الفرق بين الحنة السوداء والحنة الحمراء
تُعد الحنة من أقدم المواد الطبيعية التي استخدمها الإنسان لأغراض جمالية وعلاجية، حيث ارتبطت بتراث العديد من الثقافات الشرقية والغربية على حد سواء، وأصبحت رمزًا للجمال الطبيعي والعناية الشخصية. ومع تطور الاستخدامات وتعدد الأنواع، بات من الضروري التمييز بين أشكال الحنة المختلفة، لا سيما بين الحنة السوداء والحنة الحمراء، وهما الأكثر شهرة وانتشارًا. تختلف هاتان الحنتان في مصادرهما وتركيباتهما الكيميائية وطرق تحضيرهما، كما تختلف آثارهما الجمالية والصحية، مما يستدعي التعمق في خصائص كل منهما وفهم الفروق الجوهرية بينهما لضمان الاستخدام الآمن والصحيح.
أصل الحنة وتركيبتها الأساسية
تنتمي الحنة الحقيقية إلى نبات Lawsonia inermis الذي ينمو في المناطق الحارة مثل الهند، السودان، مصر، واليمن. تُستخدم أوراق النبات بعد تجفيفها وطحنها للحصول على مسحوق الحنة الطبيعي الذي يميل لونه إلى الأخضر الفاتح، وعند خلطه بالماء أو عصير الليمون فإنه يُكوّن عجينة تُستخدم في صبغ الشعر أو تزيين الجلد برسومات الزينة المؤقتة.
يرجع اللون المحمر الذي تمنحه الحنة الطبيعية إلى وجود مادة اللوسون (Lawsone)، وهي صبغة طبيعية تتفاعل مع بروتين الكيراتين في الشعر أو الجلد، فتمنحه لونًا يميل إلى البرتقالي أو البني المحمر.
أما الحنة السوداء، ففي الغالب لا تُستخرج من نبات الحنة الخالص، بل تكون مزيجًا من الحنة الطبيعية مع مواد مضافة مثل أصباغ صناعية أو نباتات أخرى كالنيلة (Indigofera tinctoria) التي تُستخدم لإنتاج الصبغات الداكنة. كما يُضاف إليها أحيانًا مركب كيميائي يُدعى بارافينيلين ديامين (PPD) لتعزيز اللون الأسود الداكن وإطالة عمره على الجلد أو الشعر.
الفروق الكيميائية بين الحنة الحمراء والسوداء
الحنة الحمراء:
-
تحتوي على مادة اللوسون الطبيعية بنسبة تتراوح بين 1% إلى 4%، وهي المسؤولة عن الصبغة المحمرة.
-
لا تحتوي على أصباغ صناعية أو مواد كيميائية مضافة إذا كانت طبيعية 100%.
-
تحتاج إلى وقت طويل نسبيًا حتى تظهر نتيجتها على الجلد أو الشعر (4-6 ساعات على الأقل).
-
اللون الناتج يتدرج من البرتقالي إلى الأحمر الداكن حسب مدة التطبيق ونوع الشعر أو البشرة.
الحنة السوداء:
-
غالبًا ما تحتوي على خليط من الحنة الحمراء مع النيلة أو مواد نباتية أخرى لإضفاء اللون الداكن.
-
في بعض الأنواع التجارية، يُضاف مركب PPD الذي يُكسب الحنة لونًا أسود قويًا في وقت قصير جدًا.
-
ظهور اللون يكون أسرع (ساعة إلى ساعتين)، لكنه قد يسبب تحسسًا جلديًا أو تهيجًا.
-
تحتوي على نسبة من الأصباغ الكيميائية التي قد تكون غير آمنة في حال الاستخدام المتكرر أو سوء التخزين.
الاستخدامات الشائعة
تُستخدم الحنة الحمراء تقليديًا لصبغ الشعر باللون الأحمر أو البني المحمر، وتزيين اليدين والقدمين برسومات الزينة خاصة في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والأعياد في الثقافات العربية والهندية. كما تُستخدم أحيانًا لتقوية الشعر وتغذيته بفضل محتواها من مضادات الأكسدة.
أما الحنة السوداء فتُستخدم في الغالب لإعطاء الشعر لونًا أسودًا قاتمًا، أو لرسم تاتو مؤقت أسود اللون على الجلد، ويُقبل عليها الكثيرون نظرًا لحدة لونها وسرعة ظهور نتيجتها.
الآثار الجانبية والمخاطر
يُعد استخدام الحنة الحمراء الطبيعية آمنًا نسبيًا إذا كانت نقية وخالية من الإضافات، ولا تسبب عادةً تحسسًا جلديًا ما لم يكن لدى الشخص حساسية خاصة من اللوسون. بل إن لها فوائد محتملة للشعر وفروة الرأس مثل الترطيب وتقوية البصيلات وتقليل القشرة.
في المقابل، قد تسبب الحنة السوداء التي تحتوي على PPD مخاطر صحية معروفة، إذ يمكن أن يؤدي هذا المركب إلى حساسية شديدة قد تظهر في شكل طفح جلدي، احمرار، حكة، أو حتى بثور وتقرحات في الحالات المتقدمة. يُعد PPD من المواد التي يُحظر استخدامها بتركيزات عالية في منتجات التجميل وفقًا لهيئات الرقابة الدوائية في عدة دول.
الفرق في طريقة التحضير والتطبيق
الحنة الحمراء:
-
تُخلط عادةً بالماء الدافئ أو الشاي أو عصير الليمون لإطلاق مادة اللوسون.
-
تُترك العجينة لتتخمر لساعات قبل الاستخدام لزيادة فعالية اللون.
-
يمكن إضافة زيوت طبيعية مثل زيت الزيتون أو زيت جوز الهند لترطيب الشعر أو الجلد أثناء التطبيق.
-
تحتاج إلى فترة أطول لتثبيت اللون.
الحنة السوداء:
-
قد تُباع جاهزة في شكل معجون أو مسحوق.
-
لا تحتاج إلى وقت طويل للتخمر إذا كانت تحتوي على أصباغ صناعية.
-
توضع مباشرةً وتُترك لفترة قصيرة نسبيًا.
-
يُفضل تجنب استخدامها على الجلد لفترات طويلة لتقليل احتمالية التحسس.
الفرق من الناحية الثقافية والتراثية
يحظى استخدام الحنة الحمراء بأهمية ثقافية كبيرة، خاصة في المجتمعات العربية والهندية والإفريقية. إذ ترتبط بمراسم الزواج والاحتفالات الدينية والتقاليد الشعبية، وغالبًا ما تُعتبر رمزًا للبركة والتفاؤل. ولا تزال النساء في بعض القرى يزرعن نبات الحنة بأنفسهن ويحضّرن العجينة يدويًا حفاظًا على النقاء والجودة.
أما الحنة السوداء فظهرت بشكل أوضح مع ظهور الصبغات التجارية الحديثة وتطور أساليب رسم التاتو المؤقت. باتت خيارًا سريعًا وعمليًا لدى فئة الشباب، لكنها أقل ارتباطًا بالعادات التقليدية القديمة.
كيفية التمييز بين الحنة السوداء والحنة الحمراء
يمكن التمييز بينهما بسهولة من خلال اللون والرائحة:
-
مسحوق الحنة الحمراء الطبيعي يكون لونه أخضر عشبي وله رائحة ترابية منعشة.
-
مسحوق الحنة السوداء يكون داكنًا أو مخلوطًا بمساحيق زرقاء أو سوداء، وغالبًا تكون له رائحة اصطناعية أو نفاذة إذا احتوى على PPD.
-
يمكن اختبار الحنة على منطقة صغيرة من الجلد قبل الاستخدام للتأكد من عدم وجود حساسية.
فوائد الحنة الطبيعية للشعر
تُعتبر الحنة الحمراء من أفضل البدائل الطبيعية لصبغات الشعر الكيميائية، حيث تمنح لونًا دافئًا وتساعد في:
-
تغليف الشعر بطبقة تحميه من العوامل البيئية.
-
ترطيب فروة الرأس.
-
الحد من التساقط والتقصف.
-
مكافحة قشرة الرأس بفضل خصائصها المضادة للبكتيريا والفطريات.
-
إضفاء لمعة طبيعية على الشعر.
بدائل الحنة السوداء الآمنة
لمن يرغب في الحصول على لون شعر داكن دون اللجوء إلى PPD، يمكن خلط الحنة الحمراء مع مسحوق النيلة أو الكتم، وهما مكونات طبيعية تضفي درجات البني الداكن أو الأسود دون الحاجة إلى مواد صناعية. يستلزم هذا البديل وقتًا أطول للحصول على اللون المطلوب، لكنه أكثر أمانًا على الصحة.
مقارنة تفصيلية بين الحنة السوداء والحنة الحمراء
فيما يلي جدول يوضح الفروقات الأساسية بين النوعين:
| العنصر | الحنة الحمراء | الحنة السوداء |
|---|---|---|
| المصدر | أوراق الحنة الطبيعية | خليط من الحنة مع النيلة أو أصباغ صناعية |
| اللون الناتج | برتقالي إلى أحمر داكن | أسود أو بني قاتم |
| المكونات المضافة | لا شيء غالبًا | PPD أو أصباغ نباتية أخرى |
| سرعة التلوين | بطيئة نسبيًا (4-6 ساعات) | سريعة (1-2 ساعة) |
| الأمان الصحي | آمنة نسبيًا | قد تسبب تحسسًا أو حساسية |
| الاستخدامات | صبغ الشعر، الزينة التقليدية | صبغ الشعر، التاتو المؤقت |
| الرائحة | عشبية طبيعية | قد تكون نفاذة أو صناعية |
كيفية اختيار الحنة الآمنة
عند شراء الحنة يُفضل دائمًا:
-
التحقق من مصدرها وسمعة المنتج.
-
قراءة المكونات جيدًا والتأكد من خلوها من PPD.
-
اختيار المنتجات العضوية الموثوقة.
-
تجربة كمية صغيرة على منطقة غير ظاهرة للتأكد من عدم وجود حساسية.
-
تجنب شراء الحنة السوداء الجاهزة المجهولة المصدر.
خلاصة
يظل التمييز بين الحنة السوداء والحنة الحمراء ضروريًا لحماية صحة المستخدمين والحفاظ على التراث الطبيعي للحنة الأصيلة. فرغم الإغراءات التي تقدمها الحنة السوداء من حيث سرعة التلوين ووضوح اللون الداكن، إلا أن آثارها الجانبية تجعل الحنة الحمراء الطبيعية أكثر أمانًا وتفوقًا من الناحية الصحية والتراثية. يُنصح دائمًا باختيار الحنة العضوية النقية ومراعاة طرق التحضير الصحيحة لضمان أفضل النتائج.
المصادر:
-
Natural Henna: History, Chemistry and Applications — Journal of Cosmetic Science.
-
Food and Drug Administration (FDA) — Henna and Hair Dyes Regulations.
