العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة تحقق المشاركة الكاملة للمرأة

المقدمة

في المجتمعات الإنسانية، تتعدد أشكال العلاقات بين الأفراد، لكن تبقى العلاقة بين الرجل والمرأة من أكثرها تعقيداً وأهمية، لما تنطوي عليه من أبعاد اجتماعية، نفسية، واقتصادية، تنعكس بشكل مباشر على بنية الأسرة واستقرار المجتمع. من هنا، تبرز الحاجة إلى فهم عميق لماهية العلاقة الصحية بين الجنسين، ليس فقط بوصفها علاقة زوجية أو عاطفية، بل كمنظومة قيمية تؤسس لبيئة يسودها الاحترام، التفاهم، والمساواة. تلك العلاقة الصحية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتمكين المرأة من المشاركة الكاملة في الحياة، سواء في المجال الخاص أو العام، وفي مختلف مستويات اتخاذ القرار.

المفهوم العلمي للعلاقة الصحية بين الرجل والمرأة

العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة تُبنى على مجموعة من الأسس العلمية التي حددتها دراسات علم النفس والاجتماع، وأكدتها التجارب الإنسانية عبر العصور. من بين هذه الأسس:

1. الاحترام المتبادل: يعني احترام الشخص الآخر في آرائه، مشاعره، وخصوصيته، دون محاولة السيطرة عليه أو التقليل من شأنه.

2. التواصل الفعال: القدرة على التعبير عن المشاعر، الاحتياجات، والمخاوف بطريقة واضحة وصادقة، مع الاستماع الجيد للطرف الآخر دون إصدار أحكام مسبقة.

3. الاستقلالية الشخصية: الحفاظ على هوية الفرد واستقلاليته داخل العلاقة، دون انصهار تام أو تبعية مفرطة.

4. العدالة والمساواة: تقاسم المسؤوليات والحقوق بشكل متوازن، دون ترسيخ علاقات قوامها الهيمنة الذكورية أو الاستغلال العاطفي أو الاقتصادي.

أهمية العلاقة الصحية في تمكين المرأة

العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة تُعد حجر الأساس في دعم تمكين المرأة ومشاركتها الكاملة في المجتمع. فعندما تعيش المرأة ضمن علاقة تتسم بالاحترام والدعم، تصبح أكثر قدرة على تحقيق ذاتها والمساهمة الفعالة في الحياة العامة.

التمكين النفسي والمعنوي

العلاقة الصحية توفر للمرأة بيئة داعمة تُعزز من ثقتها بنفسها، وتمنحها المساحة اللازمة للنمو الذاتي والتعبير عن إمكاناتها. غياب العنف الرمزي أو اللفظي أو الجسدي داخل العلاقة يحرر المرأة من مشاعر القلق والخوف التي تعيق مشاركتها المجتمعية.

التمكين الاقتصادي

عندما يحترم الرجل عمل المرأة، ويدعم استقلالها الاقتصادي، فإنه يفتح أمامها آفاقاً أوسع للإبداع والإنتاج. المرأة العاملة ضمن بيئة أسرية داعمة تكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مالية، والمساهمة في الدخل الأسري، ما ينعكس إيجاباً على رفاه الأسرة والمجتمع.

التمكين الاجتماعي والسياسي

العلاقات الأسرية الصحية تُخرج نساءً واثقات بأنفسهن، قادرات على ممارسة أدوار قيادية في مختلف المجالات. دعم الرجل لمشاركة المرأة في الحياة العامة – سواء في منظمات المجتمع المدني، أو في المجال السياسي – يشكل نموذجاً حضارياً للتكامل بين الجنسين في إدارة الشأن العام.

الآثار الاجتماعية للعلاقات غير الصحية

في المقابل، العلاقة غير الصحية بين الرجل والمرأة تُفضي إلى نتائج سلبية عميقة على مستوى الفرد والمجتمع. من أبرز هذه الآثار:

• العنف الأسري: يُعد من أخطر انعكاسات غياب العلاقة الصحية، حيث يتخذ العنف أشكالاً متعددة، من جسدي ونفسي واقتصادي، ويؤثر سلباً على استقرار الأسرة وتربية الأطفال.

• التهميش: العلاقة القائمة على السيطرة أو التقليل من شأن المرأة تؤدي إلى تهميشها وإقصائها عن دوائر التأثير والقرار، ما يُفقد المجتمع نصف طاقته الإنتاجية والفكرية.

• الاضطرابات النفسية: النساء اللواتي يعشن علاقات سامة أو مسيئة يُعانين في الغالب من القلق، الاكتئاب، وانخفاض تقدير الذات، ما يؤثر على جودة حياتهن ومشاركتهن المجتمعية.

الخصائص الأساسية للعلاقة الصحية التي تحقق مشاركة المرأة الكاملة

الشفافية في العلاقة

الشفافية تمثل عنصراً مركزياً في بناء الثقة بين الطرفين. فعندما يُبنى التواصل على الصراحة دون أسرار أو خداع، تُصبح العلاقة أكثر صلابة وقدرة على مواجهة التحديات. المرأة ضمن هذا السياق تكون أكثر شعوراً بالأمان، مما يُشجعها على المبادرة والتعبير عن آرائها بحرية.

توزيع الأدوار بصورة عادلة

ضمن العلاقة الصحية، تُوزع الأدوار والمسؤوليات الأسرية والمهنية على أساس الكفاءة والاتفاق المشترك، وليس على أساس القوالب النمطية. مشاركة الرجل في المهام المنزلية، ورعاية الأطفال، ودعم الطموح المهني للمرأة، يُسهم في خلق توازن حقيقي داخل الأسرة ويُعزز دور المرأة خارجها.

المرونة والتكيّف

القدرة على التكيف مع التحولات الحياتية، من ظروف اقتصادية أو تغيرات في نمط الحياة، تُعد من علامات نضج العلاقة. العلاقة المرنة تُوفر للمرأة مساحة لإعادة ترتيب أولوياتها دون شعور بالذنب أو الضغط، مما يُتيح لها فرصاً أكبر للمشاركة الفعالة.

العوامل المؤثرة في جودة العلاقة بين الرجل والمرأة

دور التربية والتعليم في ترسيخ العلاقات الصحية

التنشئة الاجتماعية تلعب دوراً محورياً في تشكيل طبيعة العلاقة المستقبلية بين الرجل والمرأة. غرس قيم الاحترام، المساواة، والتعاون في المراحل المبكرة من الحياة يُسهم في تأسيس جيل يؤمن بالشراكة الحقيقية. كما أن التعليم بمناهجه ومحتواه يجب أن يُعيد النظر في الصور النمطية للجنسين، ويُسهم في نشر ثقافة المساواة من خلال الكتب، الأنشطة، والمواقف التعليمية اليومية.

العلاقة الصحية والزواج المستدام

الزواج بوصفه أحد أشكال العلاقة بين الرجل والمرأة، يحتاج بدوره إلى أسس العلاقة الصحية لكي يكون مستداماً ومُنتجاً. في ظل الشراكة الحقيقية، يتحول الزواج من علاقة تبعية أو فرض أدوار، إلى علاقة ديناميكية يُشارك فيها الطرفان في صنع القرار، التخطيط للحياة، وتربية الأطفال. هذا النوع من الزواج لا ينعكس فقط على سعادة الفردين، بل يُنتج أسراً مستقرة ومجتمعات مزدهرة.

دور الرجل في دعم مشاركة المرأة الكاملة

في المجتمعات التي تسعى نحو العدالة الجندرية، لا يُمكن تحقيق المشاركة الكاملة للمرأة دون دور فاعل للرجل. ليس دور الرجل فقط في الامتناع عن التمييز أو العنف، بل في أن يكون شريكاً حقيقياً في تمكين المرأة، من خلال:

• احترام تطلعاتها الشخصية والمهنية

• تقاسم الأعباء اليومية معها دون اعتبار ذلك “مساعدة” بل “واجباً مشتركاً”

• الدفاع عن حقوقها في المحيط الأسري والاجتماعي

• تشجيعها على خوض مجالات القيادة والقرار

المرأة في علاقات صحية: نماذج النجاح

تشير دراسات اجتماعية ميدانية إلى أن النساء اللواتي يعشن علاقات صحية مع شركائهن يكنّ أكثر إنتاجية في العمل، وأقل تعرضاً للاضطرابات النفسية، وأكثر قدرة على الموازنة بين الأدوار المختلفة في حياتهن. نماذج المرأة الناجحة التي تتلقى دعماً من شركائها تُظهر كيف تُسهم العلاقة الإيجابية في بناء نساء قياديات في مجالات التعليم، الصحة، السياسة، وريادة الأعمال.

السياسات العامة ودورها في ترسيخ العلاقات الصحية

الدول التي تُدرك أهمية العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة في تحقيق التنمية، تتبنى سياسات عامة تدعم هذا التوجه. من هذه السياسات:

• سنّ قوانين تجرّم العنف الأسري بكل أشكاله

• دعم برامج التوعية المجتمعية حول العلاقات الصحية

• إدماج مفاهيم المساواة في المناهج التعليمية

• تمكين المرأة اقتصادياً وتشجيع مشاركتها في سوق العمل

الختام

العلاقة الصحية بين الرجل والمرأة ليست حالة مثالية بعيدة المنال، بل هي ضرورة إنسانية واجتماعية تُسهم في تحقيق التوازن، التماسك، والتقدم داخل المجتمعات. إنها علاقة ترتكز على الاحترام، الشراكة، والمساواة، وتُثمر تمكيناً حقيقياً للمرأة في مختلف ميادين الحياة. تحقيق المشاركة الكاملة للمرأة لا يكون عبر شعارات أو مبادرات فردية فقط، بل من خلال إعادة صياغة العلاقة بين الجنسين على أسس جديدة تضمن العدالة وتفتح الأفق أمام كل من الرجل والمرأة للقيام بدورهما الكامل في بناء المجتمع.

المراجع:

1. Heise, L. L. (1998). Violence against women: An integrated, ecological framework. Violence Against Women, 4(3), 262–290.

2. UN Women. (2022). Progress of the World’s Women 2022: Families in a Changing World.