الحركة الزائدة وتشتت الانتباه

ظاهرة الحركة الزائدة وتشتت الانتباه لدى الأطفال

تعد ظاهرة الحركة الزائدة وتشتت الانتباه من الموضوعات التي أصبحت تحظى باهتمام واسع في مجال الصحة النفسية والتربية، نظراً لما لها من تأثيرات ملموسة على حياة الأطفال اليومية، وأدائهم الأكاديمي والاجتماعي. يعاني الكثير من الأطفال من صعوبة في الانتباه والتركيز، بالإضافة إلى تزايد النشاط البدني، مما يعوق قدرتهم على التكيف مع البيئة المدرسية أو العائلية. هذه الظاهرة، المعروفة عادة باسم “فرط النشاط” أو “اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)”، تؤثر في طريقة تفكير الأطفال وتصرفاتهم، وتستدعي تشخيصًا دقيقًا وفهمًا عميقًا لظروفهم الصحية والاجتماعية.

تعريف الحركة الزائدة وتشتت الانتباه

الحركة الزائدة وتشتت الانتباه هي حالة يُظهر فيها الطفل سلوكيات تتسم بعدم الانتباه المستمر، فرط النشاط البدني، أو مزيج من الإثنين معًا. هذه الحالة تؤثر في قدرة الطفل على التركيز أو على الانتباه لوقت طويل، مما يؤدي إلى تداخل في مواقف الحياة اليومية مثل المدرسة، اللعب، أو في التفاعلات الاجتماعية.

يُطلق على هذا الاضطراب بشكل شائع “ADHD” (Attention Deficit Hyperactivity Disorder)، وهو اضطراب عصبي سلوكي، يظهر في سن مبكرة من الطفولة. وفي حال عدم تشخيصه أو معالجته بشكل مناسب، قد يستمر مع الطفل حتى مرحلة البلوغ.

الأعراض والعلامات

تتمثل أعراض الحركة الزائدة وتشتت الانتباه لدى الأطفال في العديد من السلوكيات التي قد تكون صعبة على الآباء والمعلمين التعامل معها. يمكن تقسيم هذه الأعراض إلى ثلاثة مجالات رئيسية:

1. نقص الانتباه:

   • صعوبة في التركيز على المهام أو الأنشطة اليومية.

   • إتمام الأنشطة بشكل غير دقيق أو بدون دقة.

   • تكرار النسيان وعدم تذكر التفاصيل.

   • تجنب المهام التي تتطلب جهدًا عقليًا مستمرًا، مثل الواجبات المنزلية.

   • التشتت بسهولة من المحفزات الخارجية.

2. فرط النشاط:

   • الحركة المستمرة وعدم القدرة على الجلوس لفترات طويلة.

   • الفرك والعبث المستمر بالأشياء.

   • التململ الزائد أو القفز من مكان إلى آخر بشكل مفاجئ.

   • الإحساس المستمر بالحاجة إلى النشاط البدني.

3. الاندفاعية:

   • صعوبة في الانتظار في الطابور أو خلال المحادثات.

   • التسرع في الإجابة على الأسئلة دون التفكير.

   • التدخل في حديث الآخرين أو لعبهم.

أسباب الحركة الزائدة وتشتت الانتباه

لا توجد أسباب واحدة واضحة للحركة الزائدة وتشتت الانتباه، حيث يُعتقد أن هناك مزيجًا من العوامل الوراثية، البيئية، والكيميائية في الدماغ التي تساهم في ظهور هذه الظاهرة.

1. العوامل الوراثية:

   • يُلاحظ أن اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط يميل إلى الانتقال بين الأجيال. فإذا كان أحد الوالدين يعاني من هذا الاضطراب، فإن فرص إصابة الطفل تكون أعلى.

2. العوامل الكيميائية في الدماغ:

   • تلعب المواد الكيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والنورإبينفرين دورًا في التحكم في الانتباه والأنشطة الحركية. في حالة الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، قد تكون هذه المواد غير متوازنة.

3. العوامل البيئية:

   • التعرض لمواد سامة مثل الرصاص في سن مبكرة.

   • تأثيرات الولادة المبكرة أو نقص الأوكسجين أثناء الولادة.

   • الظروف الاجتماعية والنفسية غير المستقرة في البيئة الأسرية.

4. التغذية والعوامل الصحية:

   • نقص بعض العناصر الغذائية مثل الأحماض الدهنية أوميغا-3 قد يؤثر على الوظائف العصبية للدماغ.

   • بعض الاضطرابات الجسدية مثل اضطرابات النوم قد تسهم في زيادة الحركة الزائدة.

تأثير الحركة الزائدة وتشتت الانتباه على الأطفال

يُلاحظ أن للأطفال الذين يعانون من الحركة الزائدة وتشتت الانتباه تأثيرات ملحوظة على عدة مستويات من حياتهم. هذه التأثيرات تتراوح من الصعوبات في الأداء الأكاديمي إلى التحديات الاجتماعية والنفسية.

1. الأداء الأكاديمي:

   • يعاني الطفل المصاب بالحركة الزائدة وتشتت الانتباه من صعوبة في متابعة الدروس والأنشطة الصفية. بسبب قلة التركيز، قد يعجز الطفل عن إتمام واجباته المدرسية أو حتى متابعة التعليمات البسيطة. قد يؤدي هذا إلى تدني درجاته الدراسية أو شعوره بالإحباط.

2. العلاقات الاجتماعية:

   • يعاني الأطفال المصابون بهذه الظاهرة من صعوبة في التواصل مع أقرانهم. قد يتسبب فرط النشاط أو الاندفاعية في تدهور العلاقات الاجتماعية بسبب عدم فهمهم لمشاعر الآخرين أو تجاوز حدودهم الاجتماعية. كما يمكن أن يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في تكوين صداقات.

3. الصحة النفسية:

   • الأطفال الذين يعانون من الحركة الزائدة وتشتت الانتباه قد يواجهون مشاعر القلق والاكتئاب. نظراً لصعوبة تكيفهم مع البيئة المحيطة بهم، قد يعانون من تدني احترام الذات والشعور بالعار بسبب سلوكهم.

التشخيص والعلاج

يُعد التشخيص المبكر هو الخطوة الأساسية في التعامل مع هذه الظاهرة. يعتمد التشخيص على مجموعة من الاختبارات والتقييمات التي يقوم بها مختصون في الصحة النفسية. يشمل التشخيص عادة تقييمات سلوكية وتاريخًا طبيًا مفصلًا، بالإضافة إلى ملاحظة سلوك الطفل في مختلف المواقف الاجتماعية.

1. العلاج الدوائي:

   • يستخدم الأطباء في بعض الحالات الأدوية المنشطة مثل الميثيل فينيدات (Ritalin) أو الأمفيتامينات (Adderall)، وهي تعمل على زيادة مستويات الدوبامين والنورإبينفرين في الدماغ، مما يحسن من الانتباه ويقلل من الحركة الزائدة.

2. العلاج السلوكي:

   • يتضمن العلاج السلوكي تقنيات لإدارة السلوك، مثل مكافأة الأطفال على السلوكيات الإيجابية وتعليمهم تقنيات للتحكم في الاندفاع. يساهم العلاج السلوكي في تعليم الأطفال كيفية إدارة مشاعرهم وتحسين مهاراتهم الاجتماعية.

3. التدخلات الأسرية والتعليمية:

   • من المهم أن يحصل الأطفال على دعم من عائلاتهم ومعلميهم. قد يُطلب من الآباء والمربين اتباع استراتيجيات تفاعلية تساعد الطفل على تقليل الحركة الزائدة وتحسين قدراته في التركيز. تشمل هذه الاستراتيجيات إنشاء بيئات تعلم هادئة، وتقديم فترات راحة قصيرة، بالإضافة إلى تخصيص الوقت لتنظيم الأنشطة اليومية.

الوقاية والتعامل مع الحركة الزائدة وتشتت الانتباه

في ظل عدم وجود وسيلة محددة للوقاية من الحركة الزائدة وتشتت الانتباه، يمكن للأسر والمدارس اتباع بعض الإرشادات التي قد تساعد في تقليل تأثيرات هذه الظاهرة:

1. إعطاء الفرص للطفل للتحرك:

   • من خلال تقديم فترات راحة للنشاط البدني، يمكن تقليل فرط النشاط الذي يشعر به الطفل في البيئات التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة مثل المدرسة.

2. استخدام تقنيات تنظيمية:

   • العمل على تعليم الطفل كيفية تنظيم وقته بطريقة منظمة يساعد في تقليل الشعور بالتشتت. استخدام جداول ومواعيد ثابتة قد يكون مفيدًا للطفل المصاب بهذا الاضطراب.

3. التوعية المجتمعية:

   • يمكن أن تساعد التوعية حول اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في تغيير النظرة المجتمعية تجاه الأطفال الذين يعانون من هذه الظاهرة. التوجيه الصحيح من قبل الأطباء والمعلمين يمكن أن يساعد في تشجيع التدخل المبكر.

الخاتمة

الحركة الزائدة وتشتت الانتباه لدى الأطفال هي ظاهرة شائعة لكنها معقدة، وتستدعي فهماً دقيقاً للطبيعة العصبية والنفسية لهذه الحالة. إن التشخيص المبكر والتدخل المناسب يمكن أن يساعد الأطفال في التعامل مع تحديات هذه الظاهرة بشكل أفضل. من خلال الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي، يمكن للأطفال المصابين بالـ ADHD أن ينموا ويزدهروا في بيئاتهم الاجتماعية والمدرسية، وأن يتجاوزوا العقبات التي قد تقف أمامهم في المستقبل.