السلوك السياسي في المؤسسات

السلوك السياسي في المؤسسات: تأثيراته، أبعاده وأدواته

مقدمة

يعد السلوك السياسي في المؤسسات أحد الأبعاد الرئيسية التي تؤثر بشكل كبير في شكل العلاقات الداخلية بين الأفراد وفي الأداء الكلي للمؤسسة. يتسم هذا النوع من السلوك بالتعقيد والتنوع، ويشمل الأفعال والاستراتيجيات التي يتبناها الأفراد والجماعات بهدف التأثير على القرارات والسياسات داخل بيئة العمل. قد يكون السلوك السياسي في بعض الأحيان إيجابيًا إذا كان يهدف إلى تعزيز مصلحة المؤسسة، إلا أنه قد يتحول إلى سلوك سلبي إذا تم استخدامه لتحقيق مصالح شخصية ضيقة على حساب المصلحة العامة.

يُعتبر السلوك السياسي في المؤسسات ظاهرة طبيعية تظهر في مختلف بيئات العمل، سواء كانت حكومية أو خاصة، غير أنه يصبح قضية تستحق الدراسة والتحليل عندما يبدأ في التأثير بشكل سلبي على بيئة العمل وعلاقات الموظفين. في هذا المقال، سوف نغطي أبعاد السلوك السياسي، أنواعه، أسبابه، وأثره على الأداء المؤسسي، بالإضافة إلى طرق التعامل معه وإدارته.

فهم السلوك السياسي في المؤسسات

السلوك السياسي في المؤسسات يشير إلى الأنشطة والتصرفات التي يشارك فيها الأفراد بهدف الحصول على القوة أو التأثير على القرارات داخل المؤسسة. يمكن أن يتم هذا التأثير عن طريق مجموعة متنوعة من الوسائل، مثل بناء التحالفات، التلاعب بالمعلومات، والمناورة للحصول على مكاسب شخصية أو مهنية. يختلف السلوك السياسي من مؤسسة لأخرى بناءً على ثقافتها، هيكلها التنظيمي، ونوع القيادة السائدة فيها.

يمكن تعريف السلوك السياسي في المؤسسة بشكل أوسع على أنه استخدام الأفراد لاستراتيجيات وأساليب غير رسمية وغير مباشرة للتأثير على العمليات المؤسسية. وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة قد لا تكون بالضرورة غير قانونية أو غير أخلاقية، فإنها قد تؤدي إلى خلق بيئة عمل مليئة بالضغوط والتوترات.

أبعاد السلوك السياسي

1. التأثير والمناورة
   
   يتمثل هذا البعد في قدرة الأفراد على التأثير في القرارات التي تؤثر عليهم وعلى زملائهم في العمل. في هذا السياق، قد يستخدم البعض أساليب مثل تقديم معلومات ناقصة أو تحريف الحقائق للحصول على نتائج لصالحهم، في حين قد يتعاون آخرون مع مجموعات معينة لبناء تحالفات للحصول على دعم لتحقيق أهدافهم الشخصية.

2. التحالفات والائتلافات
   
   يعد بناء التحالفات من أهم الأدوات التي يستخدمها الأفراد لتعزيز قوتهم في المؤسسات. قد تكون هذه التحالفات مؤقتة أو طويلة الأمد، وهي تهدف إلى تعزيز المواقف الشخصية أو لتحقيق مصالح مشتركة. التحالفات يمكن أن تكون مثمرة إذا كانت قائمة على الثقة المتبادلة، لكنها قد تكون ضارة إذا كانت تستخدم في التلاعب بالآخرين.

3. المنافسة غير الشفافة
   
   تظهر هذه الظاهرة عندما يتنافس الأفراد على المناصب أو الموارد داخل المؤسسة باستخدام استراتيجيات غير مباشرة أو حتى مضللة. ففي هذه البيئة التنافسية، قد يتلاعب البعض بالمعلومات أو يقومون بتقليص نجاحات الآخرين لإبراز أنفسهم بشكل أكبر.

4. استخدام المعلومات والسلطة
   
   من الأبعاد المهمة في السلوك السياسي في المؤسسات هو كيفية التعامل مع المعلومات. قد يسعى الأفراد إلى السيطرة على المعلومات أو تسريبها لتحقيق أهداف شخصية. في بعض الحالات، قد يتم استخدام المعلومات بشكل انتقائي أو تحريف الحقائق لتعزيز موقف معين أو لتقويض آخر.

أنواع السلوك السياسي

1. السلوك السياسي الإيجابي
   
   يشمل هذا النوع من السلوك التفاعل البناء والإيجابي مع الآخرين، حيث يسعى الأفراد إلى تحقيق أهداف المؤسسة من خلال التعاون مع الآخرين واستخدام تأثيرهم بشكل يحقق الفائدة المشتركة. يعتبر هذا النوع من السلوك ضروريًا في بيئات العمل التي تعتمد على التعاون بين الفرق والجماعات.

2. السلوك السياسي السلبي
   
   يتسم هذا النوع من السلوك بالتصرفات التي تهدف إلى تقويض الآخرين من أجل تحقيق مكاسب شخصية. قد يشمل هذا التصرف التلاعب، والتحايل، واستخدام الخداع لتحقيق مصلحة خاصة على حساب الآخرين. على الرغم من أن هذا النوع من السلوك قد يؤدي إلى مكاسب قصيرة المدى لبعض الأفراد، إلا أنه غالبًا ما يضر بالبيئة المؤسسية بشكل عام ويؤدي إلى تدهور الثقة بين الموظفين.

أسباب السلوك السياسي في المؤسسات

يعود ظهور السلوك السياسي في المؤسسات إلى مجموعة من الأسباب، منها:

1. الضغوط الاقتصادية والإدارية
   
   تواجه المؤسسات في العديد من الأحيان ضغوطًا اقتصادية ومالية قد تدفع الأفراد إلى اتخاذ خطوات سياسية لتحقيق أهدافهم الشخصية، مثل تأمين فرص مالية أو ترقيات. عندما تكون الموارد محدودة، قد يستخدم البعض الأساليب السياسية لتحقيق مكاسب إضافية.

2. الهيكل التنظيمي والمناصب القيادية
   
   تؤثر الهياكل التنظيمية على درجة المنافسة والسلوك السياسي داخل المؤسسات. في المؤسسات التي تكون فيها المناصب القيادية محصورة في أيدي عدد قليل من الأفراد، قد ينشأ ضغط على باقي الموظفين لتبني سلوك سياسي لتحقيق الترقيات أو المكافآت.

3. عدم وضوح القواعد والسياسات
   
   عندما تكون القواعد والسياسات المؤسسية غير واضحة أو غامضة، يسهل على الأفراد التلاعب بها واستخدامها لصالحهم. في بعض الأحيان، قد يؤدي هذا الغموض إلى تفشي السلوك السياسي غير الصحي داخل المؤسسة.

4. الثقافة المؤسسية
   
   تلعب الثقافة المؤسسية دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الأفراد داخلها. في المؤسسات التي تشجع على التنافس الحاد والإنجازات الفردية، يكون من الشائع أن يظهر السلوك السياسي بشكل أكثر وضوحًا.

أثر السلوك السياسي على المؤسسة

1. التأثير على الأداء الفردي والجماعي
   
   يمكن أن يكون للسلوك السياسي تأثير مزدوج على الأداء داخل المؤسسة. من جهة، قد يؤدي استخدام أساليب سياسية في بيئة العمل إلى تحسين الوضع الوظيفي لبعض الأفراد في المدى القصير. ومن جهة أخرى، قد تؤدي هذه الأساليب إلى تدهور الأداء الجماعي على المدى الطويل، حيث يركز الأفراد على مصالحهم الشخصية بدلاً من المصلحة العامة للمؤسسة.

2. زيادة التوترات والصراعات
   
   من الآثار السلبية المترتبة على السلوك السياسي في المؤسسات هو زيادة التوترات والصراعات بين الأفراد والجماعات داخل المؤسسة. عندما يتبنى البعض سلوكيات تهدف إلى تحقيق مصالحهم على حساب الآخرين، تنشأ بيئة من عدم الثقة والصراعات المستمرة.

3. انخفاض الولاء المؤسسي
   
   يؤدي السلوك السياسي السلبي إلى انخفاض مستوى الولاء والانتماء للمؤسسة بين الأفراد. عندما يشعر الموظفون بأن القرارات لا تعتمد على معايير موضوعية بل على تحالفات سياسية، يتراجع مستوى التزامهم بالمؤسسة وقدرتها على تحقيق أهدافها.

إدارة السلوك السياسي في المؤسسات

1. وضع سياسات واضحة وشفافة
   
   لإدارة السلوك السياسي بشكل فعال، يجب أن تكون هناك سياسات وإجراءات واضحة تحدد كيف يتم اتخاذ القرارات داخل المؤسسة. يجب أن تكون هذه السياسات شفافة وتساعد في تقليل الفرص للتلاعب بالمعلومات أو استغلال السلطة بشكل غير لائق.

2. تعزيز ثقافة التعاون
   
   تعزيز ثقافة التعاون والشفافية داخل المؤسسة يمكن أن يقلل من الحاجة إلى السلوك السياسي السلبي. عندما يشعر الأفراد بأنهم جزء من فريق واحد يعمل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، تنخفض فرص تزايد السلوك السياسي غير الصحي.

3. المكافآت المستندة إلى الأداء الفعلي
   
   بدلاً من الاعتماد على التحالفات السياسية لتحقيق التقدم في العمل، يجب أن تكون المكافآت والترقيات مرتبطة بالأداء الفعلي للأفراد. عندما يثق الموظفون في أن تقدمهم يعتمد على عملهم الجاد ونتائجهم، يزداد تحفيزهم ويقل احتمال ظهور السلوك السياسي الضار.

خاتمة

السلوك السياسي في المؤسسات ظاهرة غير قابلة للتجنب بالكامل، لكنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير على بيئة العمل وأداء المؤسسة إذا لم يتم التعامل معه بالشكل الصحيح. لذلك، يجب أن تعمل المؤسسات على تطوير بيئة من الشفافية والتعاون، مع التأكيد على القيم الأخلاقية في التعامل بين الأفراد. كما يجب أن تكون هناك استراتيجيات فعالة لمكافحة السلوك السياسي السلبي في بيئة العمل، بما في ذلك السياسات الواضحة، تعزيز ثقافة الثقة، ومكافأة الأداء الفعلي.

من خلال هذه الإجراءات، يمكن للمؤسسات أن تبني بيئة عمل صحية تشجع على التميز والابتكار، وفي الوقت نفسه تحمي نفسها من الأضرار الناتجة عن السلوك السياسي المفرط أو الضار.