فرحة الأطفال بالعيد: طقوس البراءة وبهجة الحياة

منذ فجر التاريخ الإنساني، ارتبطت المناسبات الدينية والاجتماعية بمشاعر الفرح والتجديد، غير أن العيد يحتل مكانة استثنائية في وجدان الأطفال، فهو بالنسبة لهم أكثر من مناسبة دينية أو تقليد اجتماعي، بل هو عالم متكامل من السعادة البريئة، والتجارب الأولى للبهجة والانطلاق. فالطفل لا يدرك الأبعاد الدينية أو الفلسفية العميقة للعيد، لكنه يشعر بكل جوارحه بأن شيئًا غير عادي قد حلّ، وأن الكون قد ازدان ليُرضي قلبه الصغير.

العيد في وعي الطفل: البدايات الأولى للفرح

الطفولة مرحلة عمرية تتسم بالحساسية الشديدة للمؤثرات الخارجية، إذ يشكل كل حدث خارجي ملامح الذاكرة العاطفية للفرد. والعيد، بما يحمله من طقوس خاصة، يعتبر من أبرز هذه الأحداث التي تُغرس في ذاكرة الطفل منذ نعومة أظفاره. فهو المناسبة التي يُسمح له فيها بكسر الروتين، وارتداء الجديد، واستلام العيدية، وتناول ما لذ وطاب من الحلوى والأطعمة.

في وعي الطفل، يبدأ العيد من اللحظة التي يُخبره فيها أحد والديه بأن “الغد هو العيد”، فيتحول البيت إلى خلية نحل من التهيئة والترقب. تبدأ الأم بتحضير الملابس الجديدة، وتزيين المنزل، وإعداد أصناف الحلوى التقليدية التي ارتبطت بالعيد، مثل الكعك والمعمول والغريبة. هذه التفاصيل، وإن بدت بسيطة في نظر البالغين، إلا أنها تشكل عوالم سحرية متكاملة في ذهن الطفل، وتُشعره بأن هناك يومًا استثنائيًا على الأبواب.

مظاهر الفرح: بين الملبس والحلوى والعيدية

العيدية تُمثل أحد أبرز الطقوس التي تسكن وجدان الطفل، فهي ليست مجرد مبلغ مالي يُمنح له، بل هي رمز للكرم، والاهتمام، والحب غير المشروط. وتلعب دورًا نفسيًا هامًا في تعزيز شعور الطفل بقيمته داخل أسرته ومجتمعه. لا شيء يضاهي فرحة الطفل وهو يُحصي ما جمعه من العيديات، ويخطط لشراء الألعاب أو الحلويات التي طالما تمناها.

أما الملابس الجديدة، فهي امتداد لهوية الطفل العيدية. فحين يرتديها، يشعر بأنه أصبح “نسخة محسّنة” من نفسه، تتناسب مع جو الاحتفال العام. وتكتمل ملامح الفرحة حين يخرج مع أهله أو أقرانه إلى الشارع، فيرى أن الجميع يشاركه ذات الحالة، فيتشكل لديه شعور بالانتماء إلى جماعة سعيدة ومتفائلة.

في الأماكن العامة، كالحدائق والملاهي، تتضاعف فرحة الأطفال. الضحكات تتعالى، والبالونات تتطاير، والألعاب تدور، والقلوب الصغيرة تمتلئ ببهجة صافية لا يشوبها قلق أو توتر. هذه اللحظات تمنحهم شعورًا بالأمان والرضا، وتشحنهم بطاقة نفسية إيجابية تدوم لفترات طويلة.

العيد كأداة لبناء الشخصية والروابط الاجتماعية

على الرغم من بساطة المظاهر الخارجية للعيد، إلا أن أثره العميق في تكوين شخصية الطفل لا يمكن تجاهله. فالفرح الجماعي الذي يختبره الطفل خلال أيام العيد يعزز لديه مفاهيم الانتماء الاجتماعي، والتعاطف، والمشاركة. حين يرى من حوله يوزعون الهدايا على الفقراء، أو يزورون المرضى، أو يتبادلون الزيارات الأسرية، يتشكل لديه إدراك مبكر لأهمية العلاقات الإنسانية، ولمعنى الفرح المشترك.

إن طقوس العيد، بما تحمله من التقاء وتآلف، تساعد الطفل على تجاوز الفردية، وتدفعه إلى الانخراط في نسيج مجتمعه الصغير والكبير على حد سواء. كما أن مشاهدة تعابير الفرح على وجوه الآخرين تُعلمه التعاطف، وتكسر الحواجز النفسية التي قد تنشأ في ظروف الحياة اليومية.

أثر البيئة الثقافية والاجتماعية في تشكيل تجربة الطفل العيدية

تتباين تجربة الطفل بالعيد بين المجتمعات تبعًا للبيئة الثقافية، والوضع الاقتصادي، والطقوس المحلية. ففي بعض القرى والمدن، يحتفل الأطفال بالعيد من خلال مواكب شعبية، وألعاب جماعية، وساحات كبيرة مخصصة لهم، حيث يشتركون في الرقص والغناء، ويشعرون باندماج قوي مع محيطهم. في أماكن أخرى، قد تكون مظاهر العيد أكثر بساطة، لكنها لا تقل عمقًا أو أثرًا في نفس الطفل.

المهم في هذا السياق هو أن يتوافر للطفل الحد الأدنى من مظاهر الفرح، مهما كانت البيئة المحيطة به، فحتى أبسط أشكال الاحتفال كفيلة بإشعاره بالتميز والتقدير. لذا فإن مسؤولية الأهل والمجتمع في توفير هذه الأجواء لا يمكن المبالغة فيها.

الجدول التالي يوضح أبرز عناصر فرحة الطفل بالعيد وتأثير كل منها:

مسؤولية الكبار في صيانة فرحة الطفل بالعيد

في خضم الحياة الحديثة، ومع ضغوط العمل وسرعة الإيقاع الحياتي، قد تغفل بعض الأسر عن إيلاء العيد ما يستحقه من اهتمام. لكن من الضروري التذكير بأن هذه المناسبة، وإن بدت للبالغين تقليدية أو متكررة، فإنها تُشكل أساسًا مهمًا في حياة الطفل. وهي تساهم في تعزيز الصحة النفسية، وتقليل التوتر، وتحسين جودة الحياة العامة للطفل.

من المهم أن يُعطى الطفل مساحة كافية للتعبير عن فرحته، وأن يُسمح له بالمشاركة في التحضيرات، وبأن يُشجّع على تنظيم وقته خلال العيد. فهذه المشاركة لا تنمّي لديه مهارات الاعتماد على النفس فحسب، بل تجعله أيضًا أكثر وعيًا بقيمة العيد كحدث اجتماعي وثقافي وروحي.

الختام: العيد ذاكرة مستدامة في حياة الطفل

قد تمر الأعياد على الكبار كتواريخ متكررة لا تحمل الكثير من الجديد، لكنها عند الأطفال محطات فاصلة، ترسم ملامح الذاكرة العاطفية، وتغذي الروح بالأمل والانتماء. إن فرحة الطفل بالعيد هي ترجمة صادقة لمعاني النقاء الإنساني، ومؤشر حقيقي على قدرة المجتمعات على الحفاظ على جذوة الفرح رغم ما تعانيه من تحديات.

فكل ضحكة طفل في العيد، وكل نظرة انبهار بملابس جديدة، وكل قبضة يد ممسكة بالعيدية، هي شهادة حية على أن الحياة، رغم قسوتها أحيانًا، لا تزال تحتفظ بمساحات مشرقة من الفرح الحقيقي الذي لا يمكن صناعته أو تزييفه.

المراجع:

1. اليونيسيف، تقارير نفسية عن الطفولة والمناسبات الاجتماعية، 2022

2. المركز العربي للدراسات الاجتماعية، “الطفل والمناسبات في المجتمعات العربية”، 2020