الدوسنتاريا (الزحار): مرض معوي شديد العدوى وتأثيراته الصحية

الدوسنتاريا، المعروف أيضاً باسم الزحار، هو مرض معوي معدي يتسبب في التهاب حاد في الأمعاء الغليظة، ويتميز بإسهال مدمم مصحوب بآلام بطن شديدة وحمى. هذا المرض ينتج عادة عن الإصابة ببكتيريا أو طفيليات تدخل إلى الجهاز الهضمي، وتتسبب في تلف جدار الأمعاء، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مزعجة ومهددة للحياة في بعض الحالات. يُعد الدوسنتاريا من الأمراض المنتشرة عالمياً، خاصة في المناطق ذات الظروف الصحية والبيئية المتدنية، وله تأثير بالغ على الصحة العامة، خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن.

تعريف الدوسنتاريا وأسبابها

الدوسنتاريا هو التهاب معوي حاد يُصاحبه إسهال مدمم (براز يحتوي على دم ومخاط)، وينتج عن نوعين رئيسيين من المسببات:

1. الدوسنتاريا البكتيرية: تحدث غالباً بسبب بكتيريا الشِجيلات (Shigella)، وهي النوع الأكثر شيوعاً وانتشاراً من مسببات الدوسنتاريا، كما قد تسببها أنواع أخرى من البكتيريا مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية (E. coli).

2. الدوسنتاريا الأميبية: ناجمة عن طفيلي يُدعى الأميبا المتحركة (Entamoeba histolytica)، الذي يصيب الأمعاء الغليظة، ويتسبب في تقرحات والتهاب في جدارها، ويُعتبر هذا النوع أكثر شيوعاً في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

كيفية انتقال العدوى

تنتقل الدوسنتاريا بشكل رئيسي عن طريق تناول الماء أو الطعام الملوث ببراز الأشخاص المصابين، أو عبر الاتصال المباشر مع شخص يحمل العدوى، ويزداد خطر الإصابة في الأماكن التي تفتقر إلى النظافة الصحية ومصادر مياه نظيفة.

طرق انتقال العدوى تشمل:

• شرب ماء غير معقم أو ملوث بمياه الصرف الصحي.

• تناول طعام غير نظيف أو غير مطهو جيداً.

• التلامس المباشر مع البراز أو الإفرازات المعوية لشخص مصاب.

• استخدام مراحيض غير صحية أو مشاركة أدوات شخصية ملوثة.

الأعراض السريرية للدوسنتاريا

تظهر أعراض الدوسنتاريا عادة بعد فترة حضانة قصيرة تتراوح بين يومين إلى خمسة أيام من التعرض للعامل المسبب، وتتفاوت شدتها حسب نوع العدوى وحالة المريض العامة، وتتضمن الأعراض الرئيسية:

• إسهال مائي يتحول بسرعة إلى إسهال دموي يحتوي على مخاط وقيح.

• آلام حادة في البطن مع تقلصات معوية.

• حمى مرتفعة قد تصل إلى 39 درجة مئوية أو أكثر.

• الشعور بالغثيان والقيء في بعض الحالات.

• فقدان الشهية والضعف العام.

• الحاجة المتكررة للتبرز مع شعور بعدم الإفراغ الكامل.

• في حالات الأميبا قد تظهر تقرحات معوية وتكون هناك أعراض إضافية مثل نزيف معوي وألم في المستقيم.

المضاعفات المحتملة

إذا لم يُعالج الدوسنتاريا بشكل مناسب، فقد تؤدي العدوى إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• الجفاف الشديد بسبب فقدان سوائل الجسم مع الإسهال المستمر، مما يشكل خطراً على الحياة خاصة لدى الأطفال والرضع.

• تلف الأمعاء الغليظة بسبب التقرحات والتهابات جدار الأمعاء، مما قد يؤدي إلى حدوث نزيف داخلي أو ثقب في الأمعاء.

• تسمم الدم (الانتان) إذا انتشرت العدوى إلى مجرى الدم، وقد يؤدي ذلك إلى حالة صحية حرجة.

• التهاب القولون اللاجرثومي.

• في حالات الدوسنتاريا الأميبية قد تحدث مضاعفات أخرى مثل خراج الكبد الأميبي، وهو تجمع صديدي في الكبد نتيجة انتشار الطفيلي.

التشخيص الطبي للدوسنتاريا

يعتمد تشخيص الدوسنتاريا على التاريخ المرضي والفحص السريري للمريض، مع إجراء بعض الفحوصات المخبرية لتأكيد السبب وتحديد نوع العامل المسبب، وتشمل الفحوصات:

• تحليل عينة من البراز للكشف عن وجود البكتيريا أو الطفيليات (الأميبا) أو خلايا الدم البيضاء والمخاط.

• زراعة البراز لتحديد نوع البكتيريا وتحديد المضاد الحيوي المناسب.

• فحوصات دم للتحقق من علامات الالتهاب أو العدوى.

• في حالات معينة، قد يلجأ الطبيب إلى تصوير البطن بالأشعة أو تنظير القولون لتقييم الضرر الحاصل في الأمعاء.

العلاج الطبي للدوسنتاريا

يعتمد العلاج على نوع الدوسنتاريا وشدة الأعراض، ويهدف إلى القضاء على العامل المسبب وتخفيف الأعراض ومنع المضاعفات، ويشمل:

1. العلاج الدوائي:

• المضادات الحيوية في حالة الدوسنتاريا البكتيرية، وتحديد نوع المضاد يتم بناءً على نتائج الزراعة والحساسية.

• الأدوية الطفيلية مثل الميترونيدازول (Metronidazole) لعلاج الدوسنتاريا الأميبية.

• الأدوية المسكنة وخافضة الحرارة لتخفيف الألم والحمى.

2. معالجة الجفاف:

• تعويض السوائل والأملاح المفقودة عن طريق إعطاء محاليل الإماهة الفموية (ORS) أو في الحالات الشديدة عن طريق الوريد.

• مراقبة حالة المريض للوقاية من مضاعفات الجفاف.

3. النظام الغذائي:

• تجنب الأطعمة الثقيلة والدهنية.

• تناول الأطعمة سهلة الهضم مثل الأرز، الموز، والخضروات المطهية.

• الابتعاد عن منتجات الألبان لفترة حتى تعود وظيفة الأمعاء لطبيعتها.

الوقاية من الدوسنتاريا

تلعب الوقاية دوراً أساسياً في الحد من انتشار المرض، وخاصة في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية، وتشمل إجراءات الوقاية:

• تحسين مصادر المياه لتكون نظيفة وصالحة للشرب.

• غسل اليدين جيداً بالماء والصابون قبل تناول الطعام وبعد استخدام المرحاض.

• تعقيم الطعام وطهيه جيداً.

• استخدام مراحيض صحية والابتعاد عن التلوث البرازي للمياه والتربة.

• التوعية الصحية لتعليم المجتمع بطرق انتقال العدوى وطرق الوقاية.

• في بعض الحالات، يمكن اعتماد التطعيمات الوقائية إذا توفرت.

انتشار الدوسنتاريا وتأثيره الصحي العالمي

تشكل الدوسنتاريا عبئاً صحياً كبيراً في مناطق كثيرة من العالم، خصوصاً في البلدان النامية التي تعاني من ضعف خدمات المياه والصرف الصحي. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُصاب ملايين الأشخاص سنوياً بالدوسنتاريا، ويُعتبر السبب الرئيسي للإسهال الحاد عند الأطفال في تلك المناطق، مما يساهم في معدلات عالية من الوفيات بسبب الجفاف ونقص الرعاية الصحية.

الزحار الأميبي يشكل تحدياً طبياً كبيراً أيضاً، حيث يصعب أحياناً تشخيصه وعلاجه بسبب تشابه أعراضه مع أمراض معوية أخرى، إضافة إلى قدرته على إحداث مضاعفات خطيرة إذا لم يعالج مبكراً.

مقارنة بين الدوسنتاريا البكتيرية والأميبية

تأثير الدوسنتاريا على الفئات السكانية المختلفة

يعتبر الأطفال تحت سن الخامسة من الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الدوسنتاريا بسبب ضعف الجهاز المناعي وسرعة فقدان السوائل، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالجفاف والمضاعفات. كما أن كبار السن والمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو ضعف المناعة هم أكثر عرضة للإصابة بأشكال حادة من المرض.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر ظروف المعيشة السيئة في المناطق الفقيرة بشكل مباشر على انتشار المرض، حيث يعاني السكان من نقص خدمات المياه النظيفة والصرف الصحي، مما يجعل الوقاية صعبة ويتطلب جهوداً مكثفة من المؤسسات الصحية والحكومات.

الخلاصة

الدوسنتاريا أو الزحار هو مرض معوي خطير وشائع ينتج عن عدوى بكتيرية أو طفيلية تؤدي إلى إسهال دموي والتهاب حاد في الأمعاء الغليظة. يتطلب المرض تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً فورياً لمنع المضاعفات الخطيرة التي قد تهدد الحياة. الوقاية عبر تحسين النظافة والصرف الصحي هي الخطوة الأهم للحد من انتشار الدوسنتاريا، خصوصاً في المناطق ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة. يعد الوعي المجتمعي والتدخلات الصحية الفعالة من الركائز الأساسية للسيطرة على هذا المرض والحد من تأثيراته الصحية والاجتماعية.

المصادر:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO): Shigellosis and Amebiasis Fact Sheets

2. كتاب الأمراض المعدية، تأليف: شريف عبد الوهاب، دار النشر الأكاديمية، 2020.