ظهور دم في براز الرضيع: الأسباب والتشخيص والعلاج
يُعد ظهور دم في براز الرضيع من الأمور التي تثير قلق الأهل بشكل كبير، نظراً لحساسية الحالة الصحية للرضيع وتأثير أي مشكلة صحية على نموه وسلامته. الدم في براز الرضيع يمكن أن يكون عرضًا لمجموعة واسعة من الأسباب، تتراوح بين الأسباب البسيطة والحميدة، والتي لا تستدعي القلق الشديد، إلى أسباب أكثر خطورة تستدعي التدخل الطبي الفوري.
في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل مختلف الأسباب التي تؤدي إلى ظهور دم في براز الرضيع، آليات التشخيص المتبعة، الطرق العلاجية المتاحة، إضافة إلى النصائح المتعلقة بالرعاية والمتابعة.
طبيعة الدم في براز الرضيع وأشكاله
يُلاحظ ظهور الدم في براز الرضيع عادةً على شكل دم أحمر فاتح أو دم غامق، وقد يكون الدم ظاهرًا بوضوح أو مختلطًا مع البراز بشكل غير ملحوظ بالعين المجردة. ويُميز الأطباء بين أنواع الدم المختلفة:
-
دم أحمر فاتح: يشير غالبًا إلى نزف في الجزء السفلي من الجهاز الهضمي، مثل المستقيم أو الشرج.
-
دم غامق أو أسود: يدل عادةً على نزيف في الجزء العلوي من الجهاز الهضمي، مثل المعدة أو الأمعاء الدقيقة.
-
دم مختلط مع المخاط: يظهر في حالات معينة مثل التهابات القولون أو داء كرون.
فهم طبيعة الدم في البراز يساعد في تضييق الأسباب المحتملة وتحديد الفحوصات اللازمة.
الأسباب الشائعة لظهور دم في براز الرضيع
1. التشققات الشرجية (Anal fissures)
تُعتبر التشققات الشرجية من أكثر الأسباب شيوعًا لوجود دم في براز الرضيع، وخاصة في الأسابيع أو الأشهر الأولى بعد الولادة. تنتج هذه التشققات عن خروج براز صلب أو جاف، مما يسبب تمزقات صغيرة في جلد منطقة الشرج. عادةً ما يكون الدم في هذه الحالة دمًا أحمر فاتحًا، ويُلاحظ بشكل واضح على سطح البراز أو في حفاض الطفل.
تُعتبر التشققات الشرجية حالة بسيطة ويمكن علاجها بسهولة باتباع طرق رعاية الجلد وتليين البراز.
2. التغذية والرضاعة
قد ينتج ظهور الدم في براز الرضيع بسبب تفاعل الجهاز الهضمي مع نوع معين من الحليب، سواء كان حليب الأم أو الحليب الصناعي. في بعض الحالات، يكون لدى الرضيع حساسية أو تحسس تجاه بروتينات الحليب البقري، مما يؤدي إلى تهيج جدران الأمعاء وظهور دم في البراز.
هذا النوع من الحساسية يُعرف أحيانًا بـ”التهاب القولون التحسسي” أو “التهاب الأمعاء التحسسي للبروتين”، ويظهر غالبًا في الأشهر الأولى من حياة الرضيع.
3. التهاب القولون النزفي (Allergic colitis)
يحدث التهاب القولون النزفي عادةً عند الرضع الذين يتعرضون لبروتينات الحليب البقري أو غيرها من الأطعمة المثيرة للحساسية. يؤدي هذا الالتهاب إلى تلف بطانة الأمعاء والتسبب في نزف بسيط يظهر في البراز، والذي قد يكون مصحوبًا بمخاط.
الأعراض قد تشمل أيضًا اضطرابات هضمية مثل الإسهال، المغص، والغازات.
4. التهابات الجهاز الهضمي
يمكن أن تسبب العدوى الفيروسية أو البكتيرية أو الطفيلية في الجهاز الهضمي نزفًا بسيطًا في الأمعاء، ويظهر ذلك على شكل دم في براز الرضيع. من أشهر هذه العدوى:
-
الإنتان الجرثومي مثل السالمونيلا أو الإشريكية القولونية.
-
عدوى الطفيليات مثل الأميبا.
-
العدوى الفيروسية كالفيروسات التي تسبب التهاب الأمعاء.
هذه الحالات غالبًا ما تكون مصحوبة بحمى، إسهال، وقيء.
5. مرض هيرشسبرونغ (Hirschsprung’s disease)
مرض هيرشسبرونغ هو اضطراب خلقي يؤثر على حركة الأمعاء، حيث تفتقر بعض أجزاء الأمعاء إلى الأعصاب اللازمة للحركة الطبيعية. يؤدي ذلك إلى انسداد جزئي أو كامل، مما يسبب إمساكًا شديدًا مع احتمال ظهور دم في البراز.
عادةً ما تظهر أعراض المرض خلال الأسابيع الأولى من الولادة، وتتطلب التشخيص المبكر لتجنب المضاعفات.
6. الانسداد المعوي
انسداد الأمعاء، سواء كان نتيجة لالتصاقات أو انزلاق جزء من الأمعاء داخل نفسه (انغلاف الأمعاء)، قد يسبب نزيفًا معويًا، يظهر على شكل دم في البراز. هذه الحالة تعد من الطوارئ الطبية وتستدعي تدخلاً جراحيًا سريعًا.
7. النزف المعدي أو المعوي
نزف في المعدة أو الأمعاء الدقيقة قد ينتج عن أسباب متعددة مثل القرح، التهاب المعدة، أو مشاكل في تخثر الدم. في الرضع، قد يكون النزف مرتبطًا أيضًا بالولادة المبكرة أو أمراض معينة تؤثر على جدران الأوعية الدموية.
التشخيص الطبي لظهور دم في براز الرضيع
عند ملاحظة دم في براز الرضيع، يجب التوجه للطبيب المختص لتقييم الحالة بدقة. يعتمد التشخيص على عدة خطوات:
-
جمع التاريخ الطبي الكامل: يشمل نوع الرضاعة، وجود أعراض أخرى مثل الإسهال أو الإمساك، تغير في سلوك الرضيع، أو وجود أمراض في العائلة.
-
الفحص السريري: تقييم الحالة العامة للطفل، فحص منطقة الشرج، والتأكد من عدم وجود تشققات أو علامات التهاب.
-
فحوصات الدم: للتحقق من وجود التهاب، فقر دم، أو اضطرابات تخثر.
-
فحص البراز: لتحليل وجود الدم المخفي، أو الكشف عن بكتيريا أو طفيليات.
-
التصوير الطبي: في حالات معينة، قد يطلب الطبيب أشعة صوتية (Ultrasound) أو تصوير بالأشعة السينية لتقييم الأمعاء.
-
التنظير الهضمي: في الحالات التي يصعب فيها التشخيص، قد يلجأ الطبيب إلى التنظير لفحص الأمعاء من الداخل وأخذ عينات لفحصها.
العلاج والرعاية الطبية
يعتمد علاج ظهور دم في براز الرضيع على السبب الأساسي:
التشققات الشرجية
-
استخدام مراهم مرطبة ومهدئة.
-
تليين البراز عن طريق زيادة السوائل أو استخدام ملينات خفيفة تحت إشراف الطبيب.
-
تجنب غسل منطقة الشرج بالماء الساخن أو الصابون القاسي.
التحسس الغذائي
-
تعديل نظام تغذية الأم المرضع، مثل تجنب منتجات الألبان.
-
استخدام أنواع خاصة من الحليب الصناعي الخالي من بروتين الحليب البقري.
-
متابعة دقيقة لتحسن الأعراض مع التغيير الغذائي.
الالتهابات
-
إعطاء مضادات حيوية أو مضادات طفيلية حسب نوع العدوى.
-
دعم الطفل بالسوائل والعناصر الغذائية لتعويض الفقد.
الحالات الخطيرة (مثل انسداد الأمعاء أو مرض هيرشسبرونغ)
-
التدخل الجراحي الفوري حسب الحالة.
-
متابعة مكثفة في المستشفى.
نصائح وقائية للرعاية الصحية للرضيع
-
متابعة نوع الرضاعة بعناية مع مراقبة ردود فعل الجهاز الهضمي.
-
الحفاظ على نظافة منطقة الحفاض وتقليل تعرض الجلد للرطوبة والاحتكاك.
-
مراقبة نوعية البراز يوميًا والاحتفاظ بسجل في حال ظهور أعراض متكررة.
-
الالتزام بمواعيد الفحوصات الدورية مع طبيب الأطفال.
الجدول التالي يوضح مقارنة بين الأسباب الشائعة لظهور دم في براز الرضيع مع أبرز الأعراض والعلاج المناسب:
| السبب | طبيعة الدم | الأعراض المصاحبة | العلاج |
|---|---|---|---|
| التشققات الشرجية | دم أحمر فاتح | ألم عند التبرز، براز صلب | مراهم ترطيب، تليين البراز |
| التحسس الغذائي | دم مع مخاط | إسهال، مغص، انتفاخ | تعديل النظام الغذائي |
| التهاب القولون النزفي | دم مع مخاط | إسهال، حمى خفيفة | إزالة المحسس الغذائي |
| العدوى المعوية | دم مع مخاط أو دم مختلط | إسهال، قيء، حمى | مضادات حيوية/طفيلية |
| مرض هيرشسبرونغ | دم متقطع | إمساك، انتفاخ بطن | جراحة |
| انسداد الأمعاء | دم غامق أو دم مختلط | ألم بطن شديد، قيء | تدخل جراحي |
| نزف المعدة أو الأمعاء | دم أسود | ضعف عام، فقر دم | علاج السبب الأساسي |
الخلاصة
يُعتبر ظهور دم في براز الرضيع مؤشرًا هامًا يستدعي متابعة طبية دقيقة لتحديد السبب الأساسي والعلاج المناسب. تتنوع الأسباب بين بسيطة وغير خطيرة، مثل التشققات الشرجية، إلى حالات طبية معقدة تتطلب علاجًا متخصصًا أو تدخلًا جراحيًا. لذا فإن الفحص الطبي المبكر والمتابعة المنتظمة تعتبران الركيزة الأساسية للحفاظ على صحة الرضيع وضمان نموه الطبيعي.
الوعي الكامل بأعراض الحالات المختلفة، والفهم الجيد لكيفية التعامل معها، يمكن أن يوفر على الطفل وأسرته الكثير من المضاعفات والمخاطر الصحية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الغذائي والنظافة الجيدة يعدان من العوامل المهمة للوقاية من العديد من هذه الحالات.
المراجع
-
Nelson Textbook of Pediatrics, 21st Edition, 2020.
-
UpToDate: “Evaluation of rectal bleeding in infants and children,” 2024.

