4 إرشادات مهمة للتواصل مع الطفل المتوحد
يعتبر التوحد أحد اضطرابات النمو العصبي التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة الطفل على التفاعل الاجتماعي، التواصل مع الآخرين، وفهم المحيط. على الرغم من أن الأطفال المصابين بالتوحد قد يواجهون تحديات في التواصل والتفاعل، إلا أن هناك العديد من الأساليب والإرشادات التي يمكن أن تسهم في تحسين التفاعل معهم وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية. يعتبر التواصل الفعّال مع الطفل المتوحد أساسياً لتحقيق تقدم ملموس في تطوير مهاراته وتوفير بيئة مناسبة له. في هذا المقال، سنناقش أربع إرشادات مهمة يجب التقيد بها عند التواصل مع الطفل المتوحد.
1. استخدام لغة بسيطة وواضحة
إن الأطفال المصابين بالتوحد غالباً ما يواجهون صعوبة في فهم التعابير المجازية أو اللغة الرمزية المعقدة. لذلك، من الضروري تبني أسلوب تواصل بسيط وواضح عند التحدث معهم. يجب أن تكون الجمل قصيرة وواضحة، مع تجنب استخدام العبارات الغامضة أو التعابير التي قد تثير اللبس. على سبيل المثال، بدلاً من قول “هل يمكنك أن تكون أكثر هدوءاً؟” يمكن قول “خُذ نفساً عميقاً” أو “اهدأ”.
من المهم أيضاً أن يتم استخدام لغة الجسد بوضوح، مثل الإشارة باليد أو الاتصال البصري عند توجيه الطلبات أو العبارات، لأن الأطفال المتوحدين قد يجدون صعوبة في تفسير الإشارات غير اللفظية أو الأفكار المعقدة. بهذه الطريقة، يمكن للطفل أن يفهم ما هو مطلوب منه بشكل أفضل، مما يقلل من مستوى الارتباك والقلق.
2. التفاعل باستخدام أسلوب التكرار والإعادة
يعد التكرار من الأدوات الفعّالة في عملية التواصل مع الطفل المتوحد. لأنهم قد يحتاجون إلى الكثير من المساعدة والوقت ليتمكنوا من استيعاب المفاهيم والأوامر البسيطة. يجب على الأهل أو المعلم أن يتأكدوا من تكرار الرسائل أو الأوامر عدة مرات، خاصة في المراحل الأولى من تعلم مهارات التواصل.
على سبيل المثال، إذا كان الطفل بحاجة إلى تعلم كيفية قول “مرحباً” عند مقابلة شخص ما، يمكن تكرار هذه الكلمة بشكل مستمر خلال اليوم مع إشارات محفزة. يساهم التكرار في ترسيخ المفاهيم في ذهن الطفل، ويزيد من فرص التعلم والتفاعل بشكل إيجابي.
التكرار لا يقتصر فقط على الكلمات؛ بل يشمل أيضاً الأنشطة الاجتماعية التي قد تكون جديدة على الطفل. مثلاً، إذا كان الطفل المتوحد لا يستطيع فهم مفاهيم مثل تبادل الأدوار أو اللعب الجماعي، فمن المفيد ممارسة هذه الأنشطة مراراً وتكراراً في بيئة محكومة وهادئة، مما يسهل عليه التأقلم معها بشكل تدريجي.
3. الاستماع بعناية لاحتياجات الطفل غير اللفظية
في كثير من الأحيان، قد يواجه الأطفال المتوحدين صعوبة في التعبير عن أنفسهم باستخدام الكلمات، لكنهم قد يظهرون احتياجاتهم ورغباتهم من خلال سلوكيات غير لفظية. لذا، فإن فهم وتفسير هذه الإشارات السلوكية يعد جزءاً مهماً من عملية التواصل.
يمكن أن تشمل الإشارات غير اللفظية أشياء مثل التوتر الجسدي، الحركات المفرطة، أو حتى تجنب الاتصال البصري. قد يعبر الطفل عن استيائه أو قلقه من خلال سلوكيات متكررة مثل رفرفة اليدين أو التكرار الصوتي (الإيكولاليا). وعلى الرغم من أن هذه السلوكيات قد تكون محيرة في البداية، فإن فهمها والتعامل معها بحذر يمكن أن يسهم بشكل كبير في تطوير التواصل مع الطفل.
من خلال ملاحظة سلوكيات الطفل بعناية واهتمام، يمكن للوالدين أو المربين تقديم الدعم المناسب. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يبدو قلقاً بسبب بيئة مزدحمة أو ضوضاء مفرطة، يمكن أن تساعده في إيجاد مكان هادئ ليشعر بالأمان. وبهذا الشكل، يمكن للطفل أن يشعر بأن احتياجاته قد تم التعرف عليها والتعامل معها بشكل مناسب.
4. استخدام وسائل دعم بصرية وحسية
الأطفال المصابون بالتوحد غالباً ما يتفاعلون بشكل أفضل مع المعلومات المقدمة باستخدام وسائل بصرية وحسية، مثل الصور، الألوان، والرموز. تستخدم العديد من البرامج التعليمية الخاصة بالتوحد صوراً ورسومات لتوضيح المهام أو لتسهيل الفهم. يمكن للوالدين والمعلمين استخدام بطاقات مرجعية تحتوي على صور للأشياء أو الأنشطة اليومية التي تساعد الطفل على الربط بين الكلمة والصورة.
إحدى الطرق الفعّالة هي استخدام الجدولة البصرية، وهي تقنية ترتبط بتقديم المعلومات في شكل صور منظمة أو لوحات تعرض الأنشطة والمهام اليومية. هذا يساعد الطفل على التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، مما يقلل من مشاعر القلق والارتباك. فبدلاً من قول “غداً سنذهب إلى الطبيب”، يمكن استخدام صورة توضح المشهد أو الإجراء، مما يجعل الفكرة أكثر وضوحاً للطفل.
في نفس السياق، يمكن استخدام الألعاب الحسية والأدوات الملموسة (مثل اللعب بالألوان أو المواد المختلفة) لتشجيع الطفل على التواصل من خلال الحواس. قد تكون هذه الأدوات وسيلة فعالة لتهدئة الطفل أو لتوفير بيئة محفزة للمشاركة الاجتماعية.
الخلاصة
إن التواصل مع الطفل المتوحد يتطلب استراتيجية مدروسة ومخصصة، تعتمد على الوضوح، التكرار، الملاحظة الدقيقة، واستخدام الوسائل البصرية والحسية. من خلال تطبيق هذه الإرشادات، يمكن للوالدين والمعلمين المساهمة في تحسين قدرة الطفل على التفاعل مع محيطه وتعزيز قدراته في التواصل الاجتماعي. يتطلب الأمر الصبر والمرونة، لكن مع الوقت والجهد، يمكن أن يحقق الطفل التوحد تقدماً ملحوظاً في مهاراته الاجتماعية والتواصلية.
