العطف المُعدي: مفهومه وكيفية الاستفادة منه في ظل أزمة كورونا
في عالمنا المعاصر، يتجلى مفهوم العطف المُعدي كأحد السلوكيات الإنسانية التي تحمل في طياتها أبعادًا نفسية واجتماعية بالغة الأهمية. يعتبر العطف المُعدي ظاهرة تنطوي على تأثيرات متبادلة بين الأفراد في محيط اجتماعي واحد، حيث ينتقل شعور العطف والرحمة من شخص إلى آخر بشكل غير مباشر، مشابهًا لانتقال العدوى. هذه الظاهرة قد تبدو غريبة في البداية، لكنها تملك الكثير من الإمكانات التي يمكن استثمارها في سياقات متعددة، وخاصة في ظل الأزمات الكبرى مثل جائحة كورونا.
1. مفهوم العطف المُعدي
العطف المُعدي هو عبارة عن ظاهرة نفسية اجتماعية تشير إلى قدرة الأفراد على التفاعل بشكل عاطفي مع مشاعر الآخرين، بحيث ينتقل الإحساس بالعطف والرحمة من شخص إلى آخر. يمكن أن يكون العطف المُعدي في سياق التعامل مع الحزن، الفقدان، أو الألم، ولكن يمكن أن يشمل أيضًا مشاعر الفرح والتفاؤل.
فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، يُعتبر العطف مُعديًا عندما يبدأ فرد في إظهار مشاعر من الرعاية أو الحماية تجاه آخر، مما يؤدي إلى تأثر الشخص الآخر بتلك المشاعر وإظهار ردود فعل مماثلة. تتعدد الأدوات التي يتم عبرها هذا الانتقال من شخص لآخر، سواء عبر الأفعال أو الكلمات أو حتى النظرات.
2. أسس العطف المُعدي
يعتمد العطف المُعدي على مجموعة من الأسس النفسية والاجتماعية التي تساعد على تحفيز هذه الظاهرة:
أ. التعاطف الشخصي
التعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين والشعور بما يشعرون به. هذا الأمر يهيئ الأفراد للتفاعل بشكل إيجابي مع من حولهم عند مواجهتهم لمشاعر سلبية. على سبيل المثال، عندما يشعر شخص بالحزن بسبب فقدان شخص عزيز، فإن العطف المُعدي يعمل على أن يشعر الآخرون بالحزن ذاته ويبادلون مشاعر العزاء والتضامن.
ب. المرونة النفسية
من الممكن أن يؤدي العطف المُعدي إلى تعزيز المرونة النفسية في المواقف الصعبة. هذا لأن الأفراد الذين يتلقون مشاعر العطف يعززون من قدرتهم على الصمود في مواجهة الأزمات. في المقابل، يمكن أن يساعد العطف على تعزيز إحساس الفرد بالانتماء المجتمعي والتماسك الاجتماعي.
ج. التفاعلات الاجتماعية
تحدث التفاعلات الاجتماعية عندما يتعرض الأفراد إلى مواقف مشتركة تتطلب استجابة جماعية. في مثل هذه الحالات، يمكن أن يؤدي العطف المُعدي إلى تعزيز روح التعاون، مما يساعد على تيسير التكيف مع الظروف المحيطة. هذا التفاعل الجماعي يمكن أن يكون محفزًا لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها الأفراد في المجتمع.
3. كيف يمكن أن نستفيد من العطف المُعدي في ظل أزمة كورونا؟
أزمة كورونا تعتبر واحدة من الأزمات التي أثرت بشكل عميق في جميع جوانب الحياة الإنسانية: الصحة، الاقتصاد، والاجتماعية. خلال هذه الأزمة، كانت هناك زيادة كبيرة في مشاعر القلق والتوتر بين أفراد المجتمع، مما يستدعي اهتمامًا خاصًا بالعواطف والاحتياجات النفسية.
أ. تعزيز الدعم الاجتماعي
أثبتت دراسات عديدة أن الدعم الاجتماعي يلعب دورًا رئيسيًا في تقليل مستويات القلق والتوتر لدى الأفراد. في ظل جائحة كورونا، كان من الصعب على العديد من الأشخاص التواصل بشكل مباشر بسبب القيود المفروضة على الحركة والتجمعات. ومع ذلك، ساعد العطف المُعدي في خلق أجواء من الدعم المتبادل عبر وسائل التواصل الرقمية. عندما تبادل الأفراد مشاعر العطف والاهتمام عبر المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، ساهم ذلك في تخفيف معاناتهم النفسية في وقت كانت فيه الوحدة والانعزال أكثر وضوحًا.
ب. دعم الرعاية الصحية والعاملين في الخطوط الأمامية
من الأمثلة البارزة على العطف المُعدي في ظل أزمة كورونا كان الدعم العاطفي الموجه إلى العاملين في القطاع الصحي. الأطباء والممرضون وغيرهم من العاملين في المستشفيات كانوا في واجهة المعركة ضد الفيروس، وكانوا يعانون من ضغط نفسي هائل نتيجة لصعوبة العمل وكثرة الحالات. العطف المُعدي من قبل الناس في المجتمع، سواء عبر رسائل الشكر أو تقديم الدعم المعنوي، ساعد هؤلاء العاملين على مواجهة التحديات اليومية التي تعرضوا لها. حتى في أشد اللحظات صعوبة، يمكن للمشاعر الإيجابية المبعوثة من الآخرين أن تساهم في رفع الروح المعنوية، مما يعزز قدرتهم على التحمل.
ج. تحفيز المشاركة المجتمعية
لقد شهدت جائحة كورونا ظهور العديد من المبادرات المجتمعية التي اعتمدت على العطف المُعدي. الأشخاص الذين شعروا بمعاناة الآخرين اتخذوا خطوات ملموسة لدعمهم. على سبيل المثال، تم تنظيم حملات تبرع بالمال والطعام للمحتاجين، وهو نوع من العطف الذي انتقل من شخص لآخر في ظل الأوضاع الصعبة. هذه المبادرات لم تقتصر على المساعدات المادية، بل امتدت إلى الدعم العاطفي الذي تقدمه المجتمعات لبعضها البعض في مواجهة الأزمة.
د. التعاطف مع الصحة النفسية
أزمة كورونا كانت لها آثار مدمرة على الصحة النفسية للكثيرين. القلق من الإصابة بالفيروس، العزلة الاجتماعية، وفقدان الأحبة، كلها عوامل أثرت في الحالة النفسية لكثير من الأشخاص. العطف المُعدي هنا كان له دور بارز في دعم الأفراد نفسيًا، حيث ساهمت المجموعات التي تشارك مشاعر العطف والدعم في تقديم مساحات آمنة للتعبير عن المشاعر والتعامل مع التوتر والقلق.
مثال آخر هو المبادرات التي أطلقتها بعض المنظمات لتقديم الدعم النفسي عبر الإنترنت، وهو نوع آخر من العطف المُعدي الذي سمح للمتضررين من الأزمة بالحصول على الدعم والتوجيه النفسي عن بُعد.
هـ. التأثير على التفكير الجماعي
لقد ساعد العطف المُعدي على تغيير طريقة تفكير المجتمعات في التعامل مع الأزمات. عندما يُظهر الأفراد الدعم والعطف تجاه بعضهم البعض، يؤدي ذلك إلى إنشاء نوع من “الوعي الجماعي” الذي يشجع على التعاون المشترك. هذا الوعي الجماعي كان له دور كبير في نشر الوعي حول الإجراءات الوقائية من الفيروس، مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات. من خلال هذه التفاعلات العاطفية، تحفز المجتمعات على الالتزام بالقواعد والتوجيهات الصحية من أجل حماية الجميع.
4. التحديات التي قد يواجهها العطف المُعدي في ظل الأزمة
رغم أن العطف المُعدي يعد أداة فعالة، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجهه في أوقات الأزمات:
أ. العجز عن تقديم الدعم الفعلي
في بعض الأحيان، قد يكون العطف المُعدي محدودًا بسبب العجز عن تقديم الدعم الفعلي. في ظل أزمة مثل كورونا، يمكن أن يشعر الأفراد بالعجز عن مساعدة الآخرين بطريقة ملموسة، مما قد يحد من فعالية العطف.
ب. التوتر الاجتماعي
العطف المُعدي قد يؤدي أحيانًا إلى تزايد التوتر الاجتماعي في بعض المواقف، خاصة إذا كان الأفراد يتفاعلون بشكل زائد مع مشاعر الآخرين مما يؤدي إلى تزايد القلق أو التوتر الجماعي.
5. الخاتمة
العطف المُعدي هو ظاهرة اجتماعية غنية ذات آثار نفسية عميقة، خاصة في أوقات الأزمات. خلال جائحة كورونا، كان لهذه الظاهرة دور كبير في مساعدة الأفراد على التكيف مع الظروف الصعبة. من خلال تعزيز مشاعر الدعم الاجتماعي والإنساني، ساهم العطف المُعدي في تقوية الروابط الاجتماعية وتشجيع المساعدة المتبادلة، مما ساعد المجتمعات على الصمود في وجه التحديات.
