فضل العمرة عن الميت
تُعدّ العمرة من العبادات العظيمة التي شرعها الله تعالى لعباده المسلمين، وجعل لها من الأجر والثواب ما يرفع بها الدرجات ويكفّر السيئات، وقد جرى العمل في الأمة الإسلامية على أداء العمرة عن الميت من قبل الأحياء، إما لكونه لم يتمكن من أدائها في حياته، أو رغبةً في إيصال الخير له بعد وفاته، وهو عمل مشروع وذو فضل كبير دلّت عليه نصوص السنة النبوية، وأجمع عليه جمهور العلماء.
مشروعية العمرة عن الميت
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ أقرّ أداء الحج والعمرة عن الغير، وخصّ بذلك من لا يستطيع أداء النسك بنفسه، سواء لعذر دائم في حياته أو بسبب الوفاة. ومن أشهر هذه الأحاديث ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: “يا رسول الله، إنّ أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟”
فقال ﷺ: “نعم، حجّ عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ فاقضوا الله، فالله أحق بالوفاء”
رواه البخاري (6699)
ومثله ورد في باب العمرة عن الغير، فقد روى أبو رزين العقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي ﷺ فقال:
“يا رسول الله، إنّ أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن”
فقال النبي ﷺ: “حُجّ عن أبيك واعتمر”
رواه أبو داود (1810) والترمذي (930) وقال: حديث حسن صحيح
وهذه النصوص دليل صريح على جواز أداء العمرة عن الميت، لا سيما إن لم يكن قد اعتمر في حياته، أو كان عليه نذر أو عهد بأدائها، وقد أكد العلماء على أنّ النيابة في العبادات المالية والجسدية كالحج والعمرة جائزة في مثل هذه الحالات، ما دام النائب قد أدّى الفريضة عن نفسه أولًا.
شروط أداء العمرة عن الميت
لكي تكون العمرة عن الميت صحيحة ومقبولة، يجب أن تتحقق فيها عدة شروط:
1. أن يكون المعتمر قد اعتمر عن نفسه أولًا
يشترط جمهور العلماء أن يكون مَن يؤدي العمرة عن الميت قد أداها عن نفسه سابقًا، استنادًا لحديث ابن عباس رضي الله عنه:
سمع النبي ﷺ رجلاً يقول: “لبيك عن شبرمة”، فقال: “من شبرمة؟” قال: “أخ لي أو قريب لي”، قال: “هل حججت عن نفسك؟” قال: “لا”، قال: “حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شبرمة”
رواه أبو داود (1811)
2. إخلاص النية
النية أساس كل عبادة، ويجب أن ينوي النائب أداء العمرة عن الميت بنية صادقة خالصة لوجه الله تعالى، ويُستحب التلفظ بها عند الإحرام، فيقول: “لبيك عمرة عن فلان”.
3. أن يكون الميت مسلمًا
لا تُؤدى العمرة عن كافرٍ أو من مات على غير ملة الإسلام، لأن الله عز وجل قال:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾
[التوبة: 113]
4. أداء جميع مناسك العمرة كاملة
يجب على من يعتمر عن غيره أن يؤدي المناسك كاملة من الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، كما يؤديها عن نفسه تمامًا.
أنواع العمرة عن الميت
يمكن أن تُؤدى العمرة عن الميت بإحدى الطريقتين:
1. عمرة النفل عن الميت
وهي أن يؤدي المسلم عمرة تطوعية ويهدي ثوابها للميت، وهذا جائز عند جمهور العلماء، وخاصة من المذاهب الحنفيّة والحنبليّة، لما ورد من جواز إهداء الثواب للميت سواء من صلاة أو صيام أو حج أو صدقة.
2. عمرة القضاء عن الميت
وهي أن يؤدي العمرة عن ميت كان قد نذرها أو أوجبها على نفسه ولم يتمكن من أدائها، وهذه واجبة عند جمهور العلماء ويُستحب لورثته أو غيرهم أن يؤدوها عنه قضاءً.
الفرق بين الحج والعمرة عن الميت
من حيث الأصل، فإن الحج والعمرة يشتركان في جواز أدائهما عن الميت، لكن يختلفان في بعض الأمور:
| الفرق | الحج عن الميت | العمرة عن الميت |
|---|---|---|
| الحكم الشرعي | جائز بإجماع العلماء | جائز عند جمهور العلماء |
| الأفضلية | إذا لم يحجّ الميت، فتُقدم الحج عن العمرة | تُؤدى إن لم يعتمر الميت أو كزيادة بر له |
| العدد | يجوز تكرار الحج عن الميت أكثر من مرة | يجوز تكرار العمرة عن الميت، ولكن الأفضل مرة واحدة ما لم يكن بنية النفل |
فضل أداء العمرة عن الميت
1. برّ الميت بعد وفاته
قال النبي ﷺ:
“إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له”
رواه مسلم (1631)
فالعمرة عن الميت نوع من البر والدعاء، لأن الله يكتب للميت أجرًا كما لو أداها بنفسه، ويجعل ذلك في ميزان حسناته، لا سيما إن لم يتمكن من أداء العمرة في حياته.
2. إسقاط الواجب عنه
في حال كان الميت قد نذر عمرة أو وجبت عليه بسبب الإسلام ولم يتمكن منها، فإن العمرة عنه تُسقط هذا الواجب، ويُرجى أن تُقبل كقضاء عنه بإذن الله.
3. مضاعفة الأجر للحي والميت
من رحمة الله تعالى أن يُثيب النائب والمعتمر عن الغير، ويُكتب الأجر للاثنين، فالنية والإخلاص يصيبان أجرًا مزدوجًا في حالات النيابة، كما ذكر العلماء.
4. تأليف القلوب وزيادة الروابط الأسرية
كثير من الناس يعتمرون عن آبائهم وأمهاتهم، أو أزواجهم وأحبّتهم، وهذا من مظاهر الوفاء والتراحم والتواصل بين أفراد الأسرة، وفيه نوع من الصلة بالميت بالدعاء والعمل الصالح.
آراء المذاهب الفقهية في العمرة عن الميت
أجمعت المذاهب الأربعة على جواز أداء العمرة عن الميت، مع تفاوت يسير في التفصيل:
-
المالكية: أجازوا العمرة عن الميت، لكنهم رجّحوا أن الأفضل أن يدعو له من أن يعتمر عنه إن لم يكن هناك حاجة.
-
الشافعية: يرون جواز العمرة عن الميت، بل واستحبابها لمن عجز عنها في حياته.
-
الحنفية: أجازوا ذلك مطلقًا، سواء أوصى الميت بذلك أم لم يوصِ.
-
الحنابلة: يرون أن العمرة عن الميت جائزة ويُستحب فعلها عنه خاصة إن لم يكن قد أداها.
الترتيب بين العمرة عن النفس وعن الغير
يجب على المسلم أن يبدأ بالعمرة عن نفسه أولًا، فإذا كان قد اعتمر سابقًا، جاز له بعد ذلك أداء العمرة عن غيره سواء في نفس السفرة أو بعد العودة للميقات مرة أخرى، ولا يُشترط أن يكون بين العمرتين وقت طويل، بل يمكن أداء عمرة عن نفسه ثم يعتمر مرة ثانية عن الميت بعد الإحرام من التنعيم أو أحد المواقيت الأخرى.
آثار العمرة عن الميت على الروح والقلب
إن أداء العمرة عن الميت له أثر بالغ في الروح، ففيه تذكير بالموت والدار الآخرة، واستحضار للنية الخالصة، وشعور بالمسؤولية تجاه من رحل عن الدنيا، كما أنه يترك أثرًا طيبًا في النفس، ويزيد المسلم قربًا من الله تعالى، وإحساسًا عميقًا بالتواصل الروحي مع من فارق الحياة.
حكم تكرار العمرة عن الميت
لا يوجد في النصوص الشرعية ما يمنع من تكرار العمرة عن نفس الميت، بل هو جائز عند جمهور العلماء، إلا أن الأفضل ألا يكون ذلك بشكل مبالغ فيه دون حاجة، وأن يُنوّع المسلم أعمال البر للميت بين صدقة وعمرة ودعاء وصيام إن تيسر، وألا يُقيد رحلاته للعمرة بنيابة متكررة فقط، بل ليحرص على تعظيم الشعائر وتجديد النية.
الخلاصة
العمرة عن الميت من الأعمال الجليلة التي شرعها الإسلام، وتُعدّ من البر الباقي والدعاء المتواصل، وهي عبادة عظيمة إذا أُديت بشروطها الشرعية ونيتها الخالصة، تُسهم في رفع درجات الميت وتكفير سيئاته، وهي من أبواب الرحمة والمغفرة التي أتاحها الإسلام للعلاقة المستمرة بين الحي والميت. وقد دلت السنة النبوية والإجماع الفقهي على مشروعيتها وفضلها، مما يجعلها من أهم الأعمال التي يُستحب الإقبال عليها لمن أراد الوفاء، أو من أراد القرب من الله بعمل نافع لنفسه ولغيره.
المراجع:
-
صحيح البخاري، كتاب الحج
-
أبو داود، السنن، باب الحج عن الغير
