التهاب السحايا عند الأطفال: دراسة شاملة

مقدمة

التهاب السحايا هو حالة طبية طارئة تصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي والمعروفة بالسحايا. يعد التهاب السحايا عند الأطفال من أكثر الأمراض العصبية خطورة التي قد تهدد حياة الطفل أو تؤدي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد. يتطلب التشخيص المبكر والعلاج الفوري لتقليل فرص الإصابة بإعاقات دائمة أو الوفاة. يتناول هذا المقال شرحًا مفصلًا عن التهاب السحايا عند الأطفال، أسبابه، أعراضه، طرق التشخيص، العلاج، والوقاية منه، مستندًا إلى أحدث الأبحاث العلمية والمعايير الطبية.

تعريف التهاب السحايا

التهاب السحايا هو التهاب الأغشية الثلاث التي تغطي الدماغ والنخاع الشوكي، ويحدث نتيجة إصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية أو فطرية أو حتى غير معدية. في الأطفال، تكون الالتهابات البكتيرية والفيروسية هي الأكثر شيوعًا. تتركز خطورة المرض في سرعة تفشي الالتهاب وتأثيره المباشر على الجهاز العصبي المركزي.

أسباب التهاب السحايا عند الأطفال

ينجم التهاب السحايا عن عدة أسباب، تتفاوت باختلاف عمر الطفل والحالة الصحية المحيطة به.

1. الالتهاب البكتيري

هو الشكل الأكثر خطورة، ويتطلب علاجًا فوريًا. تشمل البكتيريا الأكثر شيوعًا المسببة لالتهاب السحايا عند الأطفال:

• المكورات السحائية (Neisseria meningitidis): تسبب التهاب السحايا السحائي الذي يمكن أن ينتشر بسرعة ويؤدي إلى تفشي الوباء.

• المكورات الرئوية (Streptococcus pneumoniae): هي من الأسباب الرئيسية لالتهاب السحايا الجرثومي لدى الأطفال الأكبر سنًا والبالغين.

• الهيموفيلوس إنفلونزا النوع ب (Hib): كانت السبب الأكثر شيوعًا قبل تطوير لقاح Hib.

• الليستريا مونوسيتوجينس (Listeria monocytogenes): تصيب الأطفال حديثي الولادة والمصابين بنقص المناعة.

2. الالتهاب الفيروسي

يعد أكثر أنواع التهاب السحايا شيوعًا وأقل خطورة، غالبًا ما يتعافى الأطفال منه دون مضاعفات دائمة. الفيروسات المسببة عادةً تشمل:

• الفيروسات المعوية مثل فيروس الكوكساكي.

• فيروس الهربس البسيط.

• الفيروسات الأخرى مثل فيروس النكاف وفيروس الحصبة.

3. الأسباب الفطرية والنادرة

تحدث هذه الأنواع في حالات نقص المناعة أو لدى الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل الفطريات (Cryptococcus) أو التهاب السحايا اللاعدواني الناتج عن أمراض مناعية.

4. أسباب غير معدية

تشمل التهابات السحايا الناتجة عن أمراض التهابية مثل الذئبة الحمراء أو استخدام بعض الأدوية التي قد تسبب التهابًا غير بكتيري.

عوامل الخطورة

هناك عدة عوامل تزيد من احتمال إصابة الطفل بالتهاب السحايا، منها:

• العمر: الأطفال تحت سن الخامسة خاصة حديثي الولادة هم الأكثر عرضة.

• نقص المناعة، سواء خلقي أو مكتسب.

• سوء التغذية.

• الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري أو السرطان.

• التعرض لبيئات مزدحمة مثل دور الحضانة والمدارس.

• عدم تلقي التطعيمات المناسبة.

أعراض التهاب السحايا عند الأطفال

تختلف أعراض التهاب السحايا باختلاف عمر الطفل وشدة الإصابة، لكنها تتطور سريعًا في العادة، ويجب الانتباه إليها فورًا.

الأعراض عند الرضع

• ارتفاع درجة الحرارة بشكل مفاجئ.

• بكاء مستمر وغير مهدأ.

• صعوبة في الرضاعة أو رفضها.

• انتفاخ في منطقة النافخة (في رأس الطفل حديث الولادة).

• تيبس في الرقبة أو الجسم.

• زيادة النعاس أو صعوبة في الاستيقاظ.

• نوبات تشنجية.

الأعراض عند الأطفال الأكبر سنًا

• صداع شديد ومستمر.

• حمى مرتفعة مفاجئة.

• تيبس في الرقبة مع صعوبة في تحريكها.

• غثيان وقيء.

• حساسية للضوء.

• تشوش ذهني أو نعاس مفرط.

• نوبات صرع أو فقدان الوعي في الحالات المتقدمة.

تشخيص التهاب السحايا

يشكل التشخيص المبكر والدقيق عاملًا حاسمًا في تحسين فرص الشفاء وتقليل المضاعفات. يعتمد التشخيص على الفحص السريري والأدوات الطبية المختبرية والتصويرية.

الفحص السريري

يقوم الطبيب بتقييم الأعراض وفحص العلامات العصبية مثل تيبس الرقبة، وجود العلامات الإيجابية مثل علامة كيرنيغ (عدم القدرة على فرد الساق عندما يكون الورك مثنيًا) وعلامة برودينسكي (رفع الركبة عند ثني الرقبة)، بالإضافة إلى تقييم الحالة العامة للطفل.

الفحوصات المختبرية

• بزل السائل الشوكي (البزل القطني): هو الفحص الأساسي لتشخيص التهاب السحايا، حيث يتم سحب عينة من السائل الدماغي الشوكي وتحليلها للكشف عن وجود البكتيريا أو الفيروسات أو خلايا التهابية.

• تحاليل دم كاملة: لتحديد علامات الالتهاب مثل زيادة كريات الدم البيضاء، ومستوى البروتين المتفاعل C.

• زرع الدم أو السائل الشوكي: لتحديد نوع الجرثومة المسببة.

• اختبارات أخرى: مثل تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لتحديد الفيروسات.

الفحوصات التصويرية

في بعض الحالات قد يحتاج الطفل إلى تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) لاستبعاد وجود مضاعفات مثل خراج دماغي أو تورم دماغي.

علاج التهاب السحايا عند الأطفال

يعد العلاج الطبي الفوري والفعال من أهم العوامل التي تحدد مسار المرض ونتائجه. يختلف العلاج باختلاف نوع الالتهاب، سواء كان بكتيريًا أو فيروسيًا.

العلاج الدوائي

الالتهاب البكتيري

يتطلب العلاج بالمضادات الحيوية عبر الوريد بشكل فوري بعد التشخيص أو الاشتباه، ويتم اختيار المضاد الحيوي بناءً على نوع البكتيريا الشائعة في الفئة العمرية للطفل ومقاومة البكتيريا المحلية.

• المضادات الحيوية الشائعة: الأمبيسيلين، السيفترياكسون، والفانكومايسين.

• يتم تعديل العلاج حسب نتائج الزرع واختبارات الحساسية.

• أحيانًا يُضاف الكورتيكوستيرويدات مثل الديكساميثازون لتقليل التهاب السحايا ومنع المضاعفات العصبية.

الالتهاب الفيروسي

لا يتطلب عادة علاجًا بالمضادات الحيوية، ويتم التعامل مع الأعراض داعمًا مثل خافضات الحرارة، السوائل، والراحة. في حالات فيروس الهربس البسيط، يستخدم مضاد الفيروسات مثل الأسيكلوفير.

العلاج الداعم

• المراقبة الدقيقة في المستشفى، وخاصة مراقبة العلامات الحيوية ووظائف الجهاز العصبي.

• علاج المضاعفات مثل الصرع أو ارتفاع الضغط داخل الجمجمة.

• توفير دعم تنفسي أو غذائي حسب الحاجة.

مضاعفات التهاب السحايا عند الأطفال

إذا لم يُعالج التهاب السحايا بشكل سريع أو إذا كان الالتهاب شديدًا، فقد تظهر مضاعفات خطيرة تشمل:

• تلف دماغي دائم يؤدي إلى تأخر في النمو العقلي أو الحركي.

• الصمم أو فقدان السمع.

• مشاكل في البصر.

• نوبات الصرع المزمنة.

• اضطرابات التعلم والسلوك.

• الشلل أو ضعف العضلات.

• الوفاة في الحالات الحادة أو المتقدمة.

الوقاية من التهاب السحايا عند الأطفال

تعتبر الوقاية أفضل وسيلة لتقليل انتشار المرض وحماية الأطفال، وتشمل الإجراءات التالية:

1. التطعيمات

• لقاح المكورات الرئوية (PCV).

• لقاح المكورات السحائية (MenACWY وMenB).

• لقاح الهيموفيلوس إنفلونزا النوع ب (Hib).
  التطعيمات تقلل بشكل كبير من نسبة الإصابة بالتهاب السحايا البكتيري.

2. النظافة الشخصية

• غسل اليدين بانتظام.

• تجنب مشاركة أدوات الطعام والشراب.

• تهوية الأماكن المغلقة وتجنب الأماكن المزدحمة.

3. الكشف المبكر

• التوجه الطبي السريع عند ظهور أعراض الحمى والصداع والقيء.

• متابعة الأطفال حديثي الولادة والأطفال ذوي المناعة الضعيفة.

4. علاج الحالات المعدية الأخرى

علاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي والتهابات الأذن الوسطى بشكل مناسب يقلل من خطر انتقال العدوى إلى السحايا.

جدول مقارنة بين التهاب السحايا البكتيري والفيروسي

الخاتمة

التهاب السحايا عند الأطفال يمثل حالة طبية طارئة يجب التعامل معها بحذر وحرص. يؤدي التشخيص المبكر والعلاج المناسب إلى تقليل نسبة الوفيات والإعاقات الناتجة عن المرض. التطعيمات تعتبر حجر الزاوية في الوقاية، إضافة إلى أهمية الوعي بأعراض المرض وضرورة التوجه السريع للرعاية الطبية. تظل الرعاية الطبية المتخصصة والمتابعة الدقيقة من أهم عوامل نجاح العلاج والحد من المضاعفات طويلة الأمد، مما يحفظ صحة الأطفال ويحسن جودة حياتهم المستقبلية.

المراجع

1. Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Meningitis. Available at: https://www.cdc.gov/meningitis/index.html

2. World Health Organization (WHO). Meningitis fact sheet. Available at: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/meningitis