الشجار بين الأطفال: أسباب، آثار، وطرق التعامل الفعّالة

يُعتبر الشجار بين الأطفال ظاهرة شائعة ومتكررة في مراحل الطفولة المختلفة، ولا يخلو أي بيت أو مدرسة من مشاهدات لمشاجرات بينهم. رغم أن الشجار قد يبدو ظاهرة طبيعية ومرتبطة بتكوين الشخصية، إلا أن فهم أسبابه وآثاره والطرق المثلى للتعامل معه يُعد أمراً بالغ الأهمية لضمان نمو الطفل نفسيًا واجتماعيًا بشكل صحي وسليم.

طبيعة الشجار بين الأطفال

الشجار هو تعبير عن نزاع أو اختلاف في الرأي أو السيطرة على موارد أو مشاعر، ويتجلى بأشكال متعددة منها النزاع الكلامي، التحدي، التهجم الجسدي، أو حتى الصمت والانسحاب. يعكس الشجار لدى الأطفال حالة من عدم التوافق في التواصل أو رغبة في فرض السيطرة أو تحقيق الذات، ويختلف في شدته وأسبابه حسب عمر الطفل، بيئته، ونوعية العلاقات التي يعيشها.

الأسباب الأساسية للشجار بين الأطفال

1. اختلاف حاجات الأطفال ورغباتهم

يُعد اختلاف الحاجات والرغبات من أكثر الأسباب شيوعًا للشجار، حيث يتنافس الأطفال على الألعاب، الانتباه، المساحة الشخصية، أو حتى المودة من قبل الأهل والمربين. لا يستطيع الطفل دائماً التعبير عن مشاعره بطريقة ناضجة، ما يدفعه إلى اللجوء للشجار كوسيلة للتعبير.

2. نقص مهارات التواصل وحل النزاعات

يفتقر الأطفال في مراحل مبكرة إلى المهارات اللغوية والاجتماعية التي تمكنهم من التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بطريقة سلمية. عدم امتلاك أدوات التفاوض أو التعبير العاطفي يدفعهم إلى المشاجرة كوسيلة لحل النزاعات.

3. تقليد السلوكيات العنيفة أو العدائية

يلعب التقليد دورًا كبيرًا في تكوين سلوك الطفل، وإذا كان الطفل يشاهد نماذج سلوكية عنيفة في البيت أو المدرسة أو عبر وسائل الإعلام، فقد يحاكي هذه السلوكيات ويستخدمها في التعامل مع أقرانه.

4. البحث عن السلطة والسيطرة

يرغب بعض الأطفال في فرض سيطرتهم على الآخرين، ويمثل الشجار وسيلة لتحقيق هذا الهدف، خاصة في البيئات التي لا تُعزز مفاهيم التعاون والتشارك.

5. التعبير عن مشاعر مكبوتة

في بعض الأحيان، يكون الشجار وسيلة لدى الطفل للتعبير عن الغضب أو الإحباط أو الحزن، خاصة إذا لم يجد طرقاً أخرى صحية للتعبير عن هذه المشاعر.

6. عوامل بيئية ونفسية

يمكن أن تؤثر الضغوط النفسية مثل مشاكل الأسرة، ضعف التقدير الذاتي، أو القلق في زيادة حالات الشجار بين الأطفال، إذ يصبح الطفل أكثر عرضة للتصرف بعدوانية أو دفاعية.

الآثار النفسية والاجتماعية للشجار بين الأطفال

الشجار المتكرر والمستمر يمكن أن يترك آثارًا واضحة على نمو الطفل، وتشمل هذه الآثار:

1. التأثير على الصحة النفسية

الانخراط المستمر في الشجار قد يولد لدى الطفل شعورًا بعدم الأمان، القلق، وانخفاض الثقة بالنفس. الأطفال الذين يعانون من نزاعات متكررة قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب أو الاضطرابات السلوكية.

2. ضعف العلاقات الاجتماعية

الشجار المستمر قد يؤدي إلى عزلة الطفل أو رفضه من قبل أقرانه، مما يؤثر على مهاراته الاجتماعية وقدرته على بناء صداقات صحية ومستقرة.

3. التأثير على التحصيل الدراسي

التوتر الناتج عن الشجار قد يشتت انتباه الطفل ويؤثر سلبًا على أدائه الأكاديمي، كما يمكن أن ينتقل هذا التوتر إلى فصول المدرسة ويتسبب في مشكلات سلوكية.

4. تنمية السلوك العدواني

في حال لم يتم التعامل مع الشجار بشكل إيجابي، قد يتعلم الطفل أن العدوانية هي الحل، فيتكرر السلوك العدواني في مراحل لاحقة من حياته.

طرق التعامل الفعّالة مع الشجار بين الأطفال

1. تعليم مهارات التواصل والتعبير عن المشاعر

يجب تعليم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بالكلمات بدلاً من العدوان. برامج تعليم مهارات التواصل الفعّال مثل الاستماع الجيد، التفاوض، وحل النزاعات تساعد في تقليل الشجار بشكل كبير.

2. وضع قواعد واضحة للسلوك المقبول

يجب على الأهل والمعلمين وضع حدود واضحة حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول من سلوك، مع التأكيد على احترام الآخرين وعدم استخدام العنف بأي شكل من الأشكال.

3. تعزيز السلوك الإيجابي والمكافأة

تشجيع الأطفال على السلوكيات الإيجابية من خلال المكافآت اللفظية أو المادية يحفزهم على اتباع سلوكيات إيجابية بدلاً من الشجار.

4. توجيه الأطفال للتفكير في نتائج أفعالهم

مساعدة الأطفال على فهم العواقب السلبية لشجارهم يجعلهم أكثر وعياً بسلوكهم، مما يدفعهم إلى تجنب النزاعات.

5. إشراك الأطفال في حل المشكلات

توجيه الأطفال إلى المشاركة في إيجاد حلول للنزاعات يشجعهم على التعاون ويعزز لديهم الشعور بالمسؤولية.

6. توفير بيئة هادئة ومستقرة

إنشاء بيئة منزلية ومدرسية مستقرة ومنظمة تقلل من فرص حدوث النزاعات، فالبيئة الداعمة تخلق شعورًا بالأمان لدى الطفل.

7. تدخل الأهل والمعلمين بحكمة وهدوء

عندما يحدث الشجار، من المهم أن يتدخل الأهل أو المعلمون بهدوء وبطريقة غير انفعالية، من خلال الاستماع إلى كلا الطرفين ومساعدتهم على الوصول إلى حل عادل.

دور الأسرة في الحد من الشجار بين الأطفال

الأسرة تمثل الركيزة الأساسية في تشكيل سلوك الطفل، ولذلك يلعب الأهل دورًا محوريًا في تقليل المشاجرات بين أطفالهم، وذلك من خلال:

• الاهتمام بالتواصل العائلي: توفير وقت يومي للحديث مع الأطفال والاستماع لهم يعزز شعورهم بالأمان ويقلل من حاجة الطفل للشجار لجذب الانتباه.

• نموذج السلوك الإيجابي: تصرفات الوالدين أمام الأطفال، سواء في التعامل مع بعضهم أو مع الآخرين، تشكل القدوة التي يتعلم منها الطفل كيفية التعامل.

• تعليم ضبط النفس: تعليم الطفل كيف يسيطر على انفعالاته من خلال تقنيات التنفس العميق أو العد التنازلي يساعد على تقليل ردود الفعل العدوانية.

• تعزيز العدالة والإنصاف: تجنب التمييز بين الأطفال أو إعطاء الأفضلية لطرف على حساب الآخر يقلل من التنافس السلبي الذي يؤدي إلى الشجار.

دور المدرسة في التعامل مع الشجار

المدرسة كمؤسسة تربوية يجب أن توفر بيئة آمنة وتدعم مهارات التواصل لدى الأطفال، وذلك من خلال:

• تدريب المعلمين على إدارة النزاعات: يجب أن يكون المعلمون قادرين على التعامل مع المشاجرات بحكمة، وأن يعلموا الأطفال كيفية التعامل مع خلافاتهم بشكل بناء.

• برامج تعليمية موجهة: تضمين برامج لتعزيز الذكاء العاطفي، وحل النزاعات داخل المناهج الدراسية.

• تفعيل دور المرشدين التربويين: الذين يمكنهم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية.

• تشجيع الأنشطة الجماعية: التي تعزز روح التعاون والعمل الجماعي بين الطلاب.

الشجار بين الأطفال في ظل التطور العصبي والنفسي

الطفولة هي مرحلة النمو السريع للعقل والمهارات الاجتماعية والعاطفية، ولذا فإن الشجار بين الأطفال يعكس أحيانًا الصراعات الداخلية التي يعيشونها نتيجة عدم اكتمال نمو القدرة على التحكم في الانفعالات، كما أن قدرة الطفل على فهم وجهات نظر الآخرين لاتزال في طور التشكل. من هنا، يصبح من الضروري مراعاة هذه المرحلة العمرية عند التعامل مع مشكلات الشجار.

تصنيف الشجار بين الأطفال

يمكن تصنيف الشجار حسب نوعه وطبيعته إلى:

الشجار بين الأشقاء: حالة خاصة

الشجار بين الأشقاء يُعتبر ظاهرة طبيعية لكنها تحمل خصوصية، لأن علاقة الأشقاء متداخلة وعميقة، وقد تكون المشاجرات بينهما أكثر حدة بسبب التنافس على الاهتمام والموارد الأسرية. لكن في الوقت نفسه، الشجار بين الأشقاء يساهم في تطوير مهارات التفاوض وحل النزاعات إذا ما تم التعامل معه بشكل صحيح.

خلاصة دور التوجيه والتربية

يعتبر الشجار بين الأطفال جزءاً من نموهم وتطورهم، لكنه ليس ظاهرة يجب السماح لها بالاستمرار دون تدخل. التوجيه الصحيح من الأسرة والمدرسة يعزز من مهارات التواصل والذكاء العاطفي ويقلل من العدوانية ويحول النزاعات إلى فرص لتعلم التعاون وحل المشكلات.

المصادر والمراجع

• “علم نفس الطفولة: النظرية والتطبيق”، تأليف جون سانتروك، 2018.

• “تربية الطفل السلوكية”، تأليف د. حسن الجندي، دار الفكر العربي، 2020.