الطفل الأوسط: التحديات والحلول

الطفل الأوسط.. دائماً مظلوم!

يُعتبر الطفل الأوسط في الأسرة من الفئات التي كثيرًا ما يتم الحديث عنها في سياق مشاعر التهميش، والتشويش العاطفي، والضغط الاجتماعي. في حين يتم تسليط الضوء عادةً على الطفل الأكبر باعتباره قائد الأسرة أو قدوة لأشقائه، وكذلك على الطفل الأصغر باعتباره “الطفل المدلل” والمُفضل، يظل الطفل الأوسط غالبًا في موقع غير واضح، حيث يشعر بالإهمال وعدم القدرة على الحصول على الاهتمام الكافي. إذًا، ما الذي يجعل الطفل الأوسط “مظلومًا” في هذه الأطر العائلية؟ وما هي تأثيرات هذه الوضعية على شخصيته في مراحل نموه المختلفة؟

الطفل الأوسط: بين التهميش والضغوط

الطفل الأوسط غالبًا ما يُنظر إليه على أنه “الوسيط” بين أخويه الأكبر والأصغر. يظل هذا الطفل في موقع لا يسمح له غالبًا بالحصول على الاهتمام الذي يتمتع به الأول أو الأخير. مع احتلال الطفل الأكبر للدور القيادي والطفل الأصغر للدور المدلل، يشعر الطفل الأوسط بأنه في “الظل”، غير قادر على التميز أو الحصول على مكانته الخاصة في الأسرة.

واحدة من أبرز المشكلات التي قد يعاني منها الطفل الأوسط هي الاعتقاد الداخلي بأنَّه ليس مميزًا بما فيه الكفاية. ففي حين يُحتفل بإنجازات الطفل الأكبر ويُعتنى بالطفل الأصغر، قد يشعر الطفل الأوسط وكأنَّه عابر سبيل بين هذه الاهتمامات المتناقضة. كما أنَّ الأسلوب الأبوي المتبع مع الطفل الأكبر عادةً ما يكون صارمًا وحازمًا، بينما قد يتم تساهل الأبوان مع الطفل الأصغر، الأمر الذي يؤدي إلى شعور الطفل الأوسط بالتفاوت في المعاملة والظلم العاطفي.

تأثيرات ذلك على شخصية الطفل الأوسط

1. الشعور بالإهمال:

من أبرز تأثيرات تهميش الطفل الأوسط هو شعوره بالإهمال مقارنةً بإخوته. في مرحلة الطفولة، يحتاج الأطفال إلى الاهتمام والاعتراف بإنجازاتهم الخاصة، لكن مع التركيز على الطفل الأكبر أو الأصغر، قد يجد الطفل الأوسط نفسه غير مرئي. هذا الإهمال، رغم أنه غير مقصود في الغالب، قد يتسبب في مشاعر عدم الأهمية أو حتى الاستياء.

2. القدرة على التكيف:

على الرغم من المعاناة العاطفية التي قد يشعر بها، فإن الطفل الأوسط يتعلم عادةً كيف يتكيف مع هذه الظروف. فهو يتعلم كيف يكون مستقلًا ولا يعتمد بشكل كامل على التوجيهات الوالدية. يتعلم كيفية إيجاد مكانه بين أفراد الأسرة وقد يظهر ذلك في مهارات التفاوض والإقناع. هذا يمكن أن يؤدي إلى تشكيل شخصية مرنة قادرة على التعامل مع التحديات في الحياة المستقبلية.

3. تطوير مهارات القيادة:

نظرًا لأن الطفل الأوسط يفتقر إلى بعض الاهتمام الذي يحصل عليه الأخ الأكبر، فقد يسعى إلى إثبات نفسه بطريقة غير تقليدية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تنمية مهارات القيادة في سياقات معينة. فبغض النظر عن شعوره بالتهميش، قد يظهر الطفل الأوسط قدرات قوية في التعامل مع الآخرين وإيجاد حلول مبتكرة للمشاكل، وقد يكون ذلك سمة تُميز شخصيته في المستقبل.

4. زيادة الرغبة في التميز:

الأطفال الأوسطون قد يسعون جاهدين لتحقيق التميز في مجالات أخرى مثل الرياضة أو الفن أو الأكاديميا كوسيلة للحصول على الاعتراف. هذا السعي وراء التميز يمكن أن يكون محفزًا قويًا يدفعهم لتحقيق النجاح، ولكن في الوقت ذاته قد يعرضهم لضغوط نفسية شديدة.

كيف يمكن أن نساعد الطفل الأوسط؟

1. توفير الدعم العاطفي:

من المهم أن يدرك الآباء دور الطفل الأوسط في الأسرة وأن يقدموا له الدعم العاطفي المستمر. هذا يمكن أن يكون من خلال تخصيص وقت خاص له، حتى لو كان ذلك يعني تقليص الوقت المخصص للأخ الأكبر أو الأصغر. إن تخصيص وقت للاستماع إلى مشاعره ومخاوفه يساعده على الشعور بالقبول والاحترام.

2. تشجيع على إيجاد هويته الخاصة:

من خلال تشجيعه على اكتشاف اهتماماته الخاصة، يمكن للطفل الأوسط أن يطور هويته الفريدة بعيدًا عن مقارنة نفسه بإخوته. قد يكون هذا الاهتمام بممارسة رياضة معينة، أو تعلم مهارة جديدة، أو حتى المشاركة في نشاطات اجتماعية. هذا يعزز من ثقته بنفسه ويمنحه إحساسًا بالتفرد.

3. تعزيز التواصل الإيجابي بين الإخوة:

تشجيع التواصل الجيد بين الأطفال يساعد على بناء علاقات أسرية صحية. من خلال تعزيز التعاون بدلاً من التنافس، يمكن أن يشعر الطفل الأوسط بأنه جزء لا يتجزأ من العائلة. على الآباء توجيه أطفالهم إلى كيفية احترام كل فرد لاحتياجات الآخر، مما يقلل من مشاعر الغيرة أو التهميش.

4. تعزيز تقدير الذات:

من خلال الكلمات الإيجابية والتقدير المتواصل، يمكن للآباء أن يرفعوا من معنويات الطفل الأوسط. يمكن أن تكون هذه التوجيهات إيجابية عندما يحقق الطفل الأوسط إنجازات جديدة أو حتى يتعامل مع تحديات معينة. تعزيز تقدير الذات عند الطفل يعزز من قدراته على التأقلم والنمو الشخصي.

ختامًا:

إن الأطفال الأوسطين لا يجب أن يُنظر إليهم كضحايا للظروف العائلية. على الرغم من التحديات التي قد يواجهونها، إلا أن لديهم القدرة على بناء شخصيات قوية وقادرة على التأثير. كل طفل هو فريد من نوعه، بغض النظر عن مكانته في ترتيب الأسرة. من خلال الفهم العميق لاحتياجات الطفل الأوسط وتقديم الدعم المناسب له، يمكننا أن نساعده على تجاوز شعور التهميش، ليمضي قدمًا في بناء حياة ناجحة ومؤثرة.