التهاب الشعب الهوائية عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج الشامل

يُعد التهاب الشعب الهوائية أحد أكثر اضطرابات الجهاز التنفسي شيوعًا عند الأطفال، خاصة خلال المواسم الباردة، حيث تزداد فرص الإصابة بالعدوى الفيروسية أو البكتيرية التي تؤثر على المجاري التنفسية. يشكل هذا المرض تحديًا صحياً حقيقياً للأسر والكوادر الطبية، لما له من تأثير مباشر على الجهاز التنفسي للطفل، وقدرته على التنفس الطبيعي، إضافة إلى تأثيره على نوعية حياة الطفل ونشاطه اليومي.

يتضمن التهاب الشعب الهوائية التهابًا في بطانة الشعب الهوائية المسؤولة عن نقل الهواء من القصبة الهوائية إلى الرئتين، مما يؤدي إلى تضيق هذه الشعب وزيادة إفراز المخاط، وهو ما يسبب السعال، وصعوبة التنفس، والصفير في بعض الحالات. ينقسم هذا المرض إلى نوعين رئيسيين هما: التهاب الشعب الهوائية الحاد، والذي يكون مؤقتًا وينتج غالبًا عن عدوى فيروسية؛ والتهاب الشعب الهوائية المزمن، وهو أقل شيوعًا عند الأطفال، لكنه يتطلب متابعة دقيقة لعلاقته بأمراض تنفسية أخرى مثل الربو.

أولًا: التعريف العلمي لالتهاب الشعب الهوائية

التهاب الشعب الهوائية (Bronchitis) هو حالة التهابية تصيب الشعب الهوائية (القصيبات الهوائية)، وتؤدي إلى انتفاخها واحتقانها، ما يعوق مرور الهواء بحرية إلى الرئتين. في الحالات الحادة، يكون السبب عادة فيروسًا تنفسيًا، بينما في الحالات المزمنة قد يكون السبب مرتبطًا بتكرار العدوى أو بأمراض تنفسية مزمنة مثل الربو أو التليف الكيسي.

ثانيًا: الفرق بين التهاب الشعب الهوائية الحاد والمزمن

ثالثًا: الأسباب والعوامل المساعدة

1. الأسباب الفيروسية

تشير الدراسات إلى أن أكثر من 90% من حالات التهاب الشعب الهوائية الحاد عند الأطفال تعود إلى عدوى فيروسية، وتشمل الفيروسات الشائعة:

• الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)

• فيروس الإنفلونزا A وB

• الفيروسات الكورونية (غير المرتبطة بـCOVID-19)

• فيروس البارا إنفلونزا

2. الأسباب البكتيرية

تمثل نسبة أقل من الحالات، لكنها قد تكون أكثر خطورة، وتشمل أنواعًا مثل:

• Mycoplasma pneumoniae

• Bordetella pertussis (المسببة للسعال الديكي)

3. العوامل البيئية والمهيجات

• التعرض للدخان، خاصة دخان التبغ (التدخين السلبي)

• تلوث الهواء

• الروائح الكيميائية أو الغبار

• ضعف المناعة

4. العوامل المتعلقة بصحة الطفل

• الأطفال المصابون بالربو أو أمراض الرئة المزمنة

• الولادة المبكرة

• ضعف الوزن عند الولادة

• سوء التغذية

رابعًا: الأعراض الإكلينيكية

الأعراض تختلف من طفل إلى آخر حسب شدة الالتهاب والعوامل المرافقة، وتشمل:

• السعال المستمر: غالبًا ما يبدأ جافًا ثم يصبح مصحوبًا ببلغم.

• الحمى: تتراوح من معتدلة إلى مرتفعة، خاصة في الحالات الفيروسية.

• احتقان الأنف وسيلانه

• ضيق التنفس

• صفير الصدر (Wheezing)

• تعب عام وفقدان الشهية

• ألم في الصدر

• تغير لون البلغم: قد يكون شفافًا، أو مائلًا إلى الأصفر أو الأخضر في الحالات البكتيرية.

خامسًا: طرق التشخيص

1. التقييم السريري

يعتمد التشخيص بشكل أساسي على التاريخ المرضي والفحص البدني، حيث يستمع الطبيب إلى أصوات التنفس باستخدام السماعة الطبية للكشف عن وجود صفير أو خشخشة.

2. اختبارات مساعدة

• الأشعة السينية للصدر: تُستخدم لاستبعاد الالتهاب الرئوي.

• تحليل البلغم: للكشف عن وجود عدوى بكتيرية.

• اختبار PCR أو مسحات أنفية: لتحديد الفيروس المسبب.

• قياس نسبة الأكسجين في الدم (SpO2): لتقدير شدة التأثير على الجهاز التنفسي.

سادسًا: العلاج

يختلف العلاج حسب سبب التهاب الشعب الهوائية، وعمر الطفل، وشدة الأعراض.

1. العلاج الداعم (Supportive Care)

• الراحة: توفير بيئة هادئة للطفل.

• السوائل: تشجيع شرب الماء والعصائر الطبيعية لتقليل لزوجة البلغم.

• مرطبات الهواء: استخدام جهاز ترطيب الهواء خاصة في البيئات الجافة.

• محلول ملحي للأنف: لتخفيف احتقان الأنف.

2. الأدوية

• خافضات الحرارة ومضادات الحمى: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين.

• مضادات السعال: لا تُنصح بها عمومًا للأطفال دون سن 6 سنوات.

• موسعات الشعب الهوائية: مثل السالبوتامول، في حالات الصفير أو ضيق التنفس.

• المضادات الحيوية: فقط في حالات العدوى البكتيرية المؤكدة أو المشتبه بها بشدة.

3. العلاج بالأكسجين

في حالات ضيق التنفس الشديد أو انخفاض تشبع الأكسجين في الدم.

سابعًا: المضاعفات المحتملة

• التحول إلى التهاب رئوي

• حدوث نوبات ربو أو تفاقم الربو الموجود مسبقًا

• فشل تنفسي (نادر جدًا في الحالات الحادة)

• التهاب الأذن الوسطى أو الجيوب الأنفية

ثامنًا: طرق الوقاية

الوقاية تلعب دورًا كبيرًا في تقليل معدلات الإصابة والتكرار، وتشمل:

1. التطعيمات

• لقاح الإنفلونزا السنوي

• لقاح المكورات الرئوية (Pneumococcal vaccine)

• لقاح السعال الديكي (DTaP)

2. الابتعاد عن المهيجات

• منع التدخين داخل المنزل أو في أماكن تواجد الأطفال.

• تحسين جودة الهواء في المنزل من خلال التهوية واستخدام فلاتر الهواء.

3. العادات الصحية

• غسل اليدين بانتظام.

• عدم مشاركة الأدوات الشخصية بين الأطفال.

• تعزيز الجهاز المناعي بالتغذية السليمة.

تاسعًا: الرعاية المنزلية ومتى يجب مراجعة الطبيب

العناية في المنزل ضرورية، وتشمل الراحة، الترطيب، وخفض الحرارة، لكن هناك علامات تستدعي الرعاية الطبية العاجلة مثل:

• صعوبة واضحة في التنفس.

• ازرقاق الشفاه أو الوجه.

• ارتفاع الحرارة لأكثر من 3 أيام.

• عدم القدرة على تناول الطعام أو السوائل.

• سعال مستمر لأكثر من 3 أسابيع دون تحسن.

عاشرًا: التهاب الشعب الهوائية والربو

يُشكل الربو أحد العوامل المسببة لالتهاب الشعب الهوائية المزمن عند الأطفال. في بعض الحالات، قد لا يُشخّص الربو إلا بعد تكرار نوبات السعال وضيق التنفس المصاحبة لالتهاب الشعب الهوائية. هذه الحالة تعرف بـ “الربو الشعبي” أو “التهاب الشعب الهوائية الربوي”. من المهم متابعة الطفل لدى أخصائي أمراض الجهاز التنفسي لتحديد العلاقة بين الحالتين ووضع خطة علاج شاملة.

أحد عشر: متى يصبح التهاب الشعب الهوائية مزمنًا؟

الالتهاب المزمن نادر عند الأطفال، لكنه يُشخّص عند استمرار السعال المصحوب ببلغم لأكثر من 3 شهور سنويًا، وعلى مدار عامين متتاليين. هذا النوع يستدعي استقصاء الأسباب الكامنة مثل التليف الكيسي، التحسس المزمن، أو العوامل البيئية المزمنة مثل تلوث الهواء أو التدخين.

اثنا عشر: دور الأهل في إدارة الحالة

يلعب الوالدان دورًا محوريًا في:

• مراقبة الأعراض بدقة.

• الالتزام بمواعيد الدواء.

• تقليل التعرض للعدوى والمهيجات.

• متابعة الحالة مع الطبيب المختص بانتظام.

خاتمة

التهاب الشعب الهوائية عند الأطفال يُعد من الأمراض الشائعة لكن غالبًا ما يمكن التحكم به وعلاجه بفعالية عند التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج المناسب. تتطلب الوقاية والتعامل مع الحالات الحادة والمزمنة وعيًا صحيًا كبيرًا من الأسرة والمجتمع، ومتابعة مستمرة للحالة التنفسية للطفل، خاصة في الفترات الموسمية التي تزداد فيها العدوى. تعزيز المناعة، تحسين نمط الحياة، وتوفير بيئة خالية من المهيجات تُعتبر من أهم الإجراءات لتقليل خطر الإصابة وتكرار النوبات.

المصادر:

1. American Academy of Pediatrics. “Bronchitis in Children.” HealthyChildren.org.

2. National Institute of Allergy and Infectious Diseases. “Respiratory Infections in Children.”