تكريم الله للإنسان

يُعد الإنسان أعظم مخلوقات الله تعالى وأكرمها، فقد خصّه الله بصفات وميزات فريدة ميزته عن سائر المخلوقات، وجعل له مكانة عالية في الكون. هذا التكريم الإلهي للإنسان يتجلى في العديد من الجوانب التي تدل على عظمة خلق الله ورحمته، كما يعكس الحكمة الإلهية في تفضيل الإنسان وتمكينه ليكون خليفة الله في الأرض. في هذا المقال سيتم تناول موضوع تكريم الله للإنسان من نواحٍ متعددة، بداية من الخلق والتكوين، مرورًا بالمكانة الرفيعة، وانتهاءً بالوظائف والحقوق التي أكرمه الله بها، مع التأكيد على أن هذا التكريم هو مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق الإنسان.

خلق الإنسان وأوجه التكريم

لقد بدأ الله تعالى خلق الإنسان من طين، وهو أدنى المخلوقات من ناحية المادة، ولكنه رفعه فوق كثير من خلقه بروح نفخها فيه من عنده، فقال سبحانه في كتابه العزيز:

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70)

هذه الآية الكريمة تدل على التكريم العام للبشرية، وهو شامل لكل بني آدم بلا استثناء، حيث أن الله عز وجل أعطاهم القدرة على التعلم، والاختيار، والعقل، والخلق الذاتي، وهي عناصر تميز الإنسان.

ومن دلائل تكريم الله للإنسان في خلقه هو أنه جعله مخلوقًا ذا جسم وروح معًا، فالإنسان ليس مجرد جسد مادي، بل روح تخلق الفكر والشعور، وتستطيع الإدراك والوعي، وهو ما يجعل الإنسان كائنًا متفردًا عن باقي الكائنات.

مكانة الإنسان في الكون

أكرم الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض، وهو منصب سامٍ يدل على المسؤولية والثقة العظيمة التي وضعها الله على عاتق الإنسان. قال تعالى:

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)

وهذا يدل على أن الإنسان يتمتع بمكانة خاصة تمكنه من إدارة شؤون الأرض وحمايتها، واستثمار مواردها بما يرضي الله ويحقق مصالح الإنسان ذاته والمخلوقات الأخرى. وقد أيد الله هذا التكريم بجعل الإنسان يمتلك القدرة على التمييز بين الخير والشر، والاختيار الحر، مما يعكس مكانة الإنسان ككائن عاقل مسؤول.

ومن ناحية أخرى، من مظاهر التكريم أن الله منح الإنسان عقلاً يُمكّنه من التفكير والتدبر، وقلبًا يستطيع به التمييز بين الحق والباطل، وهذا ما جعله قادرًا على التعلم والتطور، فصار الإنسان مصدر الحضارات والثقافات والعلوم.

تكريم الإنسان بالعقل والنطق

العقل هو من أهم وسائل تكريم الله للإنسان، إذ به يميز الإنسان بين الخير والشر، ويدرك الحقائق الكونية والدينية، ويسعى لفهم العالم من حوله. العقل يمنح الإنسان القدرة على التفكير السليم، وضع الخطط، اتخاذ القرارات، والابتكار في شتى المجالات، وهو ميزان للتفاضل بين البشر على مستوى السلوك والأخلاق.

كما أن الله سبحانه خص الإنسان بميزة النطق، وهي القدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر بالكلام، وهو أمر لا يتمتع به سائر المخلوقات بنفس الدرجة. قال تعالى:

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة: 31)

تعليم الله لآدم أسماء كل شيء يدل على إعطاء الإنسان لغة خاصة تمكنه من التعبير الدقيق والمنطقي، وهو ما يجعل التواصل بين البشر ممكنًا ويقودهم إلى بناء المجتمعات.

تكريم الله للإنسان بالعلم والفقه

الإنسان هو كائن علمي بالفطرة، وقد أكرمه الله بالقدرة على اكتساب العلم والمعرفة، وهذا التكريم يشكل حجر الزاوية في بناء الحضارات وتقدم الشعوب. قال تعالى:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)

كانت أول آية نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم تأمر بالقراءة والعلم، مما يؤكد أهمية العلم في الإسلام وكونه أساسًا لتكريم الإنسان.

العلم هو وسيلة لتطوير الفكر والثقافة، وهو ما جعل الله الإنسان متفردًا على سائر المخلوقات بامتلاكه القدرة على التعلم والتدريب، بالإضافة إلى القدرة على الفقه والتدبر في آيات الله الكونية والنصوص الشرعية، ليكون واعيًا بمسؤوليته تجاه نفسه ومجتمعه.

تكريم الإنسان بالاختيار والحرية

أعطى الله الإنسان حرية الاختيار بين الخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، وهذا التمييز هو تكريم عظيم، إذ لا يُحرم الإنسان من القدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، وهذا ما يجعله مسؤولًا أمام الله عن أفعاله.

قال تعالى:

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29)

وهذا التفضيل بالإرادة والاختيار يجعل الإنسان إنسانًا حقيقيًا له مكانته وكرامته التي لا تنازل عنها، وهو تكريم من الله لا يمنحه لأي مخلوق آخر بنفس الصورة.

تكريم الإنسان بالعبادة والقرب من الله

العبادة هي أعلى مراتب التكريم الإلهي للإنسان، إذ جعله الله قادرًا على القرب منه من خلال الصلاة، الدعاء، الذكر، والتوبة، وهذا يضع الإنسان في مرتبة خاصة بين المخلوقات، فهو وحده المخلوق الذي يُعبد ويُطلب منه التقرب إلى خالقه.

قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)

وهذه الآية تؤكد أن التكريم الحقيقي للإنسان يكمن في تكليفه بالعبادة، إذ إن القرب من الله هو غاية التكريم وأسمى ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان.

العبادة ليست مجرد فرض أو طقوس، بل هي صلة روحية تربط الإنسان بخالقه، وتُشعره بالقيمة العظمى التي منحها الله له، إذ لا عبادة للملائكة ولا للنباتات ولا للحيوانات، بل الإنسان وحده المكرم بإرادة القرب من الله سبحانه وتعالى.

تكريم الإنسان بالرحمة والتسامح

الله تعالى أظهر رحمته وتسامحه للإنسان رغم ضعف طبيعته ووقوعه في الخطأ، وهذا من أعظم مظاهر التكريم، فهو لا يعاقب الإنسان إلا بعد إعطائه فرصًا كثيرة للتوبة والتقرب. قال تعالى:

﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ (الكهف: 58)

الله يرحم الإنسان ويرزقه فرصًا لا حصر لها للتوبة والتقويم، وهذا يبيّن كيف أن التكريم الإلهي يشمل كذلك الجانب الروحي والنفسي للإنسان.

الرحمة الإلهية تشمل الإنسان في كل حالاته، وهي دعوة مستمرة للمسارعة إلى الله مهما كانت ذنوب الإنسان، وهذا يعكس التكريم في أن الله لا يهمل عباده، بل يغفر ويعفو ويعطيهم فرصة للتجديد الروحي.

تكريم الإنسان بالأمان والرزق

من مظاهر تكريم الله للإنسان أيضًا توفير الأمان والرزق له، حيث جعل الله الأرض مسخرة للإنسان كي يعيش فيها بسلام، ويرزقه من خيراتها. قال تعالى:

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ (الملک: 15)

الله عز وجل رزق الإنسان من الأرض ومن السماء، وخلق له أسباب العيش الكريم، وهذا التكريم المادي هو جزء من عناية الله بعباده.

كما أن الله حفظ الإنسان من أهوال كثيرة وأنزل له الشرائع التي تحفظ له حياته وكرامته، وهذا جزء لا يتجزأ من التكريم، إذ إن الإنسان مكلف باتباع هذه الشرائع التي ترعى شؤونه الدنيوية والأخروية.

تكريم الإنسان بالكرامة الإنسانية في الإسلام

الإسلام بصفته دين التكريم والرحمة، أكد على كرامة الإنسان وحرم الإساءة له، مهما كانت حالته أو وضعه. فقد جاء الإسلام ليعلي من شأن الإنسان ويزيل عنه كل مظاهر الذل والهوان التي كانت سائدة في الجاهلية.

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

«كلكم لآدم وآدم من تراب»

وهذا الحديث يشير إلى وحدة الإنسانية وكرامتها التي هي حق للجميع دون تمييز.

وقد وضع الإسلام قواعد للحفاظ على كرامة الإنسان، مثل تحريم القتل، والاعتداء، والسب، والظلم، وكل ما يهين النفس الإنسانية، مما يؤكد أن التكريم الإلهي هو أساس القيم الإسلامية.

التكريم الإنساني مسؤولية عظيمة

رغم كل هذا التكريم الذي أكرم الله به الإنسان، فإن ذلك لا يعني حرية مطلقة دون مسؤولية. فالتكريم الإلهي هو دعوة للإنسان لتحمل المسؤولية في حياته، بأن يكون عاقلًا رشيدًا، يحترم نفسه والآخرين، ويسعى لنشر الخير والعدل.

فالإنسان المكلف بالتكريم عليه أن يحافظ على هذه المكانة العظيمة، من خلال التزامه بالقيم الأخلاقية والشرعية، والعمل بما يرضي الله، والتعامل مع الآخرين بالحسنى والرحمة.

فالكرامة التي وهبها الله للإنسان هي في نفس الوقت اختبار ومهام يجب أن يؤديها ليحافظ على هذا التكريم، وإلا فإن الله يرفع الإنسان في الدنيا بكرامته، ولكنه يعاقبه في الآخرة إذا أساء استعمال هذه النعمة.

بهذا التفصيل يتضح أن تكريم الله للإنسان هو شمولٌ لكل جوانب حياته: الخلق، العقل، العلم، الحرية، العبادة، الرحمة، الرزق، والكرامة الإنسانية، وهو تكريم يستحق التأمل والاهتمام، لأن الإنسان عليه مسؤولية عظيمة تجاه نفسه وربه ومجتمعه. هذا التكريم هو دعوة مستمرة للإنسان ليعيش حياة متوازنة تعكس عظمة الخالق وجودة خلقه.

المصادر والمراجع

• القرآن الكريم

• تفسير الطبري

• كتاب “الإسلام والكرامة الإنسانية” للدكتور محمد قطب