للشركات: الذي يُمكّن القطاع الخاص من المساهمة في التنمية المستدامة من خلال برامج تطوعية تنموية.

المنظمات والجهات الفاعلة في العمل التطوعي

تعج الإمارات بعدد كبير من الجهات والمؤسسات التي تنشط في مجال العمل التطوعي، منها ما هو حكومي، ومنها ما هو غير ربحي. ومن أبرز هذه الجهات:

• الهلال الأحمر الإماراتي: والذي يُعد من أقدم وأهم مؤسسات العمل الإنساني والتطوعي في الدولة، وله نشاطات داخل الدولة وخارجها.

• مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية: التي تساهم بشكل كبير في دعم المتطوعين والمبادرات الاجتماعية.

• مؤسسة دبي العطاء: التي تركز على دعم التعليم في الدول النامية من خلال برامج تطوعية متنوعة.

• مركز الإمارات للتطوع: الذي يقوم بتنظيم الفعاليات ويؤهل المتطوعين من خلال دورات تدريبية متخصصة.

مجالات العمل التطوعي في الإمارات

يمتد العمل التطوعي في الإمارات ليشمل كافة القطاعات الحيوية، وهو ما يعكس شمولية الرؤية التنموية الإماراتية. وتشمل هذه المجالات:

فوائد العمل التطوعي على الفرد والمجتمع

إن للعمل التطوعي في الإمارات آثاراً إيجابية ملموسة على مختلف الأصعدة. فعلى الصعيد الفردي، يعزز العمل التطوعي من ثقة الفرد بنفسه، ويمنحه فرصة لتطوير مهاراته الشخصية والاجتماعية، كما يسهم في بناء شبكة علاقات مهنية واجتماعية. أما على صعيد المجتمع، فإنه يعزز روح الانتماء والتضامن، ويقلل من مظاهر العزلة، ويعزز الاستقرار المجتمعي.

العمل التطوعي والشباب

تشكل فئة الشباب في الإمارات العمود الفقري للعمل التطوعي، وقد أولت الدولة هذه الفئة عناية خاصة من خلال إشراكها في المبادرات الوطنية، وتوفير منصات رقمية تتيح لهم اختيار ما يتناسب مع ميولهم. كما تقوم الجامعات والمدارس بتنظيم فعاليات تطوعية بشكل مستمر، وتربط بعض المؤسسات التعليمية بين التطوع ومتطلبات التخرج.

التطوع خلال الأزمات: نموذج جائحة كوفيد-19

أثبت المجتمع الإماراتي خلال جائحة كورونا مدى تجذّر ثقافة التطوع، حيث سارع آلاف المتطوعين من مواطنين ومقيمين إلى الانخراط في خطوط الدفاع الأولى، وتقديم المساعدة في المراكز الصحية، ومساعدة المسنين، وتوزيع المواد الغذائية. وقد شكّلت هذه المرحلة تجربة ناجحة في العمل الجماعي والتنظيم المتقن الذي تعزز بفضل البنية التحتية الرقمية والتنظيمية للدولة.

التطوع الرقمي

في ظل التحولات الرقمية، أطلقت الإمارات مفهوم “التطوع الرقمي” الذي أتاح للمتطوعين فرصة الإسهام في مبادرات متنوعة عن بُعد، مثل تقديم الدعم الفني، الترجمة، التصميم، إعداد المحتوى التوعوي، وتقديم الاستشارات. وقد ساهم هذا النوع من التطوع في إشراك شرائح أوسع من المجتمع مثل ذوي الإعاقة وكبار السن.

العمل التطوعي ضمن رؤية الإمارات 2031

يحتل العمل التطوعي مكانة بارزة ضمن الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2031، التي تهدف إلى تعزيز “التلاحم المجتمعي” و”التنمية المستدامة”، و”الريادة العالمية في العمل الإنساني”. وقد تم إدراج مؤشرات خاصة بعدد المتطوعين، وعدد الساعات التطوعية، ومجالات التغطية، ضمن أهداف التقييم الوطني.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها دولة الإمارات في تعزيز ثقافة العمل التطوعي، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه القطاع، من أبرزها:

• الحاجة إلى تطوير نظام موحد لإدارة قواعد بيانات المتطوعين.

• تعزيز التدريب والتأهيل المستمر للمتطوعين لضمان الكفاءة والجاهزية.

• رفع الوعي المجتمعي حول أهمية التطوع المؤسسي والمنظم.

في المقابل، فإن الفرص المستقبلية كثيرة، ومن بينها:

• توسيع نطاق التطوع ليشمل مشاريع الابتكار والذكاء الاصطناعي.

• تعزيز الشراكات الدولية في مجال العمل الإنساني.

• إدماج العمل التطوعي في القطاع الخاص عبر برامج المسؤولية المجتمعية.

الخلاصة

العمل التطوعي في الإمارات هو تجسيد حي لرؤية قيادتها في بناء مجتمع متكامل ومتماسك يقوم على قيم العطاء والانتماء والتسامح. ومن خلال المنظومة المؤسسية والتشريعية المتطورة، والتفاعل الشعبي الواسع، باتت الإمارات نموذجاً يحتذى به في مجال العمل التطوعي إقليمياً وعالمياً. ويستمر هذا النهج في التوسع والنمو في ظل تطلعات الدولة لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق السعادة والرفاهية لجميع من يعيش على أرضها.

المراجع:

• وزارة تنمية المجتمع الإماراتية: mocd.gov.ae

• منصة متطوعين.إمارات: volunteers.ae

• الهلال الأحمر الإماراتي: emiratesrc.ae

• وثيقة رؤية الإمارات 2031