السلوك السيكوباتي: الأسباب والعلاج

السلوك السيكوباتي: تعريفه وأسبابه وعلاجاته

إن السلوك السيكوباتي يعد واحداً من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في مجال علم النفس. يتميز هذا السلوك بوجود سمات متطورة من قلة التعاطف، والاستعداد للانتهاك المتكرر لحقوق الآخرين، فضلاً عن غياب الشعور بالذنب أو المسؤولية تجاه الأفعال غير الأخلاقية. على الرغم من أن السيكوباتية كانت في السابق تعتبر مجرد اضطراب شخصية معزول، فإن الدراسات الحديثة تؤكد أنها حالة نفسية معقدة تتداخل مع العديد من العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية.

1. تعريف السلوك السيكوباتي

السلوك السيكوباتي يُعرف عادة بأنه نمط مستمر من الانتهاك لحقوق الآخرين دون الشعور بالندم. الأشخاص الذين يعانون من هذا السلوك غالباً ما يكونون غير قادرين على التعاطف مع الآخرين، وقد يظهرون سلوكاً مغامراً وغير عاطفي في مواقف تتطلب الحذر أو التفهم العاطفي. لكن، من المهم ملاحظة أن السيكوباتية لا تقتصر على التصرفات العنيفة فقط، بل تشمل أيضاً القدرة على التلاعب والتخطيط البارد لمصالحهم الخاصة، وغالباً ما يتمكن هؤلاء الأشخاص من جذب الآخرين بسهولة بفضل جاذبيتهم الظاهرة.

2. الفرق بين السيكوباتية واضطرابات الشخصية الأخرى

قد يكون من السهل الخلط بين السيكوباتية وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب الشخصية النرجسية أو حتى اضطراب الشخصية الحدية. على الرغم من التشابهات الظاهرة بين هذه الاضطرابات، إلا أن هناك فرقاً جوهرياً في السمات المميزة لكل حالة. مثلاً، النرجسية تتمحور حول الحاجة المفرطة للإعجاب بالذات، بينما يعاني الشخص السيكوباتي من قلة التعاطف مع الآخرين وغالباً ما يظهر عدم اكتراث بالمشاعر الإنسانية.

3. الأسباب المحتملة للسلوك السيكوباتي

تعددت النظريات التي تفسر نشوء السلوك السيكوباتي، وهي تتنوع بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية:

• العوامل البيولوجية: تشير بعض الدراسات إلى أن السيكوباتيين قد يمتلكون تباينات في بنية الدماغ، خصوصاً في المناطق المتعلقة بالتحكم بالعواطف واتخاذ القرارات. هذه الفروق قد تساهم في انخفاض التعاطف وصعوبة فهم تأثيرات الأفعال على الآخرين.

• العوامل الوراثية: تظهر الدراسات أن السلوك السيكوباتي قد يكون له مكون وراثي، حيث أن الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من السلوك العدواني أو اضطرابات الشخصية قد يكونون أكثر عرضة لتطوير هذه السمة.

• العوامل البيئية: تشير الدراسات إلى أن البيئة التي ينشأ فيها الشخص قد تكون لها تأثيرات كبيرة على تطور السلوك السيكوباتي. قد تؤدي بيئة مليئة بالعنف أو الإهمال أو القسوة إلى تطور هذا النوع من السلوك. في كثير من الحالات، يشير الباحثون إلى أن تعرض الأطفال للإساءة أو الرفض من الأسرة قد يزيد من احتمالية ظهور صفات السيكوباتية في مرحلة البلوغ.

4. السمات الرئيسية للأفراد السيكوباتيّين

هناك مجموعة من السمات المميزة التي يمكن أن تبرز في الأفراد السيكوباتيين، ومن أبرزها:

• الافتقار للتعاطف: واحدة من أبرز السمات هي عدم قدرة الشخص السيكوباتي على فهم مشاعر الآخرين أو التعاطف معهم.

• الاستعداد للكذب والتلاعب: يسعى السيكوباتي للهيمنة على الآخرين باستخدام الكذب أو الاحتيال لتحقيق مصالحه الشخصية.

• العنف والانتهاك: يندفع الشخص السيكوباتي نحو العنف أحياناً لتحقيق أهدافه الشخصية أو لمجرد الاستمتاع بالتحكم في الآخرين.

• غياب الندم أو الشعور بالذنب: يفتقر الشخص السيكوباتي إلى الإحساس بالندم على الأفعال الخاطئة، مما يسهل عليه ارتكاب الأخطاء دون التفكير في عواقبها.

• السلوك المغامر: يفضل السيكوباتي التصرفات المتهورة أو غير المدروسة، ويشعر بالراحة في المواقف الخطرة.

5. تأثير السيكوباتية على المجتمع

السلوك السيكوباتي له تأثيرات سلبية كبيرة على الأفراد والمجتمع ككل. من المعروف أن الأشخاص السيكوباتيين يميلون إلى ارتكاب الجرائم أو التصرفات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي. وهذا يشمل التلاعب العاطفي للآخرين، اتخاذ قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى ضرر، واستخدام القوة في بعض الأحيان للتوصل إلى أهدافهم.

ومع أن الشخص السيكوباتي قد يحقق نجاحًا ظاهرًا في بعض المجالات (كالعمل أو العلاقات الاجتماعية)، إلا أن علاقاته الشخصية غالبًا ما تكون سطحية ومؤذية. تتأثر هذه العلاقات بالصراع المستمر أو الخداع، مما يجعل التفاعل مع هؤلاء الأفراد صعبًا.

6. تشخيص السلوك السيكوباتي

تشخيص السيكوباتية يمكن أن يتم من خلال استبيانات أو مقابلات مع الأطباء النفسيين المختصين. يتم تقييم الأشخاص بناءً على معايير محددة تشمل:

• درجة افتقارهم للتعاطف

• قدرتهم على التلاعب بالآخرين

• مقدار العنف أو التهديد الذي يمارسونه في حياتهم اليومية

من أكثر الأدوات شيوعًا هي مقياس هاريسون للسيكوباتية، الذي يساعد في تقييم سمات السلوك السيكوباتي.

7. علاج السلوك السيكوباتي

يعد علاج السلوك السيكوباتي من أكثر التحديات التي تواجهها الطب النفسي. إذ أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة غالباً ما لا يعترفون بمشكلتهم أو قد يرفضون العلاج. ومع ذلك، هناك بعض الأساليب العلاجية التي يمكن أن تساعد، مثل:

• العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف هذا النوع من العلاج إلى تعليم المريض كيفية التعرف على الأفكار والسلوكيات السلبية وتغييرها.

• العلاج الأسري: في بعض الحالات، يمكن أن يساعد العلاج الأسري في فهم التأثيرات التي تحدثها البيئة على السلوك السيكوباتي وتقديم الدعم للأسرة في التعامل مع هذه الحالة.

• الأدوية: في بعض الحالات، قد يُستخدم العلاج بالأدوية لعلاج أعراض الاكتئاب أو القلق المرتبطة بالسيكوباتية، لكن لا توجد أدوية مخصصة لعلاج السيكوباتية بحد ذاتها.

8. الخاتمة

السلوك السيكوباتي يمثل تحديًا كبيرًا في مجالات الطب النفسي والعدالة الجنائية، نظرًا لأن الأشخاص الذين يعانون منه قد يظهرون سلوكيات خارجة عن المألوف، ومؤذية للمجتمع. في حين أن السيكوباتية قد تكون صعبة التشخيص والعلاج، فإن المعرفة المتزايدة حول هذه الحالة قد تساهم في تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لمساعدة الأفراد الذين يعانون منها وتقليل تأثيرهم السلبي على المجتمع.

المراجع:

• Hare, R. D. (1991). The Hare Psychopathy Checklist – Revised. Toronto: Multi-Health Systems.

• Blair, R. J. R. (2006). Responding to the emotions of others: Dissociating forms of empathy through the study of typical and atypical development. Neuroscience & Biobehavioral Reviews.