الصين: الدولة الأولى عالميًا في إنتاج الأغنام

تُعد تربية الأغنام من الأنشطة الزراعية الحيوية التي تلعب دورًا بارزًا في دعم الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني في العديد من الدول حول العالم. إلا أن دولة واحدة تتفوق على جميع منافسيها من حيث حجم إنتاج الأغنام وجودته وتنوعه، وهي جمهورية الصين الشعبية. تحتل الصين المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج الأغنام سواء من حيث عدد رؤوس الأغنام أو كمية اللحوم والصوف المنتجة. يعود هذا التميز إلى مزيج فريد من العوامل الجغرافية والديموغرافية والسياسات الزراعية المدروسة التي تبنتها الحكومة الصينية.

أهمية تربية الأغنام عالميًا

تربية الأغنام تلعب دورًا محوريًا في الأنظمة الزراعية المتكاملة، حيث تسهم في توفير اللحوم الحمراء، الحليب، الصوف، والجلود. وتعد الأغنام من الحيوانات القليلة التي يمكنها العيش في البيئات القاحلة والجبال والسهول والمراعي الشاسعة، ما يجعلها مثالية لتلبية احتياجات سكان مناطق متنوعة في العالم.

تساهم تربية الأغنام أيضًا في تشغيل ملايين الأشخاص في المناطق الريفية، كما تُعد مصدرًا أساسيًا للدخل والغذاء والمواد الخام. على الصعيد العالمي، بلغ عدد الأغنام أكثر من 1.2 مليار رأس، وتُقدر قيمة السوق العالمية للحوم الأغنام بمليارات الدولارات سنويًا، وهو ما يعكس أهمية هذا القطاع الزراعي الحيوي.

الصين وتصدر الإنتاج العالمي للأغنام

الترتيب العالمي للدول المنتجة للأغنام (2024)

المصدر: FAO – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة

أسباب تفوق الصين في إنتاج الأغنام

يرجع تفوق الصين في إنتاج الأغنام إلى عدة عوامل مركبة تميزها عن بقية دول العالم، نذكر منها ما يلي:

1. التنوع المناخي والجغرافي

تملك الصين تنوعًا طبيعيًا كبيرًا من حيث التضاريس والمناخ. تمتد أراضيها من المناطق الجبلية الباردة في التبت إلى السهول الواسعة في منغوليا الداخلية، وهو ما يوفر بيئات مناسبة لتربية سلالات متنوعة من الأغنام. كما أن المراعي الشاسعة في شمال الصين تعد من بين الأوسع عالميًا.

2. الطلب المحلي الكبير

يُعد الشعب الصيني من أكبر المستهلكين للحوم الأغنام، وخاصة في المناطق الشمالية والغربية حيث يفضل السكان لحم الغنم على بقية أنواع اللحوم. هذا الطلب الداخلي المرتفع يدفع الدولة إلى الاستثمار بشكل كبير في تحسين سلاسل الإنتاج والرفع من حجم الثروة الحيوانية.

3. السياسات الحكومية الداعمة

تبنت الحكومة الصينية برامج دعم وإعانات قوية لتشجيع تربية الأغنام، شملت دعم الأعلاف، تحسين البنية التحتية البيطرية، وتطوير نظم التربية الجماعية. كما أن الدولة تستثمر في أبحاث تحسين السلالات وتطوير نظم إنتاج أكثر كفاءة واستدامة.

4. تطور الصناعات المرتبطة بالأغنام

بالإضافة إلى اللحوم، تسهم الصين بقوة في إنتاج الصوف والجلود. وقد نمت الصناعات النسيجية المرتبطة بالصوف الصيني بسرعة ملحوظة، مما يعزز من قيمة الأغنام اقتصاديًا ويحفز المزارعين على تربية المزيد منها.

السلالات المحلية والتوزيع الجغرافي

تضم الصين أكثر من 40 سلالة محلية من الأغنام، تختلف من حيث الحجم، جودة اللحوم، نوع الصوف، والقدرة على التكيف مع البيئات المختلفة. من أبرز السلالات:

• أغنام هان الصيني (Han Sheep): تنتشر في شمال الصين وتتميز بإنتاجها العالي من اللحوم.

• أغنام الغنم الفتيان (Small-tailed Han sheep): تُعرف بسرعة النمو وكثرة التوالد، وتعتبر مثالية للإنتاج التجاري.

• أغنام التبت (Tibetan sheep): سلالة قوية تقاوم الظروف البيئية الصعبة، وتربى في الهضاب العالية.

• أغنام منغوليا الداخلية: تشتهر بإنتاج صوف عالي الجودة.

ويتركز إنتاج الأغنام في مناطق مثل منغوليا الداخلية، شينجيانغ، قانسو، وشنشي، وهي مناطق توفر مناخًا مناسبًا ومساحات رعوية واسعة.

الاقتصاد الوطني وتأثير إنتاج الأغنام

تُقدّر مساهمة تربية الأغنام في الاقتصاد الزراعي الصيني بمليارات الدولارات سنويًا. تُستخدم اللحوم محليًا إلى حد كبير، في حين يتم تصدير الجلود والصوف إلى الأسواق العالمية، خصوصًا في أوروبا وآسيا.

إضافة إلى العائدات المالية، توفّر تربية الأغنام وظائف مباشرة وغير مباشرة لملايين العمال الريفيين، ما يخفف من حدة الفقر في المناطق الداخلية التي تعاني من تدني مستويات التنمية.

التقنيات الحديثة في تربية الأغنام بالصين

اعتمدت الصين تقنيات متقدمة لتحسين إنتاجية الأغنام وجودة المنتجات المشتقة منها. من أبرز هذه التقنيات:

• الذكاء الاصطناعي: يُستخدم في تتبع صحة الأغنام وتحليل سلوكها والتنبؤ بالأمراض المحتملة.

• الهندسة الوراثية: تُستثمر لتحسين سلالات الأغنام وجعلها أكثر مقاومة للأمراض وأسرع نموًا.

• الزراعة الدقيقة (Precision Farming): تستخدم الأقمار الصناعية والحساسات لتحديد المراعي المثلى ورصد المؤشرات الحيوية للأغنام.

• التلقيح الاصطناعي: يُستخدم على نطاق واسع لتكثير السلالات عالية الإنتاج.

التحديات التي تواجهها الصين في قطاع الأغنام

رغم تفوقها في الإنتاج، تواجه الصين عددًا من التحديات في هذا القطاع، أهمها:

• تدهور المراعي الطبيعية: بسبب الرعي الجائر والتغير المناخي.

• ارتفاع أسعار الأعلاف: ما يؤثر على تكلفة الإنتاج النهائية.

• التلوث البيئي: الناتج عن التجمعات الكبيرة من الحيوانات، وهو ما يدفع الدولة إلى تبني نظم إنتاج صديقة للبيئة.

• المنافسة العالمية: خاصة من دول مثل أستراليا ونيوزيلندا التي تتمتع بقدرات تصديرية ضخمة.

السياسات المستقبلية لتعزيز قطاع الأغنام

تركز الصين في استراتيجيتها المستقبلية على تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية في تربية الأغنام، وذلك من خلال:

• تشجيع أنظمة الرعي المستدام.

• تطوير سلالات محلية أكثر إنتاجية.

• تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية لتبادل الخبرات.

• التحول إلى نظم إنتاج عضوية تلبي متطلبات الأسواق العالمية.

الصين في السياق العالمي لصادرات لحوم وصوف الأغنام

رغم أن الصين ليست أكبر مُصدّر للحوم الأغنام (أستراليا ونيوزيلندا تتفوقان في هذا المجال)، فإنها تلعب دورًا مهمًا في سوق الجلود والصوف. تنتج الصين كميات ضخمة من الصوف المستخدم في صناعة الملابس، خاصة من سلالة الأغنام ذات الذيل الصغير.

أما بالنسبة للحوم، فإن الصين تستورد أيضًا لحوم الأغنام لتغطية الطلب المتزايد في بعض المناطق الحضرية، مما يجعلها لاعبًا مزدوجًا في السوق: منتج رئيسي ومستهلك أساسي.

العلاقة بين الأغنام والثقافة الصينية

في الثقافة الصينية، تُعد الأغنام رمزًا للسلام والطاعة والازدهار. وقد عُرفت الأغنام منذ آلاف السنين بأنها مصدر مهم للغذاء والدفء. في الأبراج الصينية، تُعتبر “سنة الخروف” من السنوات التي ترمز للحكمة والحنان. كما أن الأطباق التي تعتمد على لحم الغنم تحتل مكانة خاصة في المطبخ الصيني، لا سيما في أقاليم الشمال.

خلاصة الأداء الصيني في إنتاج الأغنام

تربعت الصين على عرش إنتاج الأغنام عالميًا بفضل مزيج متكامل من السياسات الفعالة، الابتكار التكنولوجي، البيئة المناسبة، وارتفاع الطلب المحلي. ويبدو أن هذا التوجه سيستمر في المستقبل مع تعزيز الاستثمارات وتحسين السلالات وزيادة الوعي البيئي والاقتصادي لدى المنتجين.

إن تربية الأغنام في الصين لم تعد مجرد نشاط ريفي، بل أصبحت صناعة استراتيجية متكاملة تؤثر في السياسة الاقتصادية والغذائية للدولة، مما يجعلها نموذجًا عالميًا في استغلال الثروة الحيوانية لتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي.

المراجع:

1. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) – تقارير الإنتاج الحيواني العالمية 2024

2. وزارة الزراعة والشؤون الريفية بجمهورية الصين الشعبية – إحصائيات قطاع الأغنام 2024