الشيخ زايد: مؤسس الإمارات

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: القائد الذي أرسى دعائم الاتحاد

يعد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، واحداً من أبرز القادة في تاريخ العالم العربي. كان له دور محوري في تأسيس دولة الإمارات التي أصبحت من أهم الدول في منطقة الخليج العربي بل في العالم أجمع. كانت رؤيته وعزيمته في بناء دولة حديثة تجمع بين الأصالة والحداثة، متحدة رغم تنوعها، أساساً لنجاح الإمارات وتحقيقها لمكانة مرموقة في الساحة العالمية. ولد الشيخ زايد في عام 1918 في مدينة العين، وارتبطت حياته بالعديد من الأحداث والتحديات التي ساهمت في تشكيل شخصيته القيادية ورؤيته المستقبلية.

نشأة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

وُلد الشيخ زايد في أسرة نبيلة تعود أصولها إلى قبيلة بني ياس، والتي لعبت دوراً مهماً في تشكيل تاريخ منطقة الإمارات. كانت طفولة الشيخ زايد مليئة بالتحديات، حيث نشأ في صحراء قاحلة، إلا أن ذلك لم يثنه عن التطلع إلى أفق أوسع من خلال التعليم والاستفادة من خبرات الحكماء. فكانت العائلة الحاكمة في أبوظبي تتسم بالحكمة والشجاعة، ما شكل بيئة خصبة لتطوير قدراته القيادية.

كان الشيخ زايد مولعاً بالعلم والمعرفة، ورغم أن التعليم النظامي لم يكن منتشراً في ذلك الوقت، إلا أنه كان حريصاً على تعلم الكثير من المهارات الحياتية والإدارية. تعلم العديد من القيم العربية والإسلامية الأصيلة التي شكلت أساس تفكيره وأسلوب حكمه في ما بعد.

بداية مسيرة الشيخ زايد السياسية

تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكم إمارة أبوظبي في عام 1966 بعد وفاة شقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان. وقد جاء حكمه في وقت كانت فيه المنطقة تمر بتحديات كبيرة على مختلف الأصعدة. كان الانتقال إلى الحكم في إمارة أبوظبي يشكل بداية جديدة للشيخ زايد على مستوى القيادة السياسية. منذ اللحظة الأولى لتوليه السلطة، كان يضع نصب عينيه تطوير أبوظبي في جميع المجالات بدءاً من البناء العمراني، مروراً بتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وصولاً إلى التعليم والصحة.

وقد عُرف الشيخ زايد بحكمته ورؤيته الثاقبة، إذ استطاع أن يحقق نمواً ملموساً في إمارة أبوظبي، فعمل على إنشاء العديد من المشاريع التنموية التي لا تزال شاهدة على دوره في تطور المنطقة. في نفس الوقت، كان ينظر إلى مستقبل الدولة بشكل شامل، فكانت رؤيته في تطوير الإمارات كلها مستقبلاً هو الهدف الأسمى.

الشيخ زايد ورؤيته للاتحاد

عُرف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتوجهه نحو الوحدة العربية، وكان يؤمن بأن التعاون بين الدول العربية هو الطريق الأفضل لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. لكن رؤيته للاتحاد لم تقتصر على تعزيز التعاون بين الدول العربية فحسب، بل كانت تتوجه إلى وحدة دول الخليج بشكل خاص.

في عام 1971، بدأ الشيخ زايد من خلال حكمه لإمارة أبوظبي بوضع الأسس لتوحيد الإمارات. كان يرى أن الاتحاد هو السبيل لتحقيق التنمية الشاملة، وقد أبدع في إدارة الحوار بين حكام الإمارات السبع لتوحيدهم تحت علم واحد. ورغم اختلافات بعض الإمارات في البداية، كان الشيخ زايد يتمتع بقدرة استثنائية على تسوية الخلافات، وتحقيق التفاهم والتعاون بين مختلف الأطراف.

في 2 ديسمبر 1971، تم إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو اليوم الذي أصبح رمزاً للوحدة والإنجازات. كان الشيخ زايد، بفضل حكمته وحنكته، هو الرجل الذي استطاع أن يؤسس هذه الدولة الفتية ويقودها نحو مستقبل مشرق.

إنجازات الشيخ زايد على الصعيد المحلي

التنمية الاقتصادية

كان للشيخ زايد دور بارز في تحويل الإمارات إلى واحدة من أبرز القوى الاقتصادية في العالم. بدأ في استثمار عائدات النفط بشكل ذكي، مما جعل الدولة تحقق تطوراً سريعاً في مختلف القطاعات الاقتصادية. اعتمد على استراتيجية التنويع الاقتصادي، فلم يقتصر الاستثمار على النفط فقط، بل شمل مشاريع الزراعة والصناعة والبنية التحتية. وكان الشيخ زايد يؤمن بأن الإنسان هو الركيزة الأساسية لأي تنمية، ولذلك كان يولي اهتماماً خاصاً بالقطاعين التعليمي والصحي.

التعليم

كان التعليم من أولويات الشيخ زايد، حيث عمل على إنشاء العديد من المدارس والجامعات في جميع أنحاء الإمارات. وأدرك منذ البداية أهمية التعليم كأداة أساسية في بناء المجتمع. من أبرز إنجازاته في هذا المجال إنشاء جامعة الإمارات في العين، وهي واحدة من أرقى الجامعات في المنطقة. كما كان يشجع على التعليم الجامعي والتخصصي، وجعل الإمارات تتصدر قائمة الدول العربية في معدلات التعليم.

الصحة

كان للشيخ زايد دور ريادي في مجال الصحة، حيث أنشأ العديد من المستشفيات والمراكز الطبية الحديثة التي وفرت الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين. اهتم بتطوير القطاع الصحي وجعل الإمارات تتمتع بأحد أفضل أنظمة الرعاية الصحية في العالم العربي.

البنية التحتية

أولى الشيخ زايد اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية، فعمل على بناء شبكات الطرق والمواصلات والمطارات الحديثة، التي ساعدت في تطوير الإمارات وجعلها نقطة وصل بين الشرق والغرب. كما كان حريصاً على الحفاظ على البيئة من خلال إنشاء مشاريع بيئية تستهدف الحفاظ على التوازن البيئي.

الشيخ زايد في السياسة الإقليمية والدولية

العلاقات مع الدول العربية

على الصعيد الإقليمي، عمل الشيخ زايد على تعزيز العلاقات مع الدول العربية، وكان له دور بارز في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981. كان يؤمن بأهمية الوحدة الخليجية لمواجهة التحديات المشتركة، وعُرف بعلاقاته المتميزة مع معظم الزعماء العرب. لم يكن الشيخ زايد يقتصر في علاقاته على جانب واحد فقط، بل كان يسعى دائماً إلى تعزيز التعاون في مجالات الأمن، الاقتصاد، والتنمية.

السياسة الخارجية

كان للشيخ زايد سياسة خارجية متوازنة، حيث كان يسعى إلى إقامة علاقات ودية مع مختلف الدول الكبرى في العالم. تبنى سياسة الحياد الإيجابي، حيث حرص على تحقيق التوازن بين الشرق والغرب، وكان من أنصار السلام في مختلف النزاعات الدولية. وقد كانت الإمارات تحت قيادته تلعب دوراً مهماً في مساعي السلام وحل النزاعات في العديد من مناطق العالم، خاصة في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.

الدور الإنساني

لم يقتصر اهتمام الشيخ زايد على الشأن الداخلي فقط، بل كان له دور كبير في الأعمال الخيرية والإنسانية على المستوى العالمي. فقد أسس العديد من المؤسسات الإنسانية التي قدمت مساعدات للمحتاجين في مختلف أنحاء العالم. كانت الإمارات تحت قيادته تقدم مساعدات إنسانية طارئة في الأزمات والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى دعم مشروعات التنمية المستدامة.

الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: قائد فذ ورمز الوحدة

لقد شكلت حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قصة نجاح استثنائية، حيث تمكّن من بناء دولة حديثة ومتطورة تقوم على أسس قوية من الوحدة والعدالة والتنمية. وقد ترك بصمة واضحة على جميع المجالات، بدءاً من السياسة مروراً بالاقتصاد والتعليم والصحة، وصولاً إلى الدور البارز على الساحة الإقليمية والدولية. إن ما تحقق لدولة الإمارات من نهضة شاملة كان نتيجة لرؤية قادتها في تلك الفترة، وعلى رأسهم الشيخ زايد الذي رسم معالم المستقبل لهذه الدولة العريقة.

إن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان سيظل دوماً في ذاكرة الأجيال القادمة بوصفه القائد الذي بنى وطناً من العدم وجعل من الإمارات واحدة من أرقى الدول في العالم.