الزهري: الأسباب والأعراض والعلاج

يُعد مرض الزهري أحد أقدم الأمراض المنقولة جنسياً وأكثرها خطورة إذا لم يُشخّص ويُعالج في الوقت المناسب. تعود أصول هذا المرض إلى قرون مضت، ولا يزال يشكل تهديداً صحياً عالمياً رغم التقدم الطبي الحديث. يتسبب به نوع من البكتيريا الحلزونية تُدعى Treponema pallidum، وينتقل أساساً من خلال الاتصال الجنسي، ولكنه قد ينتقل أيضاً من الأم إلى الجنين، مما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تُعرف بالزهري الخِلقي. ويتميّز هذا المرض بمراحله المتعددة وأعراضه المتنوعة التي قد تكون خادعة، ما يجعل تشخيصه صعباً في بعض الأحيان.

البكتيريا المسببة للزهري

تُعرف البكتيريا المسببة للزهري باسم Treponema pallidum، وهي بكتيريا لولبية الشكل شديدة الحساسية للظروف البيئية مثل الجفاف والحرارة، ولا يمكن أن تعيش طويلاً خارج الجسم البشري. تنتقل البكتيريا من شخص مصاب إلى آخر عبر الاتصال الجنسي المباشر بقرحة الزهري أو من خلال التلامس المباشر مع الأغشية المخاطية المصابة أو الجلد المتشقق.

طرق انتقال العدوى

• الاتصال الجنسي: يُعد الاتصال الجنسي غير المحمي (المهبلي، الشرجي، أو الفموي) الوسيلة الرئيسية لانتقال العدوى.

• من الأم إلى الجنين: يمكن أن تنتقل البكتيريا إلى الجنين خلال فترة الحمل عبر المشيمة، مسببة الزهري الخِلقي.

• الدم ومشتقاته: نادراً ما تنتقل العدوى عبر نقل الدم، بسبب تقنيات الفحص الحديثة، ولكنها كانت سبباً قديماً للعدوى.

• الاتصال المباشر بالقروح: قد يُصاب الأشخاص بالعدوى من خلال التلامس مع قرحة مفتوحة موجودة على الفم أو الأعضاء التناسلية أو حتى على الجلد.

المراحل السريرية للزهري

ينقسم مرض الزهري إلى أربع مراحل سريرية رئيسية، كل منها تتميز بأعراض محددة، وقد تمتد فترة حضانة المرض من 10 إلى 90 يوماً بعد التعرض الأول للبكتيريا.

1. الزهري الأولي

يتميز بظهور قرحة واحدة أو أكثر تُعرف باسم “القرحة الصلبة”، وتكون غير مؤلمة وتظهر في مكان دخول البكتيريا، غالباً في الأعضاء التناسلية أو الفم. تشفى هذه القرحة من تلقاء نفسها خلال 3 إلى 6 أسابيع حتى بدون علاج، ما يؤدي إلى تجاهل المرض في كثير من الأحيان.

2. الزهري الثانوي

تبدأ هذه المرحلة بعد أسابيع من شفاء القرحة الأولى، وتتميز بأعراض عامة تشمل:

• طفح جلدي غير حاك على راحتي اليدين وباطن القدمين

• تقرحات مخاطية في الفم أو الأعضاء التناسلية

• حمى وتضخم في الغدد اللمفاوية

• تساقط الشعر غير المبرر

• آلام في العضلات والمفاصل

• الشعور بالإعياء العام

تختفي الأعراض في هذه المرحلة أيضاً من تلقاء نفسها ولكن دون علاج، يدخل المرض في مرحلة خمود.

3. الزهري الكامن

في هذه المرحلة، لا تظهر أعراض سريرية واضحة، ولكن البكتيريا لا تزال نشطة في الجسم ويمكن أن تُكتشف فقط عبر التحاليل المصلية. قد تستمر هذه المرحلة سنوات، وفي بعض الحالات لا يتطور المرض إلى المرحلة التالية.

4. الزهري الثالثي (المتأخر)

تُعد هذه المرحلة أخطر مراحل الزهري، وتحدث بعد مرور 10 إلى 30 عاماً من الإصابة الأولية إذا لم يتم علاج المرض. تتسبب هذه المرحلة في أضرار جسيمة للأعضاء الحيوية وتشمل:

• الزهري القلبي الوعائي: تلف الشريان الأورطي وصمامات القلب

• الزهري العصبي: إصابة الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى فقدان التوازن، الخرف، أو حتى الشلل

• الزهري العُقيدي: ظهور تكتلات تُعرف بالـ”صُمغيات” في الجلد أو العظام أو الكبد

الزهري الخِلقي

عندما تنتقل العدوى من الأم المصابة إلى الجنين، قد يؤدي ذلك إلى وفاة الجنين داخل الرحم أو بعد الولادة، أو إلى مضاعفات خطيرة مثل:

• تشوهات خلقية في العظام والأسنان

• تلف الكبد والطحال

• فقر الدم الشديد

• الصمم أو العمى

ولهذا يُعد إجراء فحوصات الزهري ضمن الفحوصات الدورية للحوامل أمراً بالغ الأهمية.

تشخيص الزهري

يتم تشخيص الزهري من خلال مجموعة من الفحوصات المخبرية المعتمدة، وتنقسم هذه الفحوصات إلى نوعين:

• فحوصات غير مخصصة (Non-Treponemal Tests): مثل VDRL وRPR، وهي تقيس الأجسام المضادة غير المحددة وتُستخدم للرصد الأولي ولمتابعة فعالية العلاج.

• فحوصات مخصصة (Treponemal Tests): مثل FTA-ABS وTPHA، وهي أكثر دقة وتؤكد وجود العدوى عبر الكشف عن أجسام مضادة لبكتيريا الزهري بشكل مباشر.

في حال الاشتباه بوجود مضاعفات عصبية، قد يُطلب إجراء تحليل للسائل الدماغي الشوكي (CSF) لتقييم وجود الزهري العصبي.

العلاج

العلاج الرئيسي للزهري هو البنسلين، ويُعد فعالاً بنسبة تتجاوز 95% إذا تم إعطاؤه في الوقت المناسب. يشمل العلاج:

بالنسبة للأشخاص الذين لديهم حساسية من البنسلين، قد تُستخدم أدوية بديلة مثل الدوكسيسيكلين أو الأزيثرومايسين، ولكنها أقل فعالية. ويُفضل في هذه الحالة إخضاع المريض لإزالة التحسس من البنسلين في الحالات المتقدمة أو أثناء الحمل.

الوقاية والسيطرة

• استخدام الواقي الذكري بشكل صحيح عند ممارسة الجنس.

• إجراء الفحوصات الدورية خاصة للأشخاص ذوي العلاقات الجنسية المتعددة أو المعرضين للخطر.

• علاج الشريك الجنسي لتفادي إعادة العدوى.

• الامتناع عن ممارسة الجنس حتى الانتهاء من العلاج بشكل كامل.

• برامج التثقيف الصحي والتوعية المجتمعية تلعب دوراً محورياً في خفض معدلات الإصابة.

الأثر الاجتماعي والنفسي للمرض

إضافة إلى الأعراض الجسدية، يترك مرض الزهري أثراً نفسياً واجتماعياً كبيراً على المصابين به، حيث قد يؤدي إلى الشعور بالخجل، العزلة، والوصمة الاجتماعية، ما يدفع بعض المرضى إلى إخفاء إصابتهم وتأخير العلاج. هذا التأخير لا يُعزز فقط من خطر تطور المضاعفات، بل يساهم في استمرار سلاسل العدوى.

الزهري في الأوساط الطبية والوبائية

رغم توفر وسائل التشخيص والعلاج، يُسجل مرض الزهري ارتفاعاً نسبياً في عدد الحالات في بعض الدول، خصوصاً في الفئات ذات السلوكيات الجنسية العالية الخطورة، مثل ممارسي الجنس التجاري أو العلاقات المتعددة بدون حماية. وقد أدت هذه العودة إلى دعوة منظمة الصحة العالمية إلى تكثيف برامج الوقاية والفحص الدوري.

التحديات المستقبلية

• مقاومة المضادات الحيوية: لوحظت حالات مقاومة محدودة لبعض أدوية الصف الثاني، ما يجعل البنسلين الخيار الأمثل.

• التثقيف الجنسي الناقص في بعض المجتمعات يعرقل جهود الوقاية.

• تغير أنماط العلاقات الجنسية وتسارع وسائل التعارف الرقمي قد يزيد من فرص انتقال العدوى.

الخاتمة

مرض الزهري من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة ويمكن علاجها تماماً في حال الاكتشاف المبكر. تكمن خطورته في صمته المُبكر وتنوع مراحله، ما يجعله هدفاً رئيسياً في برامج الصحة العامة. إن الاستثمار في الفحص الدوري والتوعية، إلى جانب تحسين الوصول إلى العلاج، هو حجر الأساس للحد من انتشار هذا المرض وضمان صحة المجتمع.

المراجع:

• World Health Organization (WHO) – Sexually transmitted infections (STIs)

• Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Syphilis Fact Sheet

• Mayo Clinic – Syphilis Disease Overview

• Clinical guidelines for the treatment of STDs – U.S. Department of Health and Human Services