الزلازل والبراكين: أسرار الطبيعة

الزلازل والبراكين: الظواهر الطبيعية بين التدمير والتوازن الجيولوجي

تُعد الزلازل والبراكين من أبرز الظواهر الجيولوجية التي تتجلى فيها قوى الطبيعة بأكثر أشكالها شدة وتأثيرًا، وهما في آنٍ واحد ظاهرتان مترابطتان ومتجذرتان في بنية كوكب الأرض. ورغم كونهما من الكوارث الطبيعية التي تهدد الأرواح والممتلكات، فإن لهما أيضًا دورًا حيويًا في تشكيل سطح الأرض، وتحديد معالمه الجغرافية، وإعادة توزيع طاقاته الداخلية. ومن خلال هذا المقال الموسع، نغوص في عمق الظاهرتين، نستعرض أسبابهما وآثارهما، ونتتبع تاريخهما وعلاقتهما بالبنية التكتونية للأرض، كما ندرس الوسائل الحديثة لرصد الزلازل والبراكين والتقليل من أخطارهما.

أولًا: الزلازل – اهتزازات الأرض المفاجئة

تعريف الزلازل

الزلزال هو اهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الأرضية التي تنتج عن انطلاق مفاجئ للطاقة من باطن الأرض بسبب حركة الصفائح التكتونية أو تصدعات الصخور في القشرة الأرضية. تُعرف نقطة الانطلاق في باطن الأرض بـ”بؤرة الزلزال”، بينما تُسمى النقطة الواقعة مباشرة فوقها على سطح الأرض بـ”مركز الزلزال”.

أسباب الزلازل

تنشأ الزلازل نتيجة عدة أسباب، أبرزها:

1. حركة الصفائح التكتونية: يعتبر هذا السبب الرئيسي للزلازل، إذ يؤدي تصادم أو تباعد أو انزلاق الصفائح إلى تراكم الطاقة، ثم انفجارها على هيئة اهتزاز.

2. الانهيارات الأرضية أو الجبلية: قد تتسبب التغيرات الجيولوجية المفاجئة، كحدوث انهيارات ضخمة، في توليد زلازل محلية.

3. النشاط البركاني: الانفجارات البركانية العنيفة قد ترافقها زلازل نتيجة تحرك الصهارة داخل القشرة الأرضية.

4. النشاط البشري: بعض الأنشطة الصناعية، كحفر الآبار العميقة أو التفجيرات النووية، قد تؤدي إلى زلازل صناعية.

أنواع الزلازل

تصنف الزلازل حسب مصدرها إلى:

• زلازل تكتونية: تحدث نتيجة حركة الصفائح.

• زلازل بركانية: ترافق أو تسبق النشاط البركاني.

• زلازل انزلاقية: تنشأ عن انهيارات أرضية مفاجئة.

• زلازل صناعية: مرتبطة بأنشطة الإنسان.

قياس الزلازل

يُقاس الزلزال وفق معيارين:

• الطاقة المنطلقة (القدر): باستخدام مقياس ريختر، الذي يبدأ من 0 ويُعدّ الزلزال خطيرًا عند تجاوزه 6 درجات.

• شدة التأثير (الشدة): باستخدام مقياس ميركالي، وهو مقياس وصفي يعتمد على الآثار الظاهرة.

آثار الزلازل

تؤدي الزلازل إلى آثار مدمرة تشمل:

• انهيار المباني والمنشآت الحيوية.

• حرائق واسعة بسبب انفجار أنابيب الغاز.

• تسونامي في حال حدوث الزلزال تحت البحار.

• تشريد السكان وزعزعة البنية الاقتصادية والاجتماعية.

ثانيًا: البراكين – الغضب الناري للأرض

تعريف البركان

البركان هو فتحة في سطح الأرض تندفع منها الصهارة (الماجما) والغازات والرماد بفعل الضغط الهائل الموجود في باطن الأرض. وتتشكل حول الفتحة تراكيب جبلية تُعرف باسم المخروط البركاني.

آلية تشكل البراكين

تنشأ البراكين نتيجة انصهار الصخور في عمق الأرض تحت تأثير الضغط والحرارة، ثم تتجمع هذه الصهارة في حجرات بركانية. وعندما يتزايد الضغط الداخلي، تخترق الصهارة القشرة الأرضية وتندفع إلى الخارج.

أنواع البراكين

تصنف البراكين حسب نشاطها إلى:

1. براكين نشطة: تستمر في النشاط بانتظام.

2. براكين خامدة: لم تثُر منذ مدة طويلة لكنها قد تثور مستقبلاً.

3. براكين منتهية: لم تعد قادرة على الثوران نتيجة انسداد فوهتها.

كما تصنف حسب شكلها إلى:

• البراكين الدرعية: ذات انحدار بسيط وانفجارات هادئة.

• البراكين المركبة: ذات انفجارات عنيفة ومخروط حاد.

• البراكين الرمادية: تقذف الرماد والحجارة وتنتج غازات خانقة.

أماكن تواجد البراكين

تتوزع البراكين بشكل رئيسي في المناطق الواقعة على حدود الصفائح التكتونية، خاصة في:

• حلقة النار في المحيط الهادئ.

• الصدوع الكبيرة في شرق إفريقيا.

• جزر المحيط الهادئ.

• الأناضول والبحر المتوسط.

الآثار المترتبة على البراكين

رغم أن البراكين تُعد من أخطر الكوارث الطبيعية، فإنها تحمل آثارًا مزدوجة:

آثار سلبية:

• تدمير البنية التحتية والمزارع.

• خسائر بشرية فادحة بسبب الغازات السامة والحمم.

• تهجير جماعي للسكان في المناطق المهددة.

آثار إيجابية:

• تكوين تربة بركانية غنية بالعناصر المعدنية.

• تشكيل جزر جديدة في المحيطات.

• استخراج معادن نادرة من الصخور البركانية.

العلاقة بين الزلازل والبراكين

غالبًا ما تكون الزلازل والبراكين مترابطتين، إذ إن النشاط البركاني يسبق أو يصاحب الزلازل، كما أن المناطق التكتونية النشطة تُعد بؤرًا لهاتين الظاهرتين. وتُعد الحدود التكتونية، سواء كانت تصادمية أو انزلاقية أو تباعدية، مواضعًا مثالية لظهورهما معًا.

ويُلاحظ هذا الترابط في المناطق مثل:

• الفلبين: تشهد زلازل متكررة وبراكين نشطة.

• اليابان: تجمع بين كثافة الزلازل وكثرة البراكين.

• أيسلندا: نشاط بركاني وزلزالي مرتفع نتيجة موقعها فوق صدع تكتوني.

تقنيات الرصد والوقاية

الزلازل

• محطات الرصد الزلزالي: تعتمد على أجهزة “السيزموغراف” لتسجيل الاهتزازات الأرضية.

• الخرائط الزلزالية: توضح الخطوط الزلزالية الأكثر خطورة لتحديد أماكن البناء الآمن.

• تصاميم هندسية مقاومة للزلازل: تشمل أنظمة امتصاص الصدمات واستخدام مواد بناء مرنة.

• نظم الإنذار المبكر: تعتمد على الكشف المبكر للهزات لتوفير وقت للإخلاء.

البراكين

• أجهزة قياس الغاز والحرارة: تراقب انبعاث الغازات والحرارة من الفوهات.

• تصوير الأقمار الصناعية: ترصد تحركات القشرة الأرضية وتغيرات درجة الحرارة.

• أجهزة قياس التمدد الأرضي: تُظهر تغير شكل المخروط البركاني.

• خطط الطوارئ: تشمل تدريب السكان، وتحديد مناطق الإخلاء السريع، وتوزيع أقنعة واقية.

أشهر الزلازل والبراكين عبر التاريخ

البراكين والزلازل ودورهما في تشكيل الأرض

رغم قسوتهما، فإن الزلازل والبراكين لعبتا دورًا رئيسيًا في تشكيل ملامح الأرض كما نعرفها اليوم:

• تكون الجبال نتيجة تصادم الصفائح، كما في جبال الهيمالايا.

• تشكّل الجزر البركانية مثل هاواي نتيجة نشاط الصهارة.

• توزيع المعادن والعناصر الغذائية في التربة بفعل الرماد البركاني.

• فتح مسارات للمياه الجوفية والأنهار الجبلية بسبب الشقوق الناتجة عن الزلازل.

الزلازل والبراكين في العالم العربي

رغم أن المنطقة العربية لا تُعد من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا، إلا أن بعض المناطق تقع ضمن نطاقات نشاط نسبي:

• شمال المغرب والجزائر: منطقة التقاء الصفائح الأوروبية والإفريقية.

• شمال غرب سوريا ولبنان: على صدع البحر الميت التحويلي.

• الجزيرة العربية: تحتوي على البراكين الخامدة، مثل بركان “المدينة المنورة” الذي شهد ثورانًا في عام 1256م.

• اليمن: نشاط زلزالي وبركاني على صدع البحر الأحمر.

خاتمة

إن الزلازل والبراكين، رغم كونهما من أكثر الظواهر الطبيعية رعبًا، إلا أنهما يكشفان عن نبض الكوكب الداخلي وآليات توازنه الديناميكي. فهما يساهمان في تكوين الجبال، وتجديد التربة، وتوزيع الطاقة الجوفية. وبفهم هذه الظواهر ورصدها والتكيف معها، يمكن للبشرية أن تقلل من أخطارها وتستفيد من منافعها في الزراعة والطاقة والتوسع العمراني الآمن.

المراجع:

1. Press, F. & Siever, R. (2001). Understanding Earth. W.H. Freeman & Company.

2. USGS – United States Geological Survey. www.usgs.gov