الذهان: الأعراض والعلاج

الذهان: المفهوم، الأنواع، الأسباب، والعلاج

يُعد الذهان من الحالات النفسية المعقدة التي تؤثر بشكل عميق على الفكر والسلوك، ويُعتبر من الأمراض العقلية التي قد تصيب الأشخاص في مراحل متفاوتة من حياتهم. يعاني المرضى المصابون بالذهان من فقدان الاتصال بالواقع، مما يؤدي إلى تصورات أو معتقدات خاطئة، كالأوهام والهلاوس. يمكن أن تؤثر هذه الأعراض على قدرة الشخص على القيام بالأنشطة اليومية والوظائف الاجتماعية والعملية. في هذا المقال، سنتناول الذهان بشكل مفصل، بما في ذلك مفهومه، الأنواع المختلفة التي يمكن أن يتخذها، الأسباب المحتملة التي تقف وراءه، بالإضافة إلى طرق العلاج الفعّالة المتاحة.

مفهوم الذهان

الذهان هو حالة نفسية تتسم بفقدان الاتصال بالواقع، ويعني ذلك أن الشخص الذي يعاني من الذهان لا يتمكن من التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. يتسم الذهان بوجود اضطرابات ملحوظة في التفكير، مثل الأوهام (المعتقدات الخاطئة التي لا تستند إلى الواقع) والهلاوس (المشاهدات أو الأصوات أو الأحاسيس غير الحقيقية). هذه الأعراض قد تكون شديدة بحيث تؤثر على قدرة الشخص على التفكير المنطقي واتخاذ القرارات الصائبة.

عند تشخيص الذهان، يتم تقييم الأعراض من خلال عدة معايير طبية ونفسية، ويشمل ذلك مراقبة التغيرات في السلوك والتفكير والعواطف. يمكن أن يظهر الذهان في حالات مرضية مختلفة، وقد يرتبط بعدد من الأمراض النفسية أو الجسدية.

أنواع الذهان

يعتبر الذهان من الحالات التي يمكن أن تتنوع في شكلها ومسبباتها. فيما يلي أهم الأنواع التي يُمكن أن يظهر فيها الذهان:

1. الذهان النفسي (Psychotic Disorder)

الذهان النفسي هو نوع من الاضطرابات العقلية التي تؤدي إلى ظهور الأعراض الذهانية بشكل واضح. من أبرز الأمراض النفسية التي قد يصاحبها ذهان:

• الفصام (Schizophrenia): هو أحد أبرز الاضطرابات الذهانية، ويتميز بوجود أعراض مثل الأوهام (المعتقدات الخاطئة)، والهلاوس (الأصوات أو الصور غير الحقيقية)، والتشويش العقلي، والتفكير غير المنظم.

• الاضطرابات الوجدانية (Mood Disorders): مثل الاضطراب الثنائي القطب، الذي يمكن أن يصاحبه ذهان في فترات الاكتئاب أو الهوس. في هذا النوع من الاضطرابات، قد يختبر الشخص هلاوس أو أوهام تتعلق بمشاعره المتقلبة.

2. الذهان العضوي (Organic Psychosis)

هذا النوع من الذهان يحدث نتيجة لتأثيرات عضوية على الدماغ مثل الإصابة بالأمراض العصبية أو الدماغية. قد تتسبب حالات مثل السكتة الدماغية، أو إصابات الرأس، أو الأورام في الدماغ في ظهور أعراض ذهانية. هذا النوع من الذهان يرتبط بشكل أكبر بالعوامل الفيزيولوجية المادية التي تؤثر بشكل مباشر على نشاط الدماغ.

3. الذهان بسبب تعاطي المخدرات أو الكحول

يُعرف هذا النوع من الذهان باسم “الذهان الناتج عن تعاطي المواد”. تعاطي بعض المواد المهلوسة أو المخدرات مثل LSD أو الكوكايين يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض ذهانية تشمل الهلاوس والضلالات. كما أن الانسحاب المفاجئ من الكحول أو المخدرات يمكن أن يتسبب في أعراض مشابهة.

4. الذهان بسبب الأمراض العامة أو الأمراض المزمنة

يمكن لبعض الأمراض الجسدية المزمنة أو الحادة أن تؤدي إلى ظهور أعراض ذهانية، مثل:

• الإصابة بالعدوى الدماغية: يمكن للعدوى مثل التهاب الدماغ أن تؤدي إلى أعراض ذهانية.

• الأمراض المزمنة: مثل مرض باركنسون أو الزهايمر، يمكن أن تؤدي إلى الذهان في مراحل متقدمة من المرض.

5. الذهان بعد الولادة (Puerperal Psychosis)

يمكن أن يحدث الذهان بعد الولادة نتيجة لاضطرابات هرمونية أو تأثيرات جسدية ونفسية ما بعد الولادة. يُعد هذا النوع من الذهان نادرًا، ولكنه قد يكون خطرًا على الأم والطفل إذا لم يتم التعامل معه بشكل مناسب.

أسباب الذهان

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث الذهان، وتختلف من شخص لآخر حسب الحالة المرضية والبيئة المحيطة. فيما يلي بعض الأسباب الرئيسية التي قد تساهم في ظهور الأعراض الذهانية:

1. الوراثة والعوامل الجينية

تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا بين الوراثة والإصابة بالذهان، خاصة في حالات الفصام. إذا كان هناك تاريخ عائلي لاضطرابات نفسية، فإن فرص الإصابة بالذهان قد تكون أعلى.

2. العوامل البيئية والتعرض للضغوط

قد تلعب العوامل البيئية دورًا في ظهور الذهان، خاصة في الحالات التي تكون فيها الضغوط النفسية شديدة. يمكن أن يؤدي تعرض الشخص لظروف حياتية صعبة أو أحداث مؤلمة إلى تحفيز ظهور الأعراض الذهانية.

3. التغيرات في كيمياء الدماغ

قد تكون هناك اختلالات في كيمياء الدماغ بسبب عدم التوازن في مستويات بعض المواد الكيميائية مثل الدوبامين والسيروتونين. تُعزى هذه التغيرات إلى العديد من الاضطرابات النفسية التي تصاحب الذهان.

4. الإصابات الدماغية والأمراض العصبية

التعرض لإصابات دماغية أو الأمراض العصبية المزمنة، مثل مرض الزهايمر، قد يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ ويؤثر على الوظائف الإدراكية والعاطفية.

5. تعاطي المخدرات والكحول

تعاطي المواد المخدرة والمشروبات الكحولية بكميات كبيرة لفترات طويلة قد يسبب اختلالات دماغية، مما يؤدي إلى ظهور أعراض ذهانية. قد يتسبب الكحول والمخدرات مثل الهيروين والكوكايين في حدوث هلاوس أو أفكار غير منطقية.

6. الاضطرابات النفسية

الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب الشديد أو الاضطراب الثنائي القطب قد تترافق مع أعراض ذهانية. في هذه الحالات، قد يواجه المرضى الأوهام والهلاوس خلال فترات نوبات الاكتئاب أو الهوس.

أعراض الذهان

تتعدد الأعراض الذهانية، ويمكن أن تتفاوت في شدتها وطول مدتها. من أبرز الأعراض التي قد يعاني منها الشخص المصاب بالذهان:

1. الأوهام (Delusions)

الأوهام هي معتقدات خاطئة وغير منطقية، مثل الاعتقاد بأن الشخص يتعرض للملاحقة أو أن لديه قدرات خارقة. الأوهام قد تكون في مجالات مختلفة مثل الدين أو السياسة أو الصحة.

2. الهلاوس (Hallucinations)

الهلاوس هي تجارب حواسية غير موجودة في الواقع، مثل سماع أصوات غير حقيقية أو رؤية أشياء غير موجودة. قد تحدث الهلاوس في أي من الحواس الخمسة (السمع، البصر، اللمس، الشم، التذوق).

3. التشويش العقلي (Cognitive Disorganization)

قد يعاني المصاب بالذهان من اضطراب في التفكير والتركيز. يمكن أن يصبح الكلام غير مترابط أو غير منطقي، وقد يجد الشخص صعوبة في متابعة الأفكار بشكل تسلسلي أو منطقي.

4. تغيرات في السلوك

قد يتصرف الشخص المصاب بالذهان بشكل غريب أو غير مألوف. قد يُظهر سلوكيات غريبة أو عنيفة، أو قد ينفصل عن البيئة الاجتماعية ويعزل نفسه عن الآخرين.

5. ضعف القدرة على التعبير العاطفي

قد يعاني الشخص من صعوبة في التعبير عن مشاعره أو في التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي.

تشخيص الذهان

يتم تشخيص الذهان بناءً على تقييم طبي شامل من قبل أطباء نفسيين أو مختصين في الصحة النفسية. يتضمن التشخيص إجراء مقابلات سريرية مع المريض، واختبارات نفسية متعددة لتحديد نوع الذهان وشدته. قد يتطلب الأمر أيضًا إجراء فحوصات طبية للتأكد من عدم وجود أسباب عضوية أو تعاطي مخدرات كأسباب مبدئية للأعراض الذهانية.

علاج الذهان

يُعد علاج الذهان أمرًا حيويًا لتحسين جودة حياة المرضى والحد من تأثير الأعراض على حياتهم اليومية. يعتمد العلاج على نوع الذهان وسببه، لكن العلاجات الشائعة تشمل:

1. الأدوية المضادة للذهان

تُستخدم الأدوية المضادة للذهان (مثل الأدوية المضادة للدوبامين) للتحكم في الأعراض الذهانية. تعمل هذه الأدوية على تقليل الأوهام والهلاوس، وقد تتطلب بعض الحالات أدوية لفترات طويلة للسيطرة على الأعراض.

2. العلاج النفسي

يُعد العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي