مقال عن كتاب “لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم”
كتاب “لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم” (Don’t Be Nice, Be Real) هو أحد الكتب التي لاقت اهتمامًا واسعًا نظرًا لمحتواه الذي يعرض أفكارًا تتعلق بالتحرر الشخصي وتحقيق الذات. وهو من تأليف الطبيب النفسي والكاتب الأمريكي الدكتور “ديفيد ك. بيرن” الذي يتناول في كتابه كيف أن الأشخاص يمكن أن يكونوا قد تعلموا طوال حياتهم أن يكونوا أكثر لطفًا وتسامحًا مما ينبغي، على حساب مشاعرهم الشخصية واحتياجاتهم الذاتية.
مفهوم الكتاب:
الكتاب لا يهاجم اللطف كقيمة إنسانية، بل يناقش فكرة أن الكثير من الأشخاص يتبنون سلوكًا مفرطًا في اللطف والتسامح، حتى عندما يتعارض ذلك مع مصالحهم أو مشاعرهم الداخلية. يعتمد الدكتور بيرن في هذا الكتاب على مبادئ علم النفس التحليلي، ويعرض كيف أن سلوكيات اللطف الزائد يمكن أن تكون بمثابة دفاعات ضد مشاعر الضعف أو الخوف من الرفض.
أسس السلوك الاجتماعي:
وفقًا للكتاب، تعتبر الطيبة المفرطة وسيلة لحماية الذات من التعرض للألم العاطفي أو الانتقاد الاجتماعي. يشرح بيرن كيف أن الأشخاص الذين يميلون إلى أن يكونوا “لطيفين أكثر من اللازم” هم في الواقع يختارون دائمًا إرضاء الآخرين على حساب أنفسهم، حتى لو كانوا في حالة عاطفية سيئة أو غير راضين عن حياتهم الشخصية.
يقترح الكتاب أن معظم البشر لا يعرفون كيفية وضع حدود واضحة مع الآخرين، حيث يتسمون بالاستجابة السلبية دائمًا على حساب رغباتهم وأولوياتهم. هذه الاستجابة قد تؤدي إلى نتائج غير صحية مثل الشعور بالاستغلال أو التوتر المستمر أو حتى القلق والاكتئاب، وكل ذلك بسبب عدم التوازن بين العطاء والطلب في علاقاتهم الشخصية والمهنية.
تأثير الطيبة المفرطة على العلاقات:
أحد المحاور الأساسية التي يناقشها الكتاب هو كيف أن اللطف الزائد يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية. يتطرق بيرن إلى أن العلاقات الصحية هي التي تعتمد على التوازن بين التفاهم والاحترام المتبادل. في المقابل، فإن اللطف المفرط قد يؤدي إلى تكوين علاقات سامة أو غير متوازنة، حيث يصبح الشخص دائمًا في وضعية المعطي دون تلقي الدعم المتساوي.
تستعرض فصول الكتاب كيف أن الأفراد الذين يفرطون في إظهار اللطف قد يواجهون صعوبة في قول “لا”، مما يجعلهم عرضة للتلاعب أو الاستغلال. ومع مرور الوقت، قد يطور هؤلاء الأشخاص مشاعر الاستياء من كونهم دائمًا في وضعية التضحية، بينما يشعر الآخرون بالراحة في تلقي ما يقدم لهم دون التفكير في مشاعر الشخص الآخر.
مفهوم وضع الحدود:
إحدى الاستراتيجيات التي يعرضها الدكتور بيرن في الكتاب هي ضرورة تعلم وضع الحدود الصحية. يعتقد المؤلف أن القدرة على وضع حدود واضحة مع الآخرين هي مفتاح تحقيق التوازن في العلاقات والحفاظ على صحتك النفسية. وضع الحدود لا يعني أن تكون قاسيًا أو غير مهذب، بل يعني أن تكون صادقًا مع نفسك ومع الآخرين بشأن ما أنت مستعد لتقديمه، وأين تبدأ حدودك الشخصية.
يشرح بيرن أن الشخص الذي لا يضع حدودًا واضحة قد ينتهي به الحال إلى أن يصبح “سلة مهملات” عاطفية للآخرين، حيث يعاملونه على أنه دائمًا متاح لتلبية احتياجاتهم دون اعتبار لاحتياجاته الخاصة. لذلك، من الضروري تعلم كيفية تحديد احتياجاتك أولاً ومن ثم تحقيق توازن في كيفية إظهار الدعم للآخرين دون إغفال نفسك.
التحرر الشخصي وتحقيق الذات:
أحد أبرز الأهداف التي يسعى الكتاب لتحقيقها هو مساعدة القارئ على التحرر من ضغط “الظهور اللطيف” وفتح الطريق نحو حياة أكثر صدقًا وواقعية. بيرن يشدد على أهمية أن يتعلم الفرد كيف يكون نفسه الحقيقية دون التأثر بالمجتمع أو آراء الآخرين.
يشير الكتاب إلى أن الأشخاص الذين يفرطون في اللطف قد يفتقرون إلى الوعي الكامل بذاتهم. فهم يعطون بلا حدود ولكنهم لا يتلقون في المقابل ما يحتاجون إليه على مستوى عاطفي أو نفسي. هذا يمكن أن يؤدي إلى نوع من التفريغ النفسي أو استنزاف الطاقة. التحرر من هذا الضغط يتطلب شجاعة ووعياً ذاتياً لتحقيق التوازن الداخلي.
كيفية التعامل مع الخوف من الرفض:
من بين الأسباب التي تساهم في زيادة اللطف المفرط هو الخوف من الرفض الاجتماعي. يوضح بيرن أن العديد من الأشخاص يصبحون لطيفين للغاية لأنهم يخشون أن يتم رفضهم إذا أبدوا صراحة عن مشاعرهم أو احتياجاتهم الخاصة. يخشى هؤلاء الأشخاص أن يتم تجاهلهم أو انتقادهم إذا أظهروا الجانب الصادق من شخصياتهم. من خلال هذا الكتاب، يتعلم القارئ أن الخوف من الرفض هو شعور طبيعي، لكنه لا يجب أن يكون عائقًا أمام السعي وراء التوازن العاطفي والعيش بطريقة أكثر صدقًا.
كيفية تطبيق مفاهيم الكتاب في الحياة اليومية:
الكتاب يقدم عدة أدوات وتقنيات يمكن أن تساعد الشخص في تقليل اللطف المفرط والتعامل مع مواقف الحياة اليومية بشكل أكثر توازنًا. يتناول بيرن أدوات مثل:
-
التحدث بوضوح عن احتياجاتك: بدلاً من أن تكون متساهلاً أو تساوم على نفسك، يجب أن تتعلم كيف تعبر بوضوح عن احتياجاتك وأولوياتك.
-
الاعتراف بمشاعر الغضب والاستياء: من خلال الاعتراف بمشاعر الغضب التي قد تكون دفنتها في داخلك بسبب اللطف المفرط، يمكنك أن تبدأ في فهم نفسك بشكل أعمق.
-
تعلم قول “لا” بطريقة محترمة: القدرة على قول “لا” هي مهارة أساسية لتحقيق التوازن بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين.
الخلاصة:
في نهاية المطاف، يقدم كتاب “لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم” دعوة جادة نحو أن يكون الإنسان أكثر صدقًا مع نفسه وأكثر قدرة على توازن مشاعره واحتياجاته مع الآخرين. الكتاب لا ينادي بالتخلي عن اللطف، بل يدعو إلى توازن أكثر ووعي ذاتي يساعد الأفراد على تلبية احتياجاتهم الشخصية دون المساس بعلاقاتهم. يُعتبر هذا الكتاب من الكتب التي تقدم قيمة حقيقية للأشخاص الذين يسعون إلى تحسين صحتهم النفسية والتفاعل بشكل أكثر وعيًا وصدقًا مع الآخرين.
الكتاب يعد مرشدًا هامًا في رحلة التعرف على الذات وكيفية بناء حياة صحية نفسياً وعاطفياً.
