الجشع ليس كافياً: تقييم نقدي لسياسات ريغان الاقتصادية

الجشع ليس كافياً: نقد السياسات الاقتصادية في عهد ريغان

في فبراير 1982، أصدر روبرت ليكاشمان كتابه “الجشع ليس كافياً: ريغانوميكس” عن دار نشر “راندوم هاوس”. يقدم هذا الكتاب تحليلًا نقديًا عميقًا للسياسات الاقتصادية التي تبناها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، والتي عرفت بالـ “ريغانوميكس” أو اقتصاديات ريغان. يعكس الكتاب تساؤلات وتحديات حيوية حول فعالية هذه السياسات ومدى تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي.

خلفية تاريخية

عندما تولى رونالد ريغان الرئاسة في يناير 1981، كان الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة من الركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع البطالة. في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، قام ريغان بتبني مجموعة من السياسات التي تركز على خفض الضرائب، تقليص الإنفاق الحكومي، وتقليل الرقابة على الشركات. وقد سميت هذه السياسات بـ “الاقتصاد العرضي” أو “الاقتصاد المتدفق”، وهي نظرية اقتصادية تستند إلى فكرة أن تقليص الضرائب على الأثرياء والشركات سيؤدي إلى زيادة الاستثمار، مما سيؤدي بدوره إلى نمو اقتصادي أكبر واستفادة عامة.

النقاط الرئيسية في الكتاب

يبدأ الكتاب بتفصيل السياسات التي تبناها ريغان، مشيرًا إلى تخفيضات الضرائب الكبيرة التي تم تطبيقها، وإجراءات تقليص الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والخدمات العامة. يعرض ليكاشمان كيف أن هذه السياسات كانت تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال زيادة حوافز الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص، مع افتراض أن الفوائد الاقتصادية ستنتقل تدريجياً إلى جميع شرائح المجتمع.

ومع ذلك، يتناول الكتاب أيضًا الانتقادات الكبيرة التي وجهت لهذه السياسات. يشير ليكاشمان إلى أن نتائج الريغانوميكس كانت متباينة للغاية. فعلى الرغم من تحقيق بعض النجاح في تحفيز النمو الاقتصادي خلال فترتي الثمانينيات، إلا أن الكتاب يبرز الأثر السلبي لهذه السياسات على الطبقات الاجتماعية الأقل حظًا. فقد أدت تخفيضات الضرائب إلى زيادة عجز الميزانية الوطنية، وارتفاع الديون الحكومية بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإن التقليص الكبير في الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية أدى إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

كما يناقش الكتاب تأثير السياسات على سوق العمل، حيث يلفت الانتباه إلى أن تقليص الرقابة الحكومية لم يمنع من حدوث بعض الأزمات في القطاع المالي والصناعي. يعرض ليكاشمان كيف أن بعض الشركات الكبرى استفادت من تقليل القيود التنظيمية، ولكن في المقابل، ظهرت مشاكل تتعلق بالتنظيم وحماية المستهلك.

التحليل والتقييم

من خلال تحليله للريغانوميكس، يقدم ليكاشمان نقدًا جادًا للفكرة القائلة بأن الاقتصاد يمكن أن يتحسن ببساطة من خلال تخفيض الضرائب وتقليل الرقابة. يؤكد الكتاب أن السياسات الاقتصادية التي تتبعها الإدارة لم تكن تحقق دائمًا الفوائد المتوقعة، وأن الجشع الشخصي والمصالح الخاصة لا يمكن أن تكون وحدها كافية لتحقيق المصلحة العامة.

علاوة على ذلك، يسلط الكتاب الضوء على الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه السياسات، مشيرًا إلى أن تقسيم الثروة وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد ألقى بظلاله على التماسك الاجتماعي في الولايات المتحدة. ويشير إلى أن التنمية الاقتصادية الشاملة تتطلب مزيدًا من التوازن بين السياسات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

الخاتمة

“الجشع ليس كافياً: ريغانوميكس” هو قراءة مهمة لأي شخص مهتم بفهم التأثيرات الطويلة الأمد للسياسات الاقتصادية التي تبنتها إدارة ريغان. يقدم الكتاب رؤية متوازنة ونقدية للتحديات والنتائج التي جاءت نتيجة لتطبيق سياسات “الاقتصاد العرضي”. من خلال تناول الدروس المستفادة من تلك الفترة، يفتح الكتاب النقاش حول كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والمتوازنة التي تخدم جميع فئات المجتمع.

يعد هذا الكتاب مرجعًا قيمًا للمحللين الاقتصاديين، صانعي السياسات، والمواطنين الذين يرغبون في فهم الأبعاد المختلفة للسياسات الاقتصادية وتأثيرها على المجتمع بشكل عام.