سبب آخر لإسعاد الزوجات: الحزن يدفع الفرد إلى الشراء

في عالم يعج بالتقلبات النفسية والاجتماعية، يتخذ الأفراد وسائل متعددة للهروب من الألم العاطفي أو التخفيف من وطأته. ومن بين هذه الوسائل، يبرز السلوك الاستهلاكي كواحد من أكثر الظواهر شيوعاً في المجتمعات الحديثة. فالحزن، بوصفه حالة نفسية معقدة تتداخل فيها عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية، يمكن أن يقود الأفراد، ولا سيما النساء، إلى البحث عن سبل تعويضية، من أبرزها الشراء العاطفي. وقد أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية أن حالات الحزن أو الاكتئاب المؤقت يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على قرارات الشراء والاستهلاك، لتتحول عملية التسوق من نشاط اقتصادي إلى فعل عاطفي بامتياز.

العلاقة النفسية بين الحزن والشراء

تؤكد الأبحاث النفسية الحديثة أن المشاعر السلبية، مثل الحزن والشعور بالفراغ أو الوحدة، تحفز مناطق معينة في الدماغ تدفع الفرد إلى البحث عن مكافآت فورية تعيد له الإحساس بالسيطرة أو الراحة المؤقتة. ويُعتبر التسوق أحد أبرز هذه المكافآت التي تقدم إشباعًا نفسيًا فوريًا. إذ يشعر الشخص بأنه يتحكم بما يقتنيه، ما يخفف من شعوره بالعجز أو فقدان السيطرة الذي قد ينتج عن الحزن.

كما أن التسوق يُحدث تغيرًا بيولوجيًا في الجسم؛ حيث يؤدي إلى إفراز مواد كيميائية مثل “الدوبامين”، التي تُعرف بأنها مسؤولة عن الشعور بالمتعة والسعادة. هذه التفاعلات تجعل الفرد، وخاصة النساء، أكثر ميلاً للشراء في حالات الحزن كآلية لاواعية للتعامل مع الألم العاطفي.

المرأة والتسوق العاطفي: أبعاد نفسية واجتماعية

المرأة بطبيعتها تميل إلى التعبير عن مشاعرها والتعامل معها بشكل أكثر تعقيدًا من الرجل. وفي ظل الضغوط اليومية والتحديات الاجتماعية والعائلية، تميل الكثير من النساء إلى تحويل تجربة التسوق إلى وسيلة للهروب من التوتر والضغوط. وقد وجدت الدراسات أن النساء اللاتي يعانين من الحزن أو الإحباط أكثر ميلاً لشراء الملابس، مستحضرات التجميل، الإكسسوارات، وحتى أدوات المطبخ أو الزينة المنزلية.

هذه المشتريات لا تكون دائمًا ضرورية، بل غالبًا ما تكون انعكاسًا لحاجة داخلية إلى التغيير أو إلى تجديد الصورة الذاتية. في هذه الحالة، لا يكون الغرض من الشراء مجرد امتلاك المنتج، بل يتمثل في الشعور بالتحسن النفسي.

أثر الحزن على الأنماط الاستهلاكية

يتسبب الحزن في تغيّر واضح في نمط الاستهلاك، حيث يتجه الأفراد إلى الإنفاق دون تخطيط أو تفكير اقتصادي عقلاني. وقد أظهرت تجارب سلوكية نُشرت في مجلات علم النفس أن الأشخاص الذين يعانون من حزن مؤقت يكونون مستعدين لدفع مبالغ أكبر للحصول على منتجات مشابهة لتلك التي يشتريها الأفراد في حالتهم الطبيعية. هذه النتائج تشير إلى أن المشاعر السلبية تؤثر بشكل مباشر على تقدير القيمة، وتجعل الأفراد يبالغون في تقدير المنفعة العاطفية للمنتجات.

إسعاد الزوجة كأداة وقائية ضد الشراء العاطفي

في ضوء ما سبق، يتضح أن إسعاد الزوجة، وتوفير مناخ عاطفي صحي لها، ليس فقط تعبيرًا عن الحب أو المسؤولية، بل هو كذلك وسيلة فعالة لحمايتها من الوقوع في فخ الشراء العاطفي الناتج عن الحزن أو القلق. فالزوجة التي تشعر بالتقدير والدعم النفسي من شريك حياتها، تكون أقل عرضة لاستخدام التسوق كوسيلة للهروب من مشاعر سلبية.

عندما يولي الزوج اهتمامًا بمشاعر زوجته، ويدعمها في لحظات ضعفها، فإنه يساهم في بناء توازن نفسي يمنع تشكّل الفجوات العاطفية التي تؤدي إلى السلوك الاستهلاكي المفرط. وهذه الحقيقة تستند إلى أُسس علم النفس العائلي، الذي يربط بين جودة العلاقات الزوجية والاستقرار النفسي للأفراد.

استراتيجيات دعم الزوجة نفسيًا

تتعدد الطرق التي يمكن من خلالها للزوج أن يُسهم في تحسين الحالة النفسية لزوجته وبالتالي التقليل من حاجتها إلى تعويض النقص العاطفي عبر الشراء، ومنها:

• الإنصات الفعّال: الاستماع إلى الزوجة دون إصدار أحكام أو مقاطعتها، يتيح لها التعبير عن مشاعرها ويمدّها بإحساس الأمان العاطفي.

• التقدير اليومي: الإشادة بمجهودها، سواء داخل المنزل أو خارجه، يعزز من ثقتها بنفسها ويُشعرها بقيمتها.

• اللمسة العاطفية: الكلمة الطيبة، العناق، والاهتمام اليومي البسيط يمكن أن تصنع فارقًا كبيرًا في حالتها النفسية.

• المشاركة في المسؤوليات: حين يشعر الشريكان بأنهما فريق واحد، يقل الشعور بالعبء والضغط النفسي.

• تخصيص وقت نوعي: الخروج سويًا، السفر، أو حتى الجلوس معًا بعيدًا عن ضوضاء الحياة اليومية يعزز الرابط العاطفي بين الزوجين.

التسوق بوصفه تعبيرًا عن الاحتياج العاطفي

يجب أن نُدرك أن السلوك الاستهلاكي للزوجة لا ينبع دومًا من رغبة في الترف أو الاستعراض، بل قد يكون في كثير من الحالات نداءً داخليًا تطلب فيه الشعور بالاهتمام. فالمرأة التي تشتري حذاءً جديدًا أو حقيبة فاخرة قد لا تكون في حاجة مادية لهذه الأغراض بقدر ما تحتاج إلى استعادة الإحساس بالجمال أو التجديد في حياتها، وهي أمور مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحالة النفسية والشعورية.

إن تفسير الشراء بوصفه تعبيرًا عاطفيًا يساعد الأزواج على فهم أفضل لشريكات حياتهم، والتفاعل معهم بدلاً من اللوم أو الاستخفاف بهذا السلوك. فبدلاً من أن يوجّه الزوج نقدًا لزوجته بسبب الإنفاق، يمكنه أن يسأل نفسه عن حالتها النفسية التي دفعتها لهذا السلوك.

الأبعاد الاقتصادية للشراء العاطفي

رغم أن الشراء قد يحقق إشباعًا عاطفيًا مؤقتًا، إلا أن له تبعات اقتصادية لا يمكن إغفالها. إذ يُمكن للشراء العاطفي المتكرر أن يؤدي إلى مشاكل مالية تؤثر على استقرار الأسرة، كزيادة الديون أو ضعف التوازن في الميزانية الشهرية. لهذا السبب، من المهم ألا يُنظر إلى إسعاد الزوجة على أنه رفاهية، بل كاستثمار نفسي وعائلي له مردود اقتصادي إيجابي على المدى الطويل.

الزوجة السعيدة أقل ميلاً للشراء العشوائي، وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات مالية عقلانية. كما أن الاستقرار النفسي يدفع المرأة إلى البحث عن إشباع ذاتي من مصادر أكثر استدامة مثل تطوير الذات، ممارسة الرياضة، الاهتمام بالهوايات، أو تحسين العلاقات الاجتماعية.

الحزن في الحياة الزوجية: وقاية وعلاج

الحياة الزوجية ليست خالية من الصعوبات أو المشاعر السلبية، لكن إدراك كيفية التعامل مع هذه المشاعر هو ما يصنع الفرق بين علاقة ناجحة وعلاقة متوترة. عندما تتحول العلاقة إلى مصدر دعم نفسي متبادل، يقلّ احتمال لجوء أحد الطرفين إلى تعويض عاطفي خارجي مثل الشراء.

كذلك فإن الحزن، إذا لم يُعالج داخل الإطار الأسري، يمكن أن يتحول إلى نمط مزمن من السلوكيات التعويضية مثل الإدمان على التسوق، الأكل العاطفي، أو حتى العزلة. ولهذا فإن التواصل المستمر بين الزوجين، وتطوير مهارات التعاطف والدعم، يعد بمثابة صمام أمان ضد هذه الانزلاقات.

مقارنة بين الشراء العاطفي والشراء العقلاني

استنتاجات نفسية واجتماعية

يشير علم النفس الاجتماعي إلى أن الظواهر الفردية، مثل الشراء العاطفي، ترتبط في عمقها ببنية العلاقات الإنسانية. ومن ثمّ، فإن معالجة السلوك الشرائي المفرط لا يتطلب فقط نصائح اقتصادية، بل يحتاج أيضًا إلى إعادة بناء السياق العاطفي والاجتماعي الذي يتحرك فيه الفرد. إسعاد الزوجات، في هذا السياق، ليس فقط واجبًا عاطفيًا أو أخلاقيًا، بل هو ضرورة نفسية واستراتيجية عائلية تقي من مظاهر اضطراب السلوك الاستهلاكي الذي ينعكس سلبًا على الأسرة بأكملها.

المراجع:

• Rick, S. I., Cryder, C. E., & Loewenstein, G. (2008). Tightwads and spendthrifts. Journal of Consumer Research.

• Kacen, J. J., & Friese, M. (2011). Anger, sadness, and consumption behavior. Psychology & Marketing.