الرقية الشرعية من العين والحسد

طريقة الرقية الشرعية من العين والحسد

الرقية الشرعية تمثل إحدى الوسائل الشرعية التي يعتمدها المسلم للتداوي من الأذى الروحي والنفسي الناتج عن العين والحسد، وهي من السنن الثابتة عن النبي محمد ﷺ. تتجذر مشروعية الرقية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد حرص السلف الصالح على تعلّمها وتطبيقها للحماية من شرور الإنس والجن على حد سواء، خصوصًا ما يتعلق بالحسد والعين، وهما من أعظم ما يصيب النفس ويضعف الجسد.

مفهوم العين والحسد شرعًا

العين والحسد من الآثار الخفية التي تصيب الإنسان بسبب الغيرة أو الإعجاب المقرون بعدم ذكر الله، وغالبًا ما يكون صاحبهما قاصدًا أو غير قاصد. قال رسول الله ﷺ: “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.” [رواه مسلم]، مما يدل على خطورتها وتأثيرها الواقعي. أما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن الغير، وقد ذكر الله الحاسد في قوله: “ومن شر حاسد إذا حسد” [سورة الفلق:5]، دلالةً على ضرورة التحصين منه.

الفرق بين العين والحسد

رغم تقاربهما في التأثير، إلا أن بينهما فروقًا دقيقة:

أعراض العين والحسد

قد تتشابه الأعراض في كثير من الأحيان مع الأمراض النفسية أو العضوية، لكنها تتميز بعدم الاستجابة للعلاج الطبي التقليدي، ومن أبرز هذه الأعراض:

• الشعور بالخمول الشديد دون سبب واضح

• النفور من العبادات خصوصًا الصلاة وقراءة القرآن

• آلام متنقلة في الجسد وخاصة في الظهر والرأس

• اضطرابات في النوم وأحلام مزعجة متكررة

• مشاكل مفاجئة في العلاقات أو الرزق أو الإنجاز

• تغير في ملامح الوجه وشحوب مفاجئ

• تكرار الحوادث أو الأعطال في المنزل أو المركبة

شروط الرقية الشرعية الصحيحة

حتى تكون الرقية الشرعية صحيحة ومقبولة شرعًا، لا بد أن تراعى فيها عدة ضوابط أساسية:

1. أن تكون بكلام الله وأسمائه وصفاته: أي أن تتضمن آيات قرآنية وأدعية مأثورة.

2. أن تكون باللغة العربية المفهومة: مع مراعاة فهم المعاني عند القارئ والمسترقي.

3. أن لا تتضمن طلاسم أو كلمات غامضة: لأن هذا يُدخل في باب الشعوذة.

4. أن لا يعتقد أن الرقية تؤثر بذاتها: بل إن التأثير من الله سبحانه.

5. أن لا تُربط الرقية بدفع مقابل مالي إلزامي: يجوز أخذ الأجرة لكن لا يجوز اشتراطها على المحتاج.

الطريقة التفصيلية للرقية الشرعية من العين والحسد

الخطوة الأولى: النية الخالصة والتوكل على الله

قبل الشروع في الرقية، يجب أن يُهيّئ المسلم قلبه ويُخلص نيته لله، ويستحضر أن الشافي هو الله وحده، وأن الرقية ما هي إلا وسيلة من الوسائل التي شرعها الإسلام.

الخطوة الثانية: الطهارة والبيئة المناسبة

يُستحب أن يكون الراقي والمسترقي على طهارة كاملة، في مكان خالٍ من الموسيقى أو الأصوات العالية، مع تعطير المكان بالروائح الطيبة مثل المسك أو العود، ويفضّل التوجه إلى القبلة أثناء القراءة.

الخطوة الثالثة: قراءة الآيات والأدعية

يُبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ثم يُتبع ذلك بقراءة متأنية وخاشعة للآيات التالية، مع النفث الخفيف بعد كل مجموعة من الآيات:

الآيات القرآنية الأساسية:

1. الفاتحة: سبع مرات

2. آية الكرسي: [البقرة: 255] مرة أو ثلاث مرات

3. الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة: [البقرة: 285-286] مرة

4. سورة الإخلاص: ثلاث مرات

5. سورة الفلق: ثلاث مرات

6. سورة الناس: ثلاث مرات

7. آية: “وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم…” [القلم: 51-52]

8. آيات الحسد مثل:

   • “أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله” [النساء: 54]

   • “ومن شر حاسد إذا حسد” [الفلق: 5]

أدعية نبوية مأثورة:

• “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”

• “باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك”

• “اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا”

الخطوة الرابعة: النفث والمسح

بعد تكرار الآيات والدعاء، يُنفث (نفخ خفيف مع قليل من الرذاذ) في اليدين وتُمسح بهما مواضع الألم أو الجسم كاملًا، ويُفضل تكرار ذلك ثلاث مرات.

الخطوة الخامسة: شرب الماء المقروء عليه

يمكن القراءة على ماء نظيف (ويفضل ماء زمزم إن توافر) بنفس الآيات والدعاء، ثم يُشرب منه ويُغتسل بالباقي صباحًا ومساءً لمدة سبعة أيام متواصلة، مع الإكثار من الاستغفار والدعاء.

التحصينات اليومية للحماية من العين والحسد

التحصين الذاتي هو الحصن الأول ضد العين والحسد. ويشمل ذلك المداومة على أذكار الصباح والمساء، والنفث في اليدين وقراءة الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات قبل النوم، مع المحافظة على:

• قراءة سورة البقرة يوميًا أو تشغيلها في المنزل

• ترديد الأذكار بعد كل صلاة مثل: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”

• تكرار: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق” صباحًا ومساءً

• المداومة على دعاء دخول وخروج المنزل ودعاء ركوب السيارة

استخدام الزيوت والماء في الرقية

من الوسائل المساعدة التي أُثرت عن السلف استخدام:

• زيت الزيتون المرقي: يدهن به الجسم قبل النوم خصوصًا على المفاصل والصدر والبطن.

• الماء المقروء عليه: للشرب والاغتسال.

• الملح الخشن المرقي: يُستخدم أثناء الاستحمام أو يُضاف إلى ماء الاغتسال.

• الورد الطائفي أو ماء الورد: يستخدم في رش المنزل مع آيات الرقية.

ملاحظات مهمة عند الرقية الشرعية

• الالتزام بالقراءة المتأنية والخشوع وعدم التسرع

• الاستمرارية والصبر: فقد يتطلب العلاج أيامًا أو أسابيع

• الابتعاد عن المعاصي والمداومة على الطاعات

• مراقبة الأعراض بعد الرقية: مثل زيادة الألم أو كثرة التثاؤب أو القيء، فهي علامات تفريغ للطاقة السلبية

• عدم التعلق بالراقي أو اعتقاد أن الشفاء مرتبط به، بل هو سبب فقط، والشفاء من الله

العلاج التكميلي مع الرقية

إلى جانب الرقية، يمكن اعتماد خطوات تعزز مناعة الجسد والروح ضد الحسد والعين:

• الاهتمام بالتغذية الصحية وتجنب المنبهات والمنشطات الصناعية

• النوم المنتظم الكافي لدعم الاستقرار النفسي

• الرياضة المعتدلة خصوصًا المشي

• الامتناع عن الشكوى المتكررة أمام الآخرين لأنها قد تثير العين

• التقليل من نشر التفاصيل الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي

متى يُنصح باللجوء إلى راقٍ ثقة؟

في حالات عدم الاستجابة للرقية الذاتية، أو اشتداد الأعراض بشكل يمنع التركيز أو أداء الوظائف اليومية، يُستحب اللجوء إلى راقٍ موثوق ومعروف بالتقوى والعلم الشرعي. ويُشترط في الراقي أن لا يستخدم الطلاسم أو يطلب أمورًا مخالفة للدين، وأن يعتمد على القرآن الكريم فقط.

خاتمة منهجية

الرقية الشرعية من العين والحسد تمثل درعًا إيمانيًا متينًا يحفظ النفس والبدن، وتكمن قوتها في الالتزام بضوابطها والتوكل الصادق على الله، مع التحصين المستمر بأذكار النبي ﷺ وذكر الله في كل حال. إن الالتزام بها يعيد للمرء توازنه النفسي والجسدي، ويمنحه الطمأنينة التي لا ينالها إلا من جعل الله رقيبه وحصنه في كل وقت.

المراجع:

• ابن القيم، “زاد المعاد في هدي خير العباد”

• صحيح مسلم، كتاب السلام، باب: العين حق