التواصل الهادئ مع شريك يتصرف بدفاعية هو أحد المهارات الأساسية التي تساهم في تعزيز العلاقة العاطفية والزوجية، وتقويتها، حيث يساعد على تجنب التصعيد والمشاكل التي قد تؤدي إلى تدهور العلاقة. الشخص الذي يتصرف بشكل دفاعي قد يكون في حالة نفسية تؤثر على قدرته على استيعاب الانتقادات أو الملاحظات، وقد ينشأ هذا التصرف بسبب شعوره بالتهديد، الخوف من فقدان احترامه، أو مجرد رد فعل طبيعي نتيجة لتجارب سابقة مر بها. من المهم أن يدرك الطرف الآخر أهمية التعامل مع هذه السلوكيات بحذر ووعي، وعدم الاستجابة لها بنفس الطريقة الدفاعية. في هذا المقال، سنتناول أساليب وطرق التعامل مع الشريك الذي يتصرف بشكل دفاعي بطريقة هادئة وفعالة.
فهم سبب السلوك الدفاعي
من أولى خطوات التعامل مع شريك يتصرف بطريقة دفاعية هي فهم السبب الكامن وراء هذا السلوك. في بعض الأحيان، قد يكون رد الفعل الدفاعي ناتجًا عن مشاعر الإحباط أو القلق التي يعاني منها الشخص. قد يشعر الشريك بأنه يُهاجم أو يُنتقد بشكل غير عادل، مما يؤدي إلى قيامه بالرد على أي موقف دفاعيًا للحفاظ على صورته أمام نفسه وأمام الآخر. كما قد يكون لدى الشخص الذي يتصرف دفاعيًا تاريخ سابق من العلاقات التي شهدت توترات أو مواقف انتقادية، مما جعله يتبنى هذه الآلية كطريقة دفاعية.
أثناء الحوار، يجب أن نضع في اعتبارنا أن أي رد فعل دفاعي قد يكون نتيجة لشعور عميق بعدم الأمان أو القلق بشأن مكانته في العلاقة. إدراك هذا الجانب يمكن أن يساعد في بناء استراتيجيات لتجنب التصعيد، وفتح المجال للتفاهم المتبادل.
التواصل بلغة غير هجومية
عندما يتصرف الشريك بطريقة دفاعية، يمكن أن يكون الأسلوب الهجومي أو الانتقادي في التعامل معه بمثابة تأجيج للمعركة بدلًا من حلها. لتجنب ذلك، من المهم استخدام لغة ناعمة ومحايدة تجنب الإيحاء بأي هجوم شخصي.
واحدة من الأساليب الفعالة في التواصل مع شريك يتصرف دفاعيًا هي استخدام أسلوب “التعبير عن الذات” بدلاً من “التوجيه”. على سبيل المثال، بدلاً من قول “أنت دائمًا ترفض مساعدتي”، يمكن القول “أشعر بالحزن عندما لا أتمكن من الحصول على الدعم الذي أحتاجه”. هذه الطريقة تساهم في إيصال المشاعر دون إلقاء اللوم على الطرف الآخر، مما قد يقلل من ردود الفعل الدفاعية.
من المهم أيضًا تجنب إصدار الأحكام أو التصريحات التي تحمل صبغة الاتهام. الاستماع الجيد والتفاعل بإيجابية يمكن أن يساعد في تهدئة الوضع. على سبيل المثال، يمكن التعبير عن الفهم لمشاعر الشريك، مثل قول “أفهم أن هذا الموقف قد يكون محبطًا بالنسبة لك”، ثم الانتقال إلى عرض الحلول أو التفاهم. هذا النوع من التواصل يقلل من الحواجز النفسية بين الطرفين.
استخدام تقنيات الاستماع الفعّال
الاستماع الفعّال هو من أقوى الأدوات التي يمكن استخدامها لتخفيف الدفاعية في الحوار. عندما يشعر الشخص بأنه مسموع ومفهوم، فإنه يصبح أكثر استعدادًا للانفتاح والتعاون. أحد أساليب الاستماع الفعّال هو الاستماع بعناية وبدون مقاطعة، وطرح الأسئلة الاستفهامية التي تظهر الاهتمام بما يقوله الشريك، مثل: “هل تعني أنك تشعر بأنني لا أفهم احتياجاتك؟”
عند الاستماع بهذه الطريقة، من المهم أيضًا إظهار الاهتمام بلغة الجسد، مثل الحفاظ على التواصل البصري، والتقليل من الإيماءات التي قد تدل على الاستياء أو التململ. كل هذه الإشارات تشير إلى الشريك بأنك لا تحاول مجادلته أو تقليص قيمته، بل تسعى لفهم موقفه والعمل على إيجاد حلول مشتركة.
استخدام التأكيدات الإيجابية
إحدى الطرق المهمة لتخفيف الدفاعية هي استخدام التأكيدات الإيجابية التي تدعم الشريك وتظهر له الاهتمام والاحترام. عندما يواجه الشخص الموقف الدفاعي، قد يشعر أنه غير مهم أو غير مقدر، في حين أن التأكيدات الإيجابية تساهم في تعزيز ثقته بنفسه وتجعله يشعر بالأمان في العلاقة. يمكن استخدام كلمات مثل: “أنا أقدّر مجهوداتك”، “أعلم أنك تحاول الأفضل”، أو “أنا هنا لأساعدك في أي شيء”.
هذه التأكيدات لا تعني تجنب الحديث عن المشكلات أو عدم الاعتراف بالصعوبات التي قد توجد في العلاقة، لكنها ببساطة تساعد في بناء بيئة من الدعم والثقة التي تجعل من السهل معالجة القضايا الصعبة بهدوء.
تقديم النقد البناء
النقد هو أحد الأسباب الرئيسية التي قد تؤدي إلى ردود فعل دفاعية، ولهذا من الضروري تقديمه بطريقة تركز على المشكلة، وليس على الشخص. بدلاً من التركيز على تصرفات الشريك السلبية أو سلوكياته الشخصية، من الأفضل التحدث عن السلوك المحدد الذي يحتاج إلى تعديل.
مثال على النقد البناء يمكن أن يكون: “لقد لاحظت أنك شعرت بالإحباط عندما تم تناول هذا الموضوع في محادثتنا، ربما يمكننا أن نجد طريقة أفضل للتحدث عنه في المستقبل”. هذا النوع من النقد لا يهاجم الشخص نفسه، بل يركز على تصرفه أو سلوكه، مما يقلل من احتمال حدوث رد فعل دفاعي.
تحديد الوقت والمكان المناسبين
إن التوقيت والمكان لهما دور كبير في نجاح الحوار مع شريك يتصرف دفاعيًا. من الأفضل تجنب النقاشات الجادة في الأوقات التي يكون فيها الشريك متعبًا أو مشغولًا بمشاكل أخرى. في هذه الأوقات، قد يكون الشخص أقل قدرة على التحكم في ردود أفعاله، مما يزيد من احتمالية التصرف الدفاعي.
يجب اختيار الوقت الذي يكون فيه الشريك في حالة ذهنية هادئة ويفضل أن يكون الجو غير مشحون. من الأفضل أيضًا اختيار مكان هادئ بعيد عن المشتتات والضغوط اليومية، حيث يمكن لكل من الطرفين التحدث بهدوء والاستماع لبعضهما البعض دون تدخلات خارجية.
التحكم في الذات والتحلي بالصبر
من الضروري أن يتعلم الشخص كيفية التحكم في نفسه أثناء الحوار، خاصة في المواقف التي قد تثير استجابة دفاعية من الشريك. أحد أهم الأشياء التي يجب مراعاتها في هذه الحالة هو الصبر. الشريك الذي يتصرف دفاعيًا قد لا يكون قادرًا على التعامل مع النقد أو المواقف الصعبة بنفس الطريقة التي يتعامل بها الشخص الآخر، لذا يجب أن يكون لدى الطرف المتحدث الصبر والتفهم لمشاعره.
تجنب الاندفاع إلى الردود الغاضبة أو العاطفية يمكن أن يساعد في الحفاظ على نقاء الحوار وتوجيهه نحو حلول بناءة. إذا كان النقاش يزداد حدة، من الأفضل أحيانًا أن يتم أخذ استراحة قصيرة لاستعادة الهدوء، ثم العودة لمواصلة الحديث بشكل أكثر توازنًا.
خلق بيئة من الثقة والاحترام المتبادل
بناء بيئة من الثقة والاحترام المتبادل هو أساس العلاقة الصحية. كلما كانت الثقة أقوى، كانت الفرصة أكبر للحوار الفعّال. الأشخاص الذين يشعرون بالأمان في علاقتهم أقل احتمالًا للتصرف دفاعيًا، لأنهم يعلمون أن شريكهم لن يحكم عليهم أو يهاجمهم.
لتعزيز هذه البيئة، من الضروري أن يظهر كل طرف الاحترام للشريك في كل موقف. الاحترام يمكن أن يظهر في مواقف صغيرة مثل الاستماع الفعّال أو تقدير جهود الشريك. من خلال هذه الإجراءات، يتم بناء رابطة من الثقة تتيح للشريكين التحدث بحرية عن المشاكل أو المخاوف دون الخوف من رد فعل دفاعي.
التعامل مع الدفاعية بروح من التسامح
وأخيرًا، من المهم أن يكون هناك تسامح مع الشريك عندما يظهر سلوكًا دفاعيًا. الجميع معرض للأخطاء، والأشخاص الذين يتصرفون دفاعيًا قد لا يفعلون ذلك بدافع التحدي، بل لأنهم يجدون صعوبة في التعامل مع مواقف معينة. إظهار التفهم والمرونة يساعد في تقوية العلاقة بدلاً من أن تضعفها.
إدارة الدفاعية في العلاقة يتطلب جهداً مستمراً من الطرفين، بالإضافة إلى الصبر والرغبة في تحسين التواصل. من خلال اتباع هذه النصائح، يمكن للزوجين بناء علاقة صحية قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم.
