دور المواطن في المحافظة على الأمن

تُعَدُّ المحافظة على الأمن من الأولويات الجوهرية التي تضمن استقرار المجتمعات واستدامة تطورها. فالأمن ليس مجرد مسؤولية تقع على عاتق الأجهزة الأمنية فقط، بل هو منظومة متكاملة تتطلب تضافر جميع فئات المجتمع، وعلى رأسهم المواطن الذي يُعدّ ركيزة أساسية في تحقيق الأمن المجتمعي الشامل. فحين يدرك الفرد دوره في تعزيز الأمن، ويتحول من متلقٍ سلبي إلى شريك فعّال، يصبح الأمن ثقافة وسلوكاً يومياً لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالتوعية والتكامل والتعاون.

إن مفهوم الأمن لا يقتصر على البُعد الأمني التقليدي المتعلق بمكافحة الجريمة وحماية الأرواح والممتلكات، بل يتعداه إلى مجالات أوسع تشمل الأمن الفكري، الاجتماعي، الاقتصادي، الصحي، والبيئي. وفي كل هذه الأبعاد يظهر دور المواطن كفاعل مركزي ومؤثر مباشر في مستوى الأمن الذي تنعم به المجتمعات.

الأمن مسؤولية مجتمعية

لطالما كانت المقولة الشهيرة “الأمن مسؤولية الجميع” مبدأً راسخاً في السياسات الأمنية المعاصرة. فالمواطن لا يمكن فصله عن منظومة الأمن بأي حال من الأحوال، إذ يُعدّ أحد أبرز مكوناتها، سواء من خلال التزامه بالقوانين، أو مساهمته في الإبلاغ عن التجاوزات، أو من خلال سلوكياته اليومية التي قد تعزز الأمن أو تهدده.

إن تفعيل هذا الدور يبدأ بتعزيز الوعي لدى المواطنين، وتربيتهم على الشعور بالمسؤولية تجاه أمن محيطهم، وهو ما يتحقق عبر المؤسسات التعليمية، والمنابر الإعلامية، وخطابات التوجيه المجتمعي، إذ كلما زادت درجة الوعي لدى المواطن، زادت قدرته على التفاعل الإيجابي مع المتغيرات الأمنية، واتخذ من الحيطة والحذر سلوكاً دائماً، دون أن يتحول إلى حالة من التوجس أو الهلع.

المواطن كعنصر رقابي في مجتمعه

من أبرز أدوار المواطن في الحفاظ على الأمن قيامه بدور “الرقابة المجتمعية”، وهي رقابة أخلاقية تطوعية لا تتطلب سلطة قانونية، وإنما تنطلق من شعور الفرد بالمسؤولية تجاه المجتمع. إذ يستطيع المواطن، من خلال ملاحظته للأحداث والأنشطة غير الطبيعية أو السلوكيات المشبوهة، أن يقدم معلومات حيوية للجهات الأمنية تسهم في منع جرائم قبل وقوعها أو كشف خيوط جرائم حدثت بالفعل.

كما أن المواطنين، في أحيائهم ومناطقهم السكنية، هم الأقدر على ملاحظة التغيرات المفاجئة أو الوجوه غير المألوفة، ما يجعلهم شركاء فعليين في حفظ الأمن. هذه الرقابة المجتمعية لا تعني التجسس أو التطفل، بل تعتمد على وعي اجتماعي عالٍ وإحساس وطني بالمسؤولية.

نشر القيم الأخلاقية والتماسك الاجتماعي

القيم الأخلاقية والمبادئ الدينية والثقافية تمثل خط الدفاع الأول في الوقاية من الانحرافات السلوكية التي قد تؤدي إلى الجريمة. عندما يتحلّى المواطن بالسلوك القويم، ويقوم بدور القدوة في مجتمعه الصغير – سواء في بيته، أو مكان عمله، أو في الفضاء الرقمي – فإنه يسهم في ترسيخ ثقافة الأمن والاستقرار.

إن التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع يقلل من فرص التوتر والنزاعات، ويعزز من فرص التكافل والدعم النفسي والاجتماعي، ما يقلل من احتمالات الجريمة. وكلما زادت روابط الثقة بين المواطنين، وكان هناك شعور بالانتماء والتضامن، كلما تقلصت المساحات التي يمكن أن تستغلها العناصر الإجرامية أو الفكرية المتطرفة.

التعاون مع الجهات الأمنية

من أدوار المواطن الجوهرية أيضاً التعاون المباشر مع الأجهزة الأمنية، سواء عبر تقديم البلاغات، أو الاستجابة لتعليمات الأمن، أو المشاركة في برامج التوعية والورش المخصصة لتعزيز الأمن المجتمعي. وقد أظهرت تجارب عديدة أن إشراك المواطنين في الخطط الأمنية – ولو بشكل رمزي – ينعكس بشكل إيجابي على شعورهم بالانتماء والثقة في مؤسسات الدولة.

كما يُعدُّ التعاون مع الجهات الأمنية في حالات الطوارئ أو الكوارث الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من منظومة الأمن الشامل. فوعي المواطن بكيفية التصرف في هذه الظروف يسهم في تقليل الخسائر البشرية والمادية، ويعزز من فاعلية الاستجابة الحكومية.

دور المواطن في الأمن الرقمي

في عصر تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، أصبح الأمن السيبراني جزءاً من الأمن الوطني. وهنا تتسع رقعة دور المواطن لتشمل التزامه باستخدام الإنترنت بشكل مسؤول، وتجنبه تداول الإشاعات أو الأخبار الكاذبة، وتوعيته بخطورة التجسس الرقمي، والقرصنة، وسرقة البيانات.

كما أن سلوكيات الفرد في الفضاء الإلكتروني – من حيث الالتزام بالأخلاقيات الرقمية، واحترام الخصوصية، وعدم الانخراط في المحتويات المتطرفة – تساهم في تعزيز مناعة المجتمع ضد الهجمات الرقمية والاختراقات الفكرية، التي قد تُوظّف في خدمة أجندات خارجية معادية.

دور المواطن في الأمن البيئي والصحي

الأمن البيئي والصحي من المفاهيم الحديثة التي باتت تحتل حيزاً مهماً في السياسات الوطنية، خصوصاً في أعقاب الجوائح والكوارث الطبيعية وتغيّر المناخ. فالمواطن هنا لا يكون مجرد متلقي للتعليمات الوقائية، بل مشاركاً فاعلاً في تنفيذها، من خلال اتباع السلوكيات الصحية، والتعامل السليم مع النفايات، والحفاظ على الموارد الطبيعية.

وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن أهمية التزام المواطنين بالتدابير الصحية، ودورهم المحوري في تقليل انتشار الفيروس. كذلك في الأمن البيئي، يظهر دور المواطن من خلال المشاركة في حملات النظافة، وزراعة الأشجار، وترشيد الاستهلاك، وهي كلها ممارسات تساهم في استقرار المنظومة البيئية التي تؤثر مباشرة على الصحة العامة والأمن الغذائي.

التربية الأمنية داخل الأسرة

تُعدُّ الأسرة الوحدة الاجتماعية الأولى التي يُغرس فيها السلوك الأمني. فالمواطن الذي يُربّي أبناءه على احترام القانون، والالتزام بالأنظمة، وتقدير رجال الأمن، والمشاركة الإيجابية في المجتمع، يُنشئ جيلاً مدركاً لمسؤولياته وقادراً على مواجهة التحديات الأمنية باحترافية ووعي.

ولا يمكن إغفال دور الأم، التي تمثل المدرسة الأولى للطفل، في غرس القيم الإيجابية وتعزيز السلوكيات الحميدة التي تُجنب الأبناء الوقوع في الانحرافات السلوكية والفكرية، ومن ثم تحصينهم ضد الاستقطاب أو الانزلاق نحو التطرف.

أثر الأمن في التنمية والاستقرار الوطني

العلاقة بين الأمن والتنمية علاقة طردية، إذ لا يمكن أن تزدهر التنمية في بيئة تسودها الفوضى والاضطراب، كما لا يمكن للأمن أن يتحقق في ظل الفقر والبطالة والتهميش. لذلك فإن مساهمة المواطن في تعزيز الأمن تنعكس بشكل مباشر على جودة حياته، وعلى قدرة الدولة على تنفيذ خططها التنموية بكفاءة وفاعلية.

المواطن الآمن يساهم في بناء بيئة مستقرة تشجع على الاستثمار، وتدفع عجلة الاقتصاد، وتخلق فرص العمل، وتقلل من معدلات الجريمة، مما ينعكس على الاستقرار العام للمجتمع والدولة. ولهذا فإن الأمن ليس ترفاً، بل هو أساس لكل نهضة.

أمثلة من الواقع: مشاركة المواطن في حفظ الأمن

في العديد من الدول، تم تطبيق نماذج ناجحة لمشاركة المواطنين في حفظ الأمن، أبرزها “الشرطة المجتمعية” التي تعتمد على تكوين روابط بين رجال الأمن وسكان الأحياء. وقد أسهمت هذه النماذج في تقليل معدلات الجريمة بشكل كبير، لأنها تعتمد على تبادل الثقة والمعلومات.

كما أن تطبيقات الهواتف الذكية الحديثة، التي تسمح للمواطنين بالإبلاغ عن الحوادث أو السلوكيات المشبوهة بشكل سريع وسري، أثبتت فعاليتها في تحسين سرعة الاستجابة الأمنية، ورفع مستوى المشاركة المجتمعية في حفظ النظام.

جدول: أدوار المواطن في مختلف مجالات الأمن

خاتمة

إن دور المواطن في المحافظة على الأمن ليس خياراً، بل واجب وطني وإنساني لا يمكن التغاضي عنه. فبقدر ما تتطور أدوات الدولة ومؤسساتها في المجال الأمني، يبقى المواطن هو العامل الحاسم في إنجاح هذه الجهود أو إفشالها. وبهذا المفهوم الشامل، تتجسد معادلة الأمن المستدام، الذي لا يقوم على القمع أو الردع وحدهما، بل على بناء الثقة، وتعزيز المشاركة، وترسيخ الوعي المجتمعي.

المراجع

1. العيسى، فهد بن عبد الرحمن. (2019). الأمن المجتمعي ودور المواطن في تحقيقه. مركز أبحاث الأمن الوطني، الرياض.

2. العتيبي، خالد بن عبدالله. (2021). مفاهيم الأمن الشامل في ضوء التحديات المعاصرة. مجلة دراسات أمنية، العدد 7.