الشباب: هموم الحاضر وآمال المستقبل

الشباب: هموم الحاضر وتطلعات المستقبل

في صميم كل مجتمع نابض بالحياة، يقف الشباب كقوة دافعة ومحرّكة، تمتلك طاقة متجددة، وعقلاً متوثباً، وروحاً تتطلع نحو غدٍ أكثر إشراقاً. يمثل الشباب في كل أمة الركيزة الأساسية للتنمية، فهم يشكلون الفئة العمرية الأوسع من حيث العدد، والأغنى من حيث الإمكانات، والأكثر قدرة على التأقلم والتغيير. ومع ذلك، فإن هذه الفئة تجد نفسها وسط تحديات ضخمة وهموم مركبة، تتداخل فيها القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، مما يضعها أمام مفترق طرق دائم، ويُلقي عليها عبء صياغة ملامح المستقبل.

أولاً: واقع الشباب وهمومهم في الحاضر

1. البطالة وانعدام الفرص

تشكل البطالة واحدة من أبرز القضايا التي تؤرق الشباب في مختلف أنحاء العالم، لاسيما في البلدان النامية والعربية على وجه الخصوص. رغم المؤهلات التعليمية العالية التي يحظى بها كثير من الشباب، إلا أن سوق العمل يعاني من فجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق الفعلية، إضافة إلى تكدس الوظائف في قطاعات محدودة، وغياب سياسات تشغيلية مرنة وشاملة. البطالة لا تؤدي فقط إلى فقدان مصدر دخل، بل تولد شعوراً بالإقصاء الاجتماعي، وتقلل من إحساس الشباب بقيمتهم ودورهم في المجتمع.

2. غياب التمكين والمشاركة

في كثير من الأحيان، يتم تهميش صوت الشباب في صنع القرار سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الثقافي. رغم أن فئة الشباب غالباً ما تشارك بفاعلية في الحراك المجتمعي، إلا أن مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار لا تزال بعيدة عن إشراكهم بشكل فعلي، مما يؤدي إلى شعور عام بالإحباط، ويقوض من ثقة الشباب في الآليات السياسية والاجتماعية القائمة.

3. الأزمات النفسية والاجتماعية

تتراكم الضغوط النفسية على الشباب نتيجة للضبابية التي تكتنف مستقبلهم، والضغوط الاجتماعية التي تُمارس عليهم من الأسرة والمجتمع، والمقارنة المستمرة التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي. الأمر الذي يفاقم من معدلات القلق والاكتئاب والانتحار بين الشباب، ويبرز الحاجة إلى أنظمة دعم نفسي وصحي متكاملة تأخذ في الاعتبار حساسية هذه المرحلة.

4. التحولات الثقافية والعولمة

في عصر العولمة، أصبح الشباب يعيشون بين ثقافتين: ثقافة أصيلة موروثة، وأخرى وافدة وسريعة التغير. هذا الصراع الثقافي قد يؤدي إلى فقدان الهوية أو نشوء مشاعر التمزق والانفصال. فالمعضلة ليست في الاطلاع على الثقافات الأخرى، بل في غياب خطاب ثقافي وطني قادر على دمج الأصالة بالمعاصرة، وترسيخ قيم الانتماء.

ثانياً: تطلعات الشباب نحو المستقبل

1. السعي نحو التعليم النوعي

لا يزال التعليم يمثل أولوية كبرى في قائمة تطلعات الشباب. إلا أن المطلوب لم يعد مجرد تعليم تقليدي بل تعليماً يواكب متطلبات العصر، يجمع بين المعرفة النظرية والمهارات التطبيقية، ويغرس قيم الابتكار وريادة الأعمال، ويهيئ الشباب للتعامل مع تحديات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.

2. تحقيق الذات والاستقلالية

يطمح الشباب إلى تحقيق ذواتهم من خلال فرص العمل الحر، وبناء المشاريع الخاصة، وتأسيس حياة مستقلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية. الاستقلال لم يعد ترفاً، بل هو جزء من كرامة الإنسان وتوازنه النفسي، ويشكّل حجر الزاوية في بناء شخصيات متماسكة قادرة على الإنتاج.

3. التمكين السياسي والمجتمعي

يحلم الشباب بأن يكونوا شركاء حقيقيين في عملية صنع القرار، لا مجرد أدوات تنفيذ أو عناصر ديكورية. فهم يمتلكون الرؤية والطاقة والإبداع، ويستحقون أن تُفتح لهم أبواب المشاركة الفعلية في المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية، وأن تُمنح لهم الثقة لصياغة سياسات عامة أكثر شمولاً وواقعية.

4. بيئة داعمة ومحفزة

يتطلع الشباب إلى بيئة مجتمعية وقانونية تدعم الإبداع والابتكار، وتحميهم من مظاهر التهميش والتمييز، وتوفر لهم بنية تحتية رقمية وتعليمية وصحية وثقافية تُسهم في إطلاق طاقاتهم الكامنة، وتتيح لهم فرصاً متكافئة للنمو والتطور.

ثالثاً: الشباب كقوة للتغيير الاجتماعي

الشباب ليسوا فقط ضحايا للظروف، بل هم في جوهرهم طاقات تغيير يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في مختلف جوانب الحياة. عبر التاريخ، لعب الشباب أدواراً حاسمة في الحركات الإصلاحية والثورات العلمية والنهضات الفكرية، وكانوا في مقدمة من دافع عن الحرية والعدالة والمساواة. هذه الطاقة التغييرية تحتاج إلى قيادة حكيمة، وبرامج استراتيجية، وتدريب ممنهج.

تشجيع الشباب على العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية، وتعزيز مشاركتهم في صناعة المحتوى الإعلامي والفكري، وتوفير منصات حوار حقيقية بين الأجيال، كلها خطوات ضرورية لتمكينهم من لعب دورهم الريادي.

رابعاً: التحديات العالمية وتأثيرها على الشباب

1. تغير المناخ والبيئة

الشباب اليوم يواجهون تحدياً غير مسبوق يتمثل في التغير المناخي، وانعكاساته على الأمن الغذائي، والموارد الطبيعية، والاستقرار المجتمعي. هذا الوعي المتنامي بقضايا البيئة يدفع بالكثير من الشباب إلى الانخراط في أنشطة الاستدامة والعمل البيئي، والترويج لأنماط حياة تحافظ على الموارد وتحمي الكوكب.

2. التحول الرقمي

الثورة الرقمية تقدم فرصاً غير مسبوقة للشباب في مجالات العمل والتعليم والتواصل، لكنها تفرض عليهم أيضاً تحديات جديدة مثل الإدمان الرقمي، وفقدان الخصوصية، والتحكم بالخوارزميات. الشباب اليوم مطالبون بتعلم المهارات الرقمية والتكنولوجية الحديثة ليظلوا جزءاً فعالاً في الاقتصاد المعرفي.

3. الهجرة واللجوء

في ظل الحروب والنزاعات السياسية والاقتصادية، أصبح كثير من الشباب عرضة للهجرة القسرية أو اللجوء، مما يجعلهم يواجهون خطر الاستغلال، وانعدام الأمن، والتمييز، والانفصال الثقافي. التصدي لهذه الظاهرة يستلزم تبني سياسات شاملة تحمي حقوق اللاجئين والمهاجرين الشباب وتوفر لهم بيئة إنسانية كريمة.

خامساً: السياسات المثلى لتمكين الشباب

من أجل معالجة هموم الحاضر وتحقيق تطلعات المستقبل، لا بد من إعادة النظر في السياسات العامة تجاه الشباب من خلال:

سادساً: النماذج الملهمة لشباب فاعلين

في العالم العربي والعالمي، نجد نماذج شبابية استطاعت أن تكسر الحواجز، وتقدم ابتكارات حقيقية غيرت واقعها ومجتمعاتها. من رواد الأعمال في مجالات التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، إلى ناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عن البيئة، كل هؤلاء يمثلون صورة حيّة لقوة الإرادة، والإبداع، والإيمان بالذات.

استثمار هذه النماذج، وتسليط الضوء عليها، يمكن أن يلعب دوراً تحفيزياً هائلاً، ويعزز من روح الطموح لدى بقية الشباب الذين يحتاجون فقط إلى فرصة واحدة لإثبات قدراتهم.

سابعاً: خاتمة فكرية

الشباب ليسوا عبئاً على الحاضر، بل هم صُنّاع المستقبل. همومهم ليست فقط مشكلات يجب حلّها، بل مؤشرات على الحاجة إلى التغيير الجذري في السياسات، والرؤى، والهياكل. تطلعاتهم ليست خيالات حالمة، بل خارطة طريق لنهضة حضارية شاملة. المجتمعات التي تضع الشباب في مركز أولوياتها، وتصغي لصوتهم، وتؤمن بقدراتهم، هي المجتمعات التي تمتلك مفاتيح التقدم والازدهار في عالم سريع التحول.

المراجع:

• تقرير التنمية الإنسانية العربية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2022

• “الشباب وتحديات المستقبل”، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 119، 2021