الفرق بين الزكاة والصدقة: مفهومهما وأحكامهما في الإسلام
يعدّ مفهوم الزكاة والصدقة من المفاهيم المركزية في الدين الإسلامي، حيث يشتركان في العديد من المبادئ ويهدفان إلى تعزيز روح التعاون والمساعدة في المجتمع. ومع ذلك، يُلاحظ أن هناك فروقًا واضحة بينهما من حيث الأحكام، والأهداف، والشروط التي تحكم كل منهما. في هذا المقال، سنقوم بتوضيح الفروق الجوهرية بين الزكاة والصدقة من خلال استعراض تعريف كل منهما، وأهميتهما، وأحكامهما، وآثارها في المجتمع المسلم.
أولاً: تعريف الزكاة
الزكاة في اللغة تعني النماء والزيادة، وكذلك الطهارة. وهي فرض من فروض الإسلام، تهدف إلى تطهير المال وتنميته، وفقًا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية. فهي فرض على المسلم القادر الذي يمتلك النصاب (الحد الأدنى من المال) الذي يمر عليه عام هجري كامل، ويجب عليه أن يُخرج جزءًا معينًا من ماله لصالح الفقراء والمحتاجين.
الزكاة تمثل عبادة مالية يُؤدى بها المسلم واجبًا دينيًا، حيث أن أداءها لا يقتصر على تلبية حاجات الفقراء فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل تطهير النفس وتنمية المال وزيادة البركة في الرزق.
ثانيًا: تعريف الصدقة
الصدقة هي كل ما يُعطى من مال أو منفعة لوجه الله تعالى، سواء كان المبلغ قليلاً أو كثيراً. تُعدّ الصدقة تطوعًا، وليست فرضًا على المسلم، ويمكن للإنسان أن يتصدق بما يشاء وحينما يشاء، بغض النظر عن حالته المالية أو مرور عام هجري على ماله.
على الرغم من أن الصدقة تأتي بمفهوم عام يشمل أي نوع من أنواع البذل والعطاء، إلا أن هناك تقسيمات متنوعة لها مثل الصدقات الجارية (التي تعود بالفائدة المستمرة) والصدقات العينية (التي تكون من مال أو خدمات تقدم للآخرين).
ثالثًا: الفرق بين الزكاة والصدقة من حيث الفرضية والاختيار
أحد أبرز الفروق بين الزكاة والصدقة يكمن في صفة الوجوب والاختيار. فبينما الزكاة فرض واجب على المسلم الذي تنطبق عليه شروطها، فإن الصدقة تعتبر تطوعية ولا تجب على المسلم بشكل محدد. هذا الاختلاف يجعل الزكاة عبادة مالية لها ثواب عظيم، بينما الصدقة تعتبر عملًا خيرًا يُثاب عليه الفرد بقدر ما يقدمه من مال أو خدمات.
إن الفرضية في الزكاة تعني أنها ملزمة، بحيث لا يجوز للإنسان أن يتنازل عنها إذا كان المال الذي يمتلكه يصل إلى النصاب ويحول عليه الحول. في حين أن الصدقة يمكن للإنسان أن يتصدق بها في أي وقت يشاء، وبأي مقدار يشاء.
رابعًا: الفرق في مقدار العطاء
يختلف مقدار الزكاة عن مقدار الصدقة اختلافًا جوهريًا. حيث أن الزكاة يتم تحديد مقدارها بشكل ثابت، وهو 2.5% من المال الذي يمر عليه عام هجري كامل وتجاوز النصاب. هذه النسبة تكون ثابتة لا تتغير إلا بتغير النصاب أو قيمة المال.
أما الصدقة، فلا يوجد حد ثابت للمقدار الذي يمكن التصدق به. إذ يحق للمسلم التصدق بأي مبلغ يعبر عن صدق نيته ورغبته في المساهمة في الخير. قد تكون الصدقة بمبلغ ضئيل مثل درهم أو جزء من الطعام، أو قد تكون بمبالغ ضخمة كالملايين، بحسب قدرة الشخص ورغبته.
خامسًا: الفرق في المصارف
الزكاة لها مصارف محددة وواضحة وفقًا للنصوص الشرعية، وقد بيّن القرآن الكريم في سورة التوبة المصارف الثمانية التي يجوز للزكاة أن تُصرف فيها. تشمل هذه المصارف الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب (أي تحرير العبيد)، والغارمين (أي المدينين)، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والذين جُرحوا في سبيل الله.
أما الصدقة فهي أكثر مرونة في مصارفها، ويمكن أن تُعطى لأي شخص محتاج، دون التقيد بالشروط الخاصة التي تحددها الزكاة. قد تكون الصدقة للأقارب، الأصدقاء، أو أي شخص يستحق العون دون الحاجة إلى موافقة أو شروط محددة.
سادسًا: الفوائد والآثار المترتبة على الزكاة والصدقة
الزكاة والصدقة لا تقتصران على تقديم العون للفقراء والمحتاجين، بل لها تأثيرات روحانية ومجتمعية كبيرة.
-
الزكاة:
-
تعمل على تطهير المال وزيادته، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقص مال من صدقة”.
-
تقوي التكافل الاجتماعي، حيث تساهم الزكاة في تقليل الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع.
-
تعمل على تنقية القلوب من البخل والطمع.
-
-
الصدقة:
-
تُعتبر من أعظم الأعمال الصالحة، فهي تُطهر النفس من الأنانية وتُشجع على التضامن والتعاون.
-
الصدقة تطيل العمر وتزيد في الرزق، كما ورد في الأحاديث النبوية.
-
تُعدّ الصدقة من الأعمال التي لا تنقطع فوائدها حتى بعد وفاة الشخص المتصدق، خاصة إذا كانت من نوع “الصدقة الجارية”، مثل بناء المساجد أو توزيع الكتب أو التعليم.
-
سابعًا: الزكاة في الكتاب والسنة
الزكاة جاءت في القرآن الكريم متكررة في العديد من الآيات، مما يدل على أهميتها العظيمة في الإسلام. في قوله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” (البقرة: 43)، نجد أن الزكاة جاءت مقرونة بالصلاة في أكثر من موضع، ما يعكس فرضيتها وأهميتها.
كما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “من آتَ الزكاةَ، فله جزاؤه، ومن تركَها، أُهلكَ” (رواه البخاري)، مما يُبيّن الفوائد الكبيرة التي تعود على المسلم الذي يُخرج زكاته بشكل صحيح.
ثامنًا: الصدقة في الكتاب والسنة
الصدقة، رغم أنها غير مفروضة كما في حالة الزكاة، إلا أنها تحظى بمكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية. وقد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ” (التوبة: 60).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف أهمية الصدقة بقوله: “وَتَدْنِي صَدَقَتُهُ مَنَ النَّارِ”، ما يُظهر فضل العمل الصالح الذي يتمثل في التصدق، حتى وإن كان المبلغ صغيرًا، فيقول: “إذا تصدَّقَ الرجلُ بتمرةٍ فكانتْ تَجعلُه في ميزانه”.
ختامًا: الزكاة والصدقة في بناء مجتمع إسلامي متماسك
إن الزكاة والصدقة هما ركنان أساسيان من أركان بناء مجتمع إسلامي متعاون ومتراحم. فبالزكاة يتم تطهير المال وتقليل التفاوت الاجتماعي، وبالصدقة يعزز المسلم من روح العطاء والكرم. وبينما تكون الزكاة فريضة مالية واضحة المعالم، تعتبر الصدقة نافذة مفتوحة لكل مسلم للإسهام في أعمال الخير.
لذا، يظل كلا من الزكاة والصدقة من أدوات التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع، وتظل لهما آثار إيجابية لا تُعد ولا تُحصى على مستوى الفرد والمجتمع.
