العطف المُعدي: مفهومه وأثره في ظل أزمة كورونا
مقدمة
لقد مر العالم بتحديات غير مسبوقة خلال أزمة جائحة كورونا (COVID-19) التي اجتاحت معظم الدول في عام 2020. مع انتشار الفيروس وتأثيره العميق على جميع جوانب الحياة، كانت هناك العديد من الظواهر النفسية والاجتماعية التي برزت في هذا السياق، ومنها “العطف المُعدي”. يعد هذا المفهوم من المفاهيم النفسية التي تستحق الدراسة، حيث يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز التعاون الاجتماعي والتضامن في أوقات الأزمات. في هذا المقال، سيتم التطرق إلى مفهوم العطف المُعدي، كيف يؤثر فينا، وكيف يمكن الاستفادة منه بشكل خاص في ظل أزمة كورونا.
مفهوم العطف المُعدي
العطف المُعدي هو ظاهرة نفسية وسلوكية تشير إلى انتقال المشاعر الإيجابية أو السلبية من شخص إلى آخر بسبب التعاطف مع مشاعر الآخرين. بمعنى آخر، هو قدرة الإنسان على التأثر بمشاعر من حوله، سواء كانت مشاعر فرح أو حزن أو خوف أو أمل. يُعد العطف المُعدي جزءًا من قدرة البشر على التعاطف مع الآخرين، حيث يمكن أن يؤدي تصرف شخص ما بحالة عاطفية إلى تأثير مشابه لدى الآخرين في محيطه.
تظهر هذه الظاهرة في العديد من المواقف اليومية، مثل عندما يرى شخص آخر يضحك، فقد يشعر هو نفسه بالرغبة في الضحك، أو عندما يلاحظ شخص آخر يعاني من الحزن أو الألم، فإنه من المحتمل أن يشارك هذا الشخص في نفس المشاعر.
العطف المُعدي في سياق الجائحة
أثرت جائحة كورونا على حياة الملايين من الأشخاص حول العالم، مما جعل تأثير العطف المُعدي أكثر وضوحًا. في ظل هذه الأزمة الصحية العالمية، أظهرت العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية أن تأثير العطف يمكن أن يكون ذا أهمية خاصة في كيفية تعامل الأفراد والمجتمعات مع الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الجائحة.
التأثير النفسي في المجتمع
لقد جلبت أزمة كورونا معها حالة من الخوف وعدم اليقين، حيث أصبح الكثيرون في حالة قلق دائم بشأن صحتهم وصحة أحبائهم، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، أظهرت دراسات مختلفة أن العطف المُعدي قد لعب دورًا مهمًا في تخفيف هذا القلق.
مثال على ذلك، نجد أن العديد من الأشخاص الذين تضرروا مباشرة من الجائحة أو كانوا يعيشون في عزلة اجتماعية، بدأوا يشعرون بتعاطف أكبر مع الآخرين في نفس المواقف. وقد أدى ذلك إلى ظهور حالة من التضامن المجتمعي، حيث بدأ الناس في تقديم الدعم لبعضهم البعض من خلال أنشطة مختلفة، مثل التطوع، التبرع بالمال والموارد، أو حتى إرسال رسائل تشجيعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
العطف المُعدي في الفرق الطبية
أظهرت فرق الأطباء والممرضين في مختلف أنحاء العالم مثالًا حيًا على العطف المُعدي في العمل. مع حجم العمل الضخم والتحديات النفسية التي واجهوها خلال الجائحة، كان هناك شعور جماعي بالتضامن والعطف بين أعضاء الفرق الطبية. فعندما كان أحدهم يشعر بالإرهاق أو الضغط، كان الآخرون يقدمون الدعم النفسي والعملي، مما خلق بيئة عمل قائمة على العطف المتبادل. هذه البيئة أسهمت بشكل كبير في تحسين الروح المعنوية للفريق الطبي، وبالتالي في تحسين قدراتهم على التعامل مع الحالات الحرجة.
كيف يمكن الاستفادة من العطف المُعدي في ظل أزمة كورونا؟
1. تعزيز التعاون والتضامن
العطف المُعدي يعد أداة فعالة لتعزيز التعاون في الأوقات الصعبة. ففي ظل الجائحة، كان هناك حاجة ملحة لزيادة روح التعاون بين الأفراد، سواء في المجتمعات المحلية أو في بيئات العمل. من خلال تعاطف الأفراد مع معاناة الآخرين، أصبح من السهل تشكيل مجموعات عمل وأعمال خيرية تهدف إلى تقديم الدعم للمتضررين. التعاون بين الجيران، أفراد الأسرة، أو حتى الزملاء في العمل كان له تأثير إيجابي في تخفيف وطأة الأزمة.
2. تقوية القدرة على التكيف النفسي
عندما يشعر الإنسان بأن الآخرين يشعرون معه ويقدمون له الدعم العاطفي، فإنه يصبح أكثر قدرة على التكيف مع التحديات النفسية التي يمر بها. خلال فترة الجائحة، كان العديد من الأشخاص يواجهون مشاكل نفسية مثل القلق، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية. العطف المُعدي هنا يمكن أن يساعد في تقليل هذه المشاعر السلبية من خلال تعزيز الشعور بالانتماء إلى مجموعة تشترك في نفس المعاناة وتقدم الدعم المتبادل.
3. تعزيز التعاطف بين الأفراد
في زمن الأزمات، يعد التعاطف أحد العناصر الأساسية لتجاوز المحن. العطف المُعدي يمكن أن يساهم في تعزيز هذا التعاطف بين الأفراد. على سبيل المثال، عندما يرى شخص ما غيره يعاني من العزلة أو صعوبة التكيف مع التغيرات التي أحدثتها الجائحة، فإن استجابته لهذه المشاعر بمزيد من التعاطف والدعم يمكن أن ينتقل هذا الشعور إلى الآخرين، ما يعزز من شبكة الدعم الاجتماعي في المجتمع.
4. تحسين صحة المجتمع العامة
إن المشاعر الإيجابية الناتجة عن العطف المُعدي لها تأثير مباشر على صحة الأفراد والمجتمعات بشكل عام. في وقت كانت تزداد فيه حالات المرض والقلق نتيجة للوباء، كان من الممكن أن يؤدي انتشار مشاعر الدعم والتشجيع إلى تقليل الضغوط النفسية التي يعاني منها كثير من الناس. في بعض الدراسات، تبين أن الأشخاص الذين يتمتعون بشبكة دعم قوية وعاطفية أكثر قدرة على التعامل مع التوتر والضغوط، ما يعزز من صحتهم العامة.
5. دعم الابتكار والمرونة المجتمعية
بفضل العطف المُعدي، تمكّن العديد من الأفراد والمؤسسات من إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع الأزمات. ففي ظل الجائحة، نشطت حركة الابتكار الاجتماعي، حيث بدأ الأفراد في إيجاد طرق جديدة للبقاء على اتصال ودعم بعضهم البعض رغم العزلة الجسدية. كما أظهر العديد من الأطباء والعلماء تفانيهم في العمل لاكتشاف اللقاحات والعلاجات، وهو ما يعكس كيفية تأثير مشاعر التعاطف والمشاركة في تحقيق أهداف كبيرة في أوقات الأزمات.
العطف المُعدي والتكنولوجيا
في عصرنا الحالي، تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تسهيل وتوسيع دائرة العطف المُعدي. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والأنظمة الرقمية، أصبح من الممكن مشاركة مشاعر التعاطف بشكل أسرع وأوسع. في فترة الجائحة، تم استخدام هذه الأدوات لتبادل الدعم والمساعدة بين الأفراد والمجتمعات. على سبيل المثال، ظهرت حملات تضامن عبر الإنترنت، مثل التبرعات لمساعدة المرضى والعمالة المتضررة، أو مشاركة الرسائل الإيجابية التي تهدف إلى رفع معنويات الناس.
الخاتمة
في النهاية، يمكننا القول أن العطف المُعدي ليس مجرد ظاهرة نفسية فطرية، بل أداة مهمة يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تحسين استجاباتنا الاجتماعية والنفسية في الأوقات الصعبة. خلال أزمة كورونا، أظهر العطف المُعدي قوته في تجسيد التضامن الاجتماعي والتخفيف من آثار الجائحة على الأفراد والمجتمعات. من خلال تعزيز هذه الظاهرة، يمكن للمجتمعات أن تصبح أكثر مرونة وأكثر قدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية.
