حكم صيد الحمام في الإسلام

حكم صيد الحمام في الشريعة الإسلامية

يُعدّ الصيد من المسائل الفقهية التي تناولها العلماء باستفاضة، سواء كان متعلقاً بالبر أو البحر، وضمن هذا الإطار يندرج صيد الحمام، وهو من الطيور المعروفة والمألوفة في حياة الإنسان منذ القِدم، وقد أُثِر عن العرب في الجاهلية والإسلام أنهم كانوا يصيدونه ويأكلونه، مما استدعى تحديد الأحكام التفصيلية لهذا الفعل من منظور الشريعة الإسلامية. وفي هذا المقال المطول، سيتم استعراض الأحكام الفقهية المتعلقة بصيد الحمام في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مع الإشارة إلى آراء العلماء من المذاهب الأربعة، والضوابط الأخلاقية والشرعية لصيد هذا الطائر.

أولاً: تعريف الحمام ومكانته في الإسلام

الحمام طائر معروف لدى العرب منذ القدم، وهو من فصيلة الطيور التي تعيش غالباً في المناطق الحضرية والريفية، ويتغذى على الحبوب والبذور، وله قدرة عالية على التكيف والعيش بجوار الإنسان. وقد ذُكر الحمام في عدد من كتب التراث الإسلامي، كما ارتبط ببعض الوقائع التاريخية، مثل حادثة الغار في الهجرة النبوية حينما حطّ الحمام على فم الغار، وهي من الوقائع الشهيرة التي تعززت بها بعض المفاهيم الرمزية عن الحمام كرمز للسلم والأمان.

من الناحية الشرعية، لم يُذكر الحمام باسمه في القرآن الكريم، إلا أن هناك إشارات عامة إلى الطيور وأحكامها، كما في قوله تعالى:

“أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا” [المائدة: 96].

وهذا النص يُعتبر أساساً في تقسيم أحكام الصيد حسب حالة المسلم (محرم أو غير محرم)، ومكان الصيد (بر أو بحر).

ثانياً: الصيد في الإسلام كأصل عام

الصيد من الأمور المباحة في الأصل، وقد دلّ على ذلك قول الله عز وجل في سورة المائدة:

“يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ” [المائدة: 4].

وقد جاءت السنة النبوية الشريفة لتفصل أحكام الصيد، فورد في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

“إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك” [رواه البخاري ومسلم].

هذا الإذن في الصيد يشمل مختلف أنواع الحيوانات والطيور ما دام الصائد قد توفرت فيه الشروط الشرعية، ولم يقع في محظور، كالصيد في الحرم أو حال الإحرام أو باستخدام وسائل محرمة.

ثالثاً: حكم صيد الحمام خارج الحرم والإحرام

اتفق جمهور العلماء على أن صيد الحمام مباحٌ شرعاً إذا لم يقع في حرمٍ أو لم يكن الصائد محرماً بالحج أو العمرة. هذا هو الأصل في إباحة صيد الحمام، لأنه طائر غير مفترس، وغير محرم النوع، ولا يدخل ضمن المحرمات المنصوص عليها في القرآن أو السنة.

ويدخل الحمام ضمن الطيور التي يجوز أكلها، ما دام لم يتغذَّ على النجاسات أو يكن مما يُعرف بأكل الجيف. وقد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأكلون من صيد الطيور، ولم يُنقل عنهم نهي عن صيد الحمام.

الضوابط الشرعية التي يجب مراعاتها في هذا النوع من الصيد:

• أن يكون الصائد بالغاً عاقلاً.

• أن يذكر اسم الله عند إطلاق آلة الصيد.

• أن تكون آلة الصيد شرعية (سلاح، قوس، كلب معلّم، إلخ).

• أن يموت الطائر بسبب آلة الصيد، لا لأسباب أخرى مجهولة.

رابعاً: حكم صيد الحمام في الحرم أو حال الإحرام

يُعتبر الحرم المكي والمدينة المنورة أماكن لها حرمتها الخاصة، وقد جاءت نصوص واضحة في تحريم الصيد فيهما. كما أن المسلم المحرم، سواء بالحج أو العمرة، يحرم عليه الصيد، ويُعتبر ذلك من محظورات الإحرام.

قال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ” [المائدة: 95].

وفي حديث النبي ﷺ:

“إن الله حرّم مكة فلم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي، وإنما أُحلّت لي ساعة من نهار” [رواه البخاري ومسلم].

ويشمل هذا التحريم جميع الطيور بما فيها الحمام، ويُضاف إليه أن الحمام في مكة والمدينة له خصوصية، فكثير من العلماء يرون أن صيده في الحرم محرم تحريماً قطعياً، ويجب فيه الفدية إن حصل.

جدول توضيحي لحكم صيد الحمام حسب المكان والحالة:

خامساً: صيد الحمام لأغراض التسلية أو اللهو

مسألة صيد الحمام لأجل الترفيه أو الرياضة فقط (وليس لأجل الأكل أو الحاجة) محل خلاف بين العلماء، إلا أن جمهور الفقهاء أجازوا ذلك بشرطين أساسيين:

1. ألا يكون في ذلك تعذيب للحيوان أو إزهاق لروحه بدون غرض شرعي.

2. أن يُقصد بالصيد إما الأكل أو التدريب أو التعليم، لا مجرد اللهو القاسي.

وقد ورد عن النبي ﷺ أنه نهى عن اتخاذ الطير غرضاً، كما في الحديث:

“من قتل عصفوراً عبثاً عجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة” [رواه النسائي].

وبالتالي فإن التسلية المحضة إن اقترنت بإزهاق روح الحمام بلا نية الأكل أو المنفعة فهي داخلة في النهي الشرعي.

سادساً: صيد الحمام المملوك

من الأمور المهمة التي يجب التفريق بينها في فقه الصيد، صيد الحمام البري الطليق، وصيد الحمام الذي يملكه أحد الناس، سواء في بيته أو مزرعته. فإذا كان الحمام مملوكاً لأحد فلا يجوز صيده مطلقاً دون إذنه، ويعدّ ذلك تعدياً وظلماً.

وقد نصّ الفقهاء على أن من صاد حماماً مملوكاً، فعليه ضمان ما أتلف، ولا يجوز له أكله، ويُعدّ آثماً. كما أن الاعتداء على أملاك الغير محرم في جميع صوره، وهو من الكبائر إن ترتب عليه أخذ مال بغير حق.

سابعاً: رأي المذاهب الأربعة

الحنفية: يرون أن الصيد جائز في غير الحرم ولغير المحرم، ويحرّم في الحرم على الجميع، وفي الإحرام على المحرم فقط.

المالكية: يوافقون الحنفية، مع تشديد أكبر على تحريم التسلية بالصيد من غير غرض مشروع.

الشافعية: يفرّقون في الصيد بين الحل والحرم، ويشددون في مسألة تعذيب الطيور، ويحرّمون اللهو المؤدي إلى القتل المجاني.

الحنابلة: يبيحون الصيد بالشروط المعروفة، ويحرّمونه على المحرم وفي الحرم، ويشترطون الذكاة أو آلة الصيد المباحة.

ثامناً: فدية صيد الحمام في الحرم

إذا صاد مسلم حماماً في الحرم أو حال الإحرام، فإنه تجب عليه فدية، وقد نصّت الآية القرآنية على ذلك بوضوح:

“وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ” [المائدة: 95].

وقد بيّن العلماء أن فدية الحمامة في الحرم تكون بذبح شاة أو تقويمها نقداً وإخراج ما يعادلها طعاماً أو صياماً بحسب القدرة.

تاسعاً: الأبعاد البيئية والأخلاقية لصيد الحمام

في العصر الحديث، أصبحت هناك دعوات واسعة لحماية الطيور البرية، ومنها الحمام، من الصيد الجائر والانقراض، إذ إن التوازن البيئي يتطلب الحفاظ على الأنواع الحيوية. وقد دعت الشريعة الإسلامية منذ قرون إلى الرحمة بالحيوان، وعدم قتله إلا لحاجة، كما في حديث النبي ﷺ:

“في كل كبد رطبة أجر” [رواه البخاري].

ويُعدّ ذلك دعوة واضحة إلى الرفق بالحيوانات، ومنها الحمام، وعدم صيدها إلا للغذاء أو الضرورة، لا للهو أو العبث.

المصادر والمراجع:

1. ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دار الفكر.

2. الإمام النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.