الحد من شعور الوهم

3 خطوات للحد من شعور الوهم: مقاربة علمية وعملية للتخلص من الأوهام النفسية

يعتبر شعور الوهم من المشاعر النفسية التي قد تؤثر سلباً على جودة الحياة والتفاعل الاجتماعي والقدرة على اتخاذ القرارات بشكل واقعي. الوهم ليس مجرد خيال عابر، بل هو ظاهرة نفسية عميقة يمكن أن تنشأ نتيجة تراكمات نفسية، اضطرابات ذهنية، أو ظروف بيئية وضغوطات الحياة اليومية. وبالرغم من أن الشعور بالوهم قد يظهر بأشكال مختلفة، إلا أنه في جوهره يمثل انحرافاً عن الواقع، حيث يسيطر على الفرد إدراك غير دقيق أو مُبالغ فيه لواقع معين.

تُعد معالجة وتقليل شعور الوهم من الأهداف المهمة في ميدان الصحة النفسية، لما لذلك من أثر إيجابي مباشر على الحالة الذهنية والنفسية. بناءً على نتائج أبحاث علمية ونظريات نفسية حديثة، يمكن تبني خطوات فعالة تحد من هذا الشعور وتساعد على استعادة التوازن بين الإدراك والواقع. في هذا المقال سيتم تفصيل ثلاث خطوات عملية وأساسية للحد من شعور الوهم، مع تقديم شرح علمي لكل خطوة وأثرها في تعزيز الصحة النفسية.

أولاً: الوعي الذاتي والتعرف على مصدر الوهم

تُعد خطوة الوعي الذاتي أساساً في مواجهة الوهم النفسي. فالشعور بالوهم غالباً ما ينشأ من أفكار خاطئة أو مشوهة تتولد في العقل نتيجة لمعتقدات أو تجارب سابقة غير مدروسة بشكل كافٍ. ولذلك، لا بد من تدريب الذات على مراقبة الأفكار والمشاعر بدون الحكم المسبق، وبدون السماح لها بالتسلط على العقل.

أهمية الوعي الذاتي

الوعي الذاتي يعني القدرة على معرفة ما يجري داخل النفس من انفعالات وأفكار، مع ملاحظة ما إذا كانت هذه الأفكار تنتمي إلى الواقع أو مجرد تصورات مغلوطة. الأبحاث في مجال علم النفس تشير إلى أن زيادة الوعي الذاتي تساهم في تحسين الصحة العقلية وتقليل الاضطرابات النفسية بشكل كبير، خاصة اضطرابات القلق والهوس التي ترافقها أوهام متكررة.

تقنيات تعزيز الوعي الذاتي

• المراقبة الذاتية: تدوين الأفكار والمشاعر يومياً يساعد على ملاحظة الأنماط المتكررة التي قد تكون السبب في نشوء الوهم.

• التأمل الذهني (Mindfulness): ممارسة التأمل بتركيز على اللحظة الحالية دون الحكم تساعد على تمييز الأفكار الوهمية بسرعة.

• العلاج النفسي المعرفي (CBT): من خلال جلسات العلاج المعرفي السلوكي، يتعلم الشخص كيفية تحدي الأفكار الوهمية واستبدالها بأفكار أكثر واقعية.

ثانياً: التعرض الواقعي والتثبت من الحقائق

عندما يعاني الإنسان من شعور بالوهم، فإن عقله يميل إلى خلق سيناريوهات أو تصورات غير حقيقية، مما يجعل الواقع يبدو مشوهاً. ومن أهم الخطوات للحد من ذلك هو الانخراط في ممارسات تساعد على التثبت من الحقائق بشكل موضوعي.

مبدأ التعرض الواقعي

يقصد به مواجهة المواقف أو الأفكار التي تثير الوهم بدلاً من الهروب منها أو التهرب. وهذا التعرض يتم بطريقة منظمة ومدروسة لكي لا يزيد من الشعور بالقلق، بل ليخلق فرصة لتجربة الواقع كما هو، مما يضعف الأوهام ويزيد من إدراك الحقيقة.

طرق تطبيق التعرض الواقعي

• جمع الأدلة الواقعية: تدوين ما يثبت أو ينفي فكرة معينة أو شعور معين، كأن يتم سؤال مصادر موثوقة أو البحث عن معلومات موضوعية.

• مواجهة المواقف بشكل مباشر: بدلاً من تجنب مواقف معينة قد تثير الوهم، يتم مواجهتها تدريجياً مع دعم نفسي أو اجتماعي.

• استخدام تقنيات العلاج السلوكي: التي تساعد في تعديل الاستجابات غير المنطقية تجاه المحفزات المختلفة.

ثالثاً: بناء شبكة دعم نفسية واجتماعية

الوهم النفسي غالباً ما يزداد عندما يشعر الإنسان بالعزلة أو عدم وجود دعم نفسي متين. بناء شبكة من الدعم الاجتماعي والنفسي يُعد من العوامل المهمة في تقليل الشعور بالوهم.

تأثير الدعم الاجتماعي

الأبحاث النفسية تشير إلى أن الدعم الاجتماعي يقلل من حدة الضغوط النفسية ويعزز من القدرة على التعامل مع الأفكار السلبية. فوجود أفراد موثوق بهم يستطيعون تقديم وجهة نظر واقعية ونصائح عملية، يقلل من الانفصال عن الواقع ويعزز من التوازن النفسي.

كيفية بناء شبكة دعم فعالة

• التواصل المنتظم مع الأسرة والأصدقاء: الحفاظ على علاقات صحية وقوية يخلق بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر.

• الانضمام إلى مجموعات دعم: خاصة المخصصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل مشابهة، حيث يمكن تبادل الخبرات والنصائح.

• طلب المساعدة من مختصين: المعالجون النفسيون أو المستشارون لديهم الخبرة في تقديم الدعم المهني ومساعدة الأفراد على تجاوز الوهم.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين تأثير كل خطوة على الحد من شعور الوهم:

ملاحظات ختامية

تظهر الدراسات النفسية أن شعور الوهم ليس حالة جامدة أو نهائية، بل هو قابل للتغيير والتحسن عبر تبني استراتيجيات فعالة ومدروسة. الاستمرارية في تنفيذ هذه الخطوات الثلاثة بشكل متوازن يضمن تقليل تأثير الأوهام النفسية بشكل كبير، ويُعيد للفرد القدرة على التعامل مع واقعه بشكل متزن وصحي.

يُضاف إلى ذلك أن الوقاية خير من العلاج، لذا من المهم أن يُمارس الإنسان تمارين الوعي الذاتي والتثبت من الحقائق بشكل دوري، وأن يحافظ على شبكة دعم اجتماعية قوية، للحفاظ على سلامته النفسية ومنع تطور الأوهام إلى مراحل أكثر تعقيداً أو حتى إلى اضطرابات ذهنية تحتاج لتدخل طبي متقدم.

المراجع

1. Beck, A. T. (2011). Cognitive Therapy: Basics and Beyond. Guilford Press.

2. Kabat-Zinn, J. (2003). Mindfulness-Based Interventions in Context: Past, Present, and Future. Clinical Psychology: Science and Practice, 10(2), 144-156.

هذا المقال يستعرض بشكل علمي وعملي ثلاث خطوات رئيسية تُساعد على الحد من شعور الوهم النفسي، ويعتمد على أحدث الدراسات والممارسات النفسية لضمان تقديم محتوى غني ومفيد يثري القارئ بمعلومات قيمة وقابلة للتطبيق.