التهاب السحايا عند الرضع: الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج

يُعد التهاب السحايا عند الرضع من أكثر الحالات الطبية خطورة في الأشهر الأولى من حياة الطفل. يتمثل هذا الالتهاب في إصابة الأغشية المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي، والتي تُعرف بالسحايا، بالعدوى سواء كانت بكتيرية أو فيروسية أو فطرية. نظراً لطبيعة الجهاز المناعي غير الناضج لدى الرضع، فإن أي عدوى في هذه المرحلة العمرية يمكن أن تتطور بسرعة إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على النمو العصبي والمعرفي للطفل. وعليه، فإن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السريع يعدان ضروريين للحد من المضاعفات الطويلة الأمد ولضمان بقاء الرضيع على قيد الحياة بصحة جيدة.

التعريف العلمي لالتهاب السحايا

التهاب السحايا (Meningitis) هو التهاب في الأغشية الثلاثة المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي. هذه الأغشية تؤدي دوراً حيوياً في حماية الجهاز العصبي المركزي. عند تعرض هذه الأغشية للعدوى، تبدأ بعملية التهابية قد تؤدي إلى تورم، زيادة في الضغط داخل الجمجمة، وتلف في الأنسجة العصبية. في حالة الرضع، يكون التهاب السحايا غالبًا أكثر حدة مقارنةً بالأطفال الأكبر سنًا أو البالغين، نظراً لعدم اكتمال التطور المناعي لديهم وصغر حجم الدماغ.

الأنواع الشائعة لالتهاب السحايا عند الرضع

1. التهاب السحايا البكتيري

يُعد الأكثر خطورة بين أنواع التهاب السحايا، وهو غالبًا ما يُصيب الأطفال حديثي الولادة وحتى عمر السنة. بعض أنواع البكتيريا المسببة تشمل:

• Streptococcus agalactiae (المجموعة B العقدية): وتُعد السبب الأكثر شيوعاً لدى حديثي الولادة.

• Escherichia coli: خاصة لدى الأطفال المولودين قبل الأوان أو الذين خضعوا لإجراءات طبية.

• Listeria monocytogenes: تنتقل عبر الغذاء الملوث من الأم إلى الجنين.

• Neisseria meningitidis وHaemophilus influenzae وStreptococcus pneumoniae: شائعة أكثر بعد عمر الشهرين ولكن تظل مهددة لحياة الرضع.

2. التهاب السحايا الفيروسي

هذا النوع غالبًا ما يكون أقل خطورة من الالتهاب البكتيري، لكنه لا يزال مقلقًا في حالة الرضع. تشمل الفيروسات المسببة:

• فيروسات الإنفلونزا.

• فيروس الهربس البسيط.

• الفيروسات المعوية (مثل فيروس كوكساكي وفيروس إيكو).

3. التهاب السحايا الفطري

هو نوع نادر ويحدث غالبًا لدى الرضع الذين يعانون من ضعف شديد في المناعة أو خضعوا لفترات علاج طويلة بالمضادات الحيوية أو القسطرة الوريدية المركزية. الفطر الأكثر شيوعًا في هذه الحالة هو Candida albicans.

الأسباب المؤدية للإصابة

هناك عدة عوامل تؤدي إلى إصابة الرضع بالتهاب السحايا، وتتضمن:

• الانتقال العمودي من الأم إلى الطفل: خلال الولادة، يمكن للبكتيريا الموجودة في القناة التناسلية للأم أن تنتقل إلى الطفل.

• ضعف الجهاز المناعي: يجعل الرضيع أكثر عرضة للإصابة بأي نوع من العدوى.

• الولادة المبكرة: الأطفال الخدّج هم أكثر عرضة بسبب النقص في تطوير الحاجز الدموي الدماغي.

• الإقامة الطويلة في وحدات العناية المركزة: تُعرض الرضع للعدوى المرتبطة بالإجراءات الطبية.

• إصابة الأم بعدوى أثناء الحمل أو الولادة: مثل التهابات المهبل أو البول.

الأعراض والعلامات السريرية

أعراض التهاب السحايا عند الرضع تختلف عن الأعراض التقليدية المعروفة لدى البالغين، وقد تكون غامضة وغير نوعية. تشمل الأعراض ما يلي:

• الحمى أو انخفاض الحرارة: من الأعراض الشائعة لكن غير محددة.

• التهيّج والبكاء المستمر: وخاصة عند حمل الطفل أو لمسه.

• نقص في التغذية أو الرضاعة: حيث يرفض الطفل الرضاعة أو يرضع ببطء.

• الخمول أو النعاس الزائد: قد يظهر الطفل وكأنه غير واعٍ أو بطيء الاستجابة.

• تيبّس الرقبة: من العلامات الكلاسيكية لكن نادرة في الرضع دون عمر 6 أشهر.

• انتفاخ اليافوخ الأمامي: يشير إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة.

• نوبات تشنجية: من المؤشرات الخطيرة والتي تستوجب التدخل الفوري.

• تغيرات في التنفس أو لون الجلد: قد يتغير لون الجلد إلى الأزرق أو الرمادي.

التشخيص الطبي

التشخيص المبكر والدقيق لالتهاب السحايا عند الرضع يتطلب مجموعة من الفحوصات المتقدمة، ويبدأ ذلك بالتقييم السريري، ثم يلي ذلك عدد من الفحوصات المخبرية والإشعاعية:

1. البزل القطني (Lumbar Puncture)

هو حجر الزاوية في تشخيص التهاب السحايا، حيث يتم أخذ عينة من السائل النخاعي (CSF) لتحليل مكوناته، بما في ذلك:

• عدد خلايا الدم البيضاء.

• تركيز البروتين والجلوكوز.

• الزراعة الجرثومية.

• اختبارات الـPCR للكشف عن الفيروسات أو البكتيريا.

2. اختبارات الدم

• العد الكامل لخلايا الدم (CBC).

• مزرعة الدم.

• اختبار الـCRP وProcalcitonin كمؤشرات للعدوى.

3. التصوير الطبي

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي (CT) قد يُستخدم لتقييم المضاعفات العصبية المحتملة، مثل وجود خراج أو وذمة دماغية.

العلاج الطبي

يختلف العلاج تبعًا لنوع المسبب وشدة الحالة، ويجب أن يبدأ فورًا بمجرد الاشتباه في الإصابة، دون انتظار نتائج التحاليل النهائية.

1. العلاج بالمضادات الحيوية

في حالة التهاب السحايا البكتيري، يتم البدء بالعلاج واسع الطيف مباشرة:

يتم تعديل العلاج بناءً على نتائج زراعة الدم والسائل النخاعي.

2. مضادات الفيروسات

في حالة اشتباه العدوى بفيروس الهربس البسيط، يُستخدم عقار Acyclovir بجرعات محددة.

3. مضادات الفطريات

لعلاج التهاب السحايا الفطري، يُستخدم Amphotericin B مع أو بدون Flucytosine.

4. الرعاية الداعمة

• مراقبة التنفس والدورة الدموية في وحدة العناية المركزة.

• تنظيم درجة الحرارة.

• العناية بالتغذية سواء عبر الرضاعة الطبيعية أو التغذية الوريدية.

• مراقبة المضاعفات العصبية مثل التشنجات أو زيادة الضغط داخل الجمجمة.

المضاعفات المحتملة

يمكن أن يؤدي التهاب السحايا عند الرضع إلى مضاعفات طويلة الأمد حتى مع العلاج، وتشمل:

• تأخر النمو العقلي والحركي.

• فقدان السمع.

• الصرع.

• الاستسقاء الدماغي.

• تلف دائم في الدماغ أو الأعصاب.

لذلك يُعد المتابعة العصبية الدقيقة بعد الشفاء ضرورية لرصد أي تأخر في التطور النمائي أو أعراض عصبية لاحقة.

الوقاية

تتضمن سبل الوقاية عدة خطوات على مستويات مختلفة:

1. الوقاية أثناء الحمل

• فحص الأم الحامل للكشف عن عدوى المجموعة B العقدية (GBS).

• علاج التهابات المهبل والمسالك البولية لدى الحوامل.

2. الالتزام بالتطعيمات

تلعب اللقاحات دورًا محوريًا في تقليل نسب الإصابة:

• لقاح المكورات الرئوية.

• لقاح Haemophilus influenzae النوع b (Hib).

• لقاح النيسرية السحائية.

• لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR).

3. تحسين بيئة الرضيع

• تجنب الاتصال مع المصابين بالعدوى.

• غسل اليدين بانتظام قبل ملامسة الطفل.

• تقليل التواجد في الأماكن المزدحمة والمغلقة.

المتابعة طويلة الأمد

تُعد المتابعة بعد الشفاء ضرورية لرصد أي أثر مستمر أو تأخر في النمو العصبي. يُفضل إجراء الفحوصات التالية:

• فحص السمع.

• تقييم النمو الحركي والمعرفي.

• فحوصات عصبية دورية.

• متابعة بالتصوير الدماغي إذا لزم الأمر.

الإحصاءات العالمية

تشير الدراسات إلى أن التهاب السحايا البكتيري لدى الرضع لا يزال يحتل مكانة مقلقة بين الأمراض التي تؤدي إلى وفيات الأطفال، خصوصاً في الدول النامية حيث تقل معدلات الكشف المبكر والعلاج المناسب. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن نسبة الوفيات بسبب التهاب السحايا البكتيري قد تصل إلى 15% بين الأطفال حديثي الولادة، بينما يعاني 25% من الناجين من مضاعفات طويلة الأمد.

الخلاصة

يُمثل التهاب السحايا عند الرضع حالة طبية حرجة تتطلب سرعة في التشخيص ودقة في العلاج، خاصة أن الأعراض قد تكون غامضة وغير محددة في هذه الفئة العمرية. الالتزام بإجراءات الوقاية، وتقديم الرعاية الصحية المناسبة للأمهات الحوامل، والتشخيص المبكر باستخدام البزل القطني، كلها عوامل أساسية للحد من نسب الوفيات والمضاعفات. إن تطوير البروتوكولات العلاجية والرعاية المتخصصة في وحدات العناية المركزة للأطفال الخدج وحديثي الولادة ساهم في تحسين فرص الشفاء وتقليل الأضرار العصبية طويلة الأمد.

المراجع:

1. World Health Organization. Meningitis fact sheet. https://www.who.int

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Bacterial Meningitis. https://www.cdc.gov/meningitis