الشفع والوتر من قيام الليل

تُعدّ عبادة قيام الليل من أعظم الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، لما فيها من خضوع وخشوع وتذلل بين يدي الله في ساعات الليل الهادئة التي يغفل فيها الناس، وقد ورد في فضائل قيام الليل نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تحثّ على هذه العبادة وتبيّن مكانتها عند الله. ومن أبرز ما يُصلى في قيام الليل صلاة الشفع والوتر، وهما من السنن المؤكدة التي واظب عليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولهما ارتباط وثيق بقيام الليل من حيث الأداء والنية والفضل.

مفهوم قيام الليل

قيام الليل هو التعبد لله تعالى بالصلاة والدعاء وذكر الله في الليل، ويُعدّ من أفضل القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه. وقد فُسر قيام الليل بأنه يشمل كل عبادة تؤدى بعد صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر، سواء كانت صلاة أو تلاوة للقرآن أو ذكر أو دعاء. ومن أعظم ما يشمل قيام الليل صلاة التهجد التي يؤديها المسلم بعد أن ينام جزءًا من الليل، ومن ضمن صلوات الليل أيضًا الشفع والوتر.

قال الله تعالى:

{وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا … وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 63-64].

وقال تعالى:

{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].

معنى الشفع والوتر

صلاة الشفع والوتر من السنن الرواتب التي حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وتُعدّ من صلوات الليل. يُقصد بالشفع: الركعتان اللتان تؤديان قبل الوتر، ويُقصد بالوتر: الصلاة التي تُختم بها صلاة الليل وتُصلى بركعة واحدة أو بثلاث أو خمس أو أكثر، بشرط أن يكون عدد الركعات فردياً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن” [رواه الترمذي].

معنى الشفع لغة وشرعًا

• الشفع لغة: هو العدد الزوجي مثل اثنين أو أربعة أو ستة.

• الشفع شرعًا: هو الركعات الزوجية التي تُصلى قبل الوتر في قيام الليل.

معنى الوتر لغة وشرعًا

• الوتر لغة: الفرد المخالف للزوج.

• الوتر شرعًا: هو الصلاة التي تُختم بها صلاة الليل وتكون بعدد ركعة واحدة أو ثلاث أو خمس ركعات، بشرط أن تكون فردية.

العلاقة بين الشفع والوتر وقيام الليل

صلاة الشفع والوتر تدخل في مسمى قيام الليل، إذ أن كل صلاة تُؤدى بعد العشاء وحتى الفجر تُعدّ من قيام الليل. لكن الشفع والوتر لهما خصوصية في الشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليهما حتى في حال السفر، وقد نقلت الروايات أن النبي لم يترك الوتر في حضر ولا سفر.

قيام الليل يُعدّ أشمل وأعم، فهو يتضمن كل الصلوات والعبادات التي يؤديها المسلم في الليل بعد العشاء، بينما الشفع والوتر يمثلان الجزء الختامي لصلاة الليل، إذ يُسنّ أن يختم المسلم قيام الليل بالوتر كما هو هدي النبي.

حكم الشفع والوتر

حكم صلاة الوتر

• الوتر سنة مؤكدة عند جمهور العلماء.

• يرى الحنفية أن الوتر واجب وليس سنة.

النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا” [متفق عليه].

وقد واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتركه في حضر ولا سفر.

حكم صلاة الشفع

صلاة الشفع مرتبطة بالوتر، وهي سنة تابعة لصلاة الليل. لم يرد نص خاص يدل على وجوبها منفصلة، ولكن ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين (الشفع) ثم يصلي الوتر.

وقت أداء الشفع والوتر

وقت الشفع والوتر يبدأ بعد أداء صلاة العشاء ويستمر حتى طلوع الفجر، وهو وقت قيام الليل كله. ويُسنّ تأخير الوتر إلى الثلث الأخير من الليل لمن وثق أنه سيستيقظ، أما من خاف أن يغلبه النوم فله أن يصلي الوتر بعد صلاة العشاء مباشرة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل” [رواه مسلم].

كيفية أداء الشفع والوتر

الشفع

• يتم أداء ركعتين مثل صلاة النافلة العادية.

• يُستحب قراءة سورة الأعلى في الركعة الأولى والكافرون في الركعة الثانية، مع قراءة الفاتحة في كل ركعة.

الوتر

• يمكن أن تُصلى بركعة واحدة مستقلة.

• يمكن أن تُصلى بثلاث ركعات متصلة مع جلسة واحدة للتشهد.

• يمكن أن تُصلى بثلاث ركعات مفصولة: ركعتين بتسليم، ثم ركعة واحدة مستقلة.

في الركعة الأخيرة من الوتر يُستحب قراءة سورة الإخلاص بعد الفاتحة، ويُسنّ القنوت بعد الركوع في الوتر عند بعض الفقهاء، وخصوصاً في النصف الأخير من شهر رمضان.

مثال على كيفية صلاة الشفع والوتر

• ركعتان شفع: يقرأ فيهما الفاتحة وسورة الأعلى ثم الفاتحة وسورة الكافرون.

• ركعة وتر: يقرأ فيها الفاتحة وسورة الإخلاص، ثم القنوت بعد الركوع.

فضل صلاة الشفع والوتر

الشفع والوتر من الصلوات التي لها فضل عظيم عند الله تعالى، لما فيها من خضوع وخشوع لله في وقت يغفل فيه الناس. ومن فضائل هذه الصلاة:

1. من علامات أهل الإيمان والقرآن:
   
   قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أوتروا يا أهل القرآن” [رواه الترمذي].

2. سبب لمحبة الله:
   
   إن الله وتر يحب الوتر.

3. اتباع لسنة النبي:
   
   الوتر سنة مؤكدة وحرص النبي على أدائها في كل أحواله.

4. شهادة الملائكة:
   
   صلاة الوتر في آخر الليل مشهودة من الملائكة، لما ورد في الحديث: “وصلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل”.

5. من أسباب غفران الذنوب:
   
   قيام الليل من أسباب تكفير الذنوب ورفع الدرجات.

عدد ركعات الشفع والوتر

لا يوجد عدد محدد لصلاة الليل في الإسلام، وقد كان النبي يصلي إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة في قيام الليل بما في ذلك الشفع والوتر. يمكن أن يُصلي المسلم ركعتين شفع وركعة وتر، ويمكن أن يُزيد حسب استطاعته.

جدول يوضح أنماط صلاة الشفع والوتر

أقوال العلماء في الشفع والوتر

رأي المذهب الحنفي

يرى الحنفية أن صلاة الوتر واجبة ويجب أداؤها، ومن تركها يكون قد ترك واجبًا عليه القضاء. وهم ينفردون بهذا الرأي عن بقية المذاهب.

رأي المذهب المالكي والشافعي والحنبلي

يرى جمهور العلماء أن الوتر سنة مؤكدة، ومن تركه لا يأثم لكنه يُعدّ قد ترك فضلًا عظيمًا.

أما الشفع فهو جزء من قيام الليل ولا يُلزم بعدد محدد من الركعات.

الوتر في حياة الصحابة

كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على أداء صلاة الوتر باستمرار، وكانوا يعتبرونها من علامات التوفيق والحرص على السنة. فقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يوقظ أهله لصلاة الليل ويقول: “الصلاة الصلاة”، ويتلو قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.

ورُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول: “الوتر ليس بحتم كصلاة المكتوبة ولكنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

الوتر في سفر النبي

ما يدل على عظيم شأن الوتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعه لا في حضر ولا في سفر، فقد ثبت أنه كان يوتر حتى وهو على راحلته. فقد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته”.

هذا الحرص يدل على أهمية الوتر في حياة المسلم، حتى أن تركها في السفر لم يكن من هدي النبي.

الفرق بين قيام الليل وصلاة التراويح وصلاة الوتر

قيام الليل يشمل كل صلاة تؤدى بعد العشاء وحتى الفجر سواء في رمضان أو غيره. أما التراويح فهي صلاة قيام الليل التي تؤدى جماعة في رمضان خاصة. الوتر صلاة خاصة تُختم بها صلاة الليل وهي سنة مؤكدة.

المراجع

• صحيح مسلم

• سنن الترمذي